الرئيس الحريري تبنّاه وبناه فكان... مثواه الأخير
جامع محمد الأمين... جامع العرب واللبنانيين أول صلاة جمعة أزاحت الستار عن «التحفة المعمارية»
1 يناير 1970
11:09 ص
|بيروت - «الراي»|
«... بنيتُ في ربع القرن الاخير آلاف المباني، لكنني أردت ان يكون هذا الصرح المبارك تحفتي المعمارية (...) وإن شاء الله سنصلي واياكم في هذا الجامع بعد بضع سنوات نرجو ان تكون قليلة قدر الامكان»... عبارات «معبّرة» أطلقها الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 3 أكتوبر 2003_ عندما وضع الحجر الاساس لجامع محمد الأمين في وسط بيروت.
امس، وبعد خمس سنوات، تحقق «حلم» رئيس الوزراء اللبناني السابق الذي «دشن» من «مقامه» المسجد - التحفة، الذي لم يكن يعلم انه «تبناه» وبناه ليكون... مثواه الأخير.
«طيف» الحريري، الذي يرقد في ضريحه في باحة مسجد محمد الأمين، «درة المساجد» في لبنان، كان الاكثر حضوراً في اول صلاة جمعة في الجامع الذي جمع اللبنانيين من مختلف طوائفهم المسيحية والاسلامية والعرب على اختلاف اطيافهم في يوم مشهود من تاريخ بيروت ووسطها حيث تتعانق 10 كنائس وخمس مساجد في مشهد «تعايشي» لبناني قلّ نظيره في العالم.
«الاب الرئيس» وضع الحجر الاساس، ونجله زعيم «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري، ازاح الستارة عن «لوحة التدشين» الذي حضره حشد من رجل الدين من مختلف الدول العربية وآلاف المصلين.
على وقع قرع أجراس كاتدرائية مار جرجس، توافد المسلمون لتأدية صلاتهم الأولى في المسجد الذي فتح أبوابه أمام 8000 مصلٍّ، فيما ألوف باقية قُدّرت بـ 20 الفاً اتخذوا من ساحة الشهداء مصلىًّ لهم.
الكل بداً مندهشاً مما رآه من عظمةٍ في بناء المسجد، الذي يقوم على مساحة 10711 متراً مربعاً، ويزاوج ما بين الطابع العثماني والمملوكي في تصميمه العام وفي زخارفه الداخلية وفي شكل خاص في مآذنه وقبَّته الرئيسيّة المنقوشة والمذهبة والتي تتوسّطها آيات كريمة من سورة النور.
في الداخل، قاعة واسعة زودت بتجهيزات حديثة صمّمت خصّيصاً لهذا الصرح الكبير، إضافةً إلى شاشات نقلت وقائع الصلاة، ناهيك عن السجاد الأحمر الذي اختاره الحريري الاب لينسجم مع طابع المسجد وحاجات المصلّين.
أجمع المصلّون والمصليات على أن هذا المسجد هوَ من أجمل مساجد لبنان. وقالت لمياء الأسير إنها ترى «تحفة فنيّة»، وتمنّت «لو كان الشهيد موجوداً ليفتتحها».
وقد شارك في أول صلاة جمعة في مسجد محمد الأمين، رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشد قباني، ممثل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ حسن عبد الله، شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم حسن، ومفتي عام القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين آتيا من عمان، وعدد من وزراء الأوقاف والمفتين في الدول العربية والاسلامية بينهم وكيل وزارة الاوقاف والعدل في الكويت عادل فلاح، وزير الدعوة والاوقاف والارشاد في السعودية الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير العدل القطري الشيخ حسن بن عبد الله الغانم، وزير الاوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان الشيخ عبد الله الساعي، نائب مدير عام الشؤون الاسلامية والاوقاف في الامارات محمد المزروعي، مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة، رئيس الاوقاف السني في العراق الشيخ احمد السمراني، ورئيس الاوقاف الشيعي في العراق السيد صالح الحيدري.
كما شارك رؤساء حكومة سابقون ووزراء ونواب من لبنان وسفراء بعض الدول العربية والإسلامية وآل الحريري وحشد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية والتربوية ومن مختلف المناطق.
وألقى خطبة الجمعة مفتي الديار المصرية، الذي قال: «هذا مسجد اسس على التقوى من اول يوم، وربنا يحب مثل هذه المساجد، وينبغي علينا ان يستمر كذلك، جميلا في مبناه، قويا في معناه. هذا المسجد ايها المؤمنون فيه رموز، انه جامع يجمع بين الذكور والاناث الرجال والنساء الكبير والصغير الابيض والاحمر والاسود، يجمع بين جميع الناس ويصطفون صفا واحدا لا فرق بين غنيهم وفقيرهم وضعيفهم وقويهم وصحيحهم ومريضهم».
وختم: «اللهم يا ربنا في هذه الساعة، ولعلها ان تكون ساعة الاجابة، اغفر وارحم وجازي كل من ساهم في بناء هذا المسجد يا رب العالمين جازه خيرا في الدنيا والآخرة. واغفر في هذا العمل الصالح للمرحوم رفيق الحريري، وايد بهذا العمل الصالح ابنه البار سعد الحريري».
بعدها أم المفتي قباني المصلين، ثم توجه مع كبار المدعوين إلى دار الفتوى حيث أقام مأدبة غداء بالمناسبة، قال فيها «إن افتتاح مسجد خاتم الأنبياء والمرسلين محمد الأمين صلى الله عليه وسلم، هو مناسبة جامعة جمعت بيننا وبينكم وبين جمهور المسلمين أولا في افتتاح هذا المسجد العظيم الذي شيده الرئيس الشهيد رفيق الحريري رحمه الله تعالى في هذا اليوم المبارك، كما جمع بيننا وبينكم هنا في داركم في دار الفتوى. ونستذكر في هذه المناسبة التي تجمعنا في هذا اليوم الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي تميز بإيمانه العميق وبعروبته وإسلامه والذي أعطى وطنه لبنان والأمة العربية والإسلامية عقله وقلبه وروحه بأعماله المجيدة حتى قضى شهيدا».
يذكر انه وصل امس الى مطار رفيق الحريري الدولي، وزير الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية في الاردن عبد الفتاح صلاح، للمشاركة في افتتاح مسجد محمد الامين اليوم، كما وصل شيخ الازهر محمد سيد طنطاوي للمشاركة في فعاليات افتتاح المسجد.
ويقع المسجد (رويترز) في منطقة تعج بالمساجد والكنائس ودور العبادة والاثارات، وهو يتألف من اربع مآذن يصل ارتفاعها الى 72 مترا وقبة فوق قاعة الصلاة يبلغ ارتفاعها أكثر من 42 مترا وقد اعتمد في التصميم المعماري العام على الطابع العثماني والطابع اللبناني وجاءت المفردات المعمارية والتفاصيل والزخرفات على الطابع المملوكي.
وتبلغ المساحة الاجمالية للمسجد 10711 مترا مربعا موزعة على اربعة طوابق تتسع لنحو خمسة الاف مصل يضاف اليها نحو 2500 شخص عند استعمال الفراغات الاخرى والقاعة المتعددة الاستعمال والردهات الخارجية.
وغلف المسجد كله بالحجر باللون الاصفر الذهبي وزخرفت اطرافه بالكرانيش والاحجار المطعمة باللون الابيض وكيست القباب باللون الأزرق اللازوردي وركزت على رأس القباب والمآذن اجسام مكورة متعددة الطبقات تنتهي بهلال صنع من النحاس الأصفر وكيست بماء الذهب.
وغطيت القباب بالسيراميك الأزرق العابق لونه بزرقة السماء المستورد خصيصا من ايطاليا وتمت زخرفة القبة الداخلية بنقوش مذهبة وتتوسط القبة الرئيسية ايات من صورة النور وتتدلى منها ثريا من الكريستال.
تفتح الواجهة الشرقية للمسجد على ساحة الشهداء، التي احتضنت منذ العام 2005 اكبر التظاهرات ضد الوجود السوري في لبنان.
ويقام اليوم، الافتتاح الرسمي للجامع بمشاركة 700 شخصية روحية ورسمية من لبنان ودول عربية واسلامية.