الحكومة التقطت الصورة التذكارية و«المسار السهل» لصوغ البيان الوزاري انطلق
لبنان... إلى قانون الانتخاب دُر!
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
04:35 م
تكتسب عملية «إعادة تكوين السلطة» في لبنان، في إطار المرحلة الانتقالية التي جاءت بالعماد ميشال عون رئيساً وأعادت الرئيس سعد الحريري الى السرايا الحكومية، أهمية ذات طبيعة مفصلية في تحديد التوازنات داخل الحكم والوجهة الاقليمية لموقع لبنان، وهو الأمر الذي يفسر مغزى القراءات المتناقضة لـ «الأحجام» التي انطوت عليها «حكومة التسوية وتفاهماتها» والاشتباك السياسي العاصف حول الطبيعة المفترضة للقانون الذي سيحكم الانتخابات النيابية في مايو المقبل بوصفه الممرّ الإلزامي لتحديد الطبيعة السياسية للغالبية والأقلية في البرلمان العتيد.
ورغم ان «العدسات» كانت مشدودة يوم امس لـ «صورتيْن»، واحدة تذكارية التُقطت في القصر الجمهوري لحكومة الثلاثين وزيراً، وثانية لأول جلسة مجلس وزراء تَرأسها عون ومن على يمينه الحريري ومن على يساره نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني (من القوات اللبنانية)، فان المسألة الأكثر جوهرية هي ان إعادة تركيب «البازل اللبناني» تجري على وهج تحولات دراماتيكية في الصراع اللاهب في المنطقة لا سيما في سورية التي يسابق المحور الروسي - الايراني فيها دخول الإدارة الاميركية الجديدة البيت الابيض.
وقد عكستْ الجلسة الاولى التي عقدها مجلس الوزراء اللبناني وخلصت الى تشكيل لجنةٍ لصوغ البيان الوزاري برئاسة الحريري عقدت اول اجتماعاتها عصر امس، ان ثمة رغبة في إطلاق عجلة المؤسسات التي تعطّلت على مدار نحو 29 شهراً هو عمر الفراغ الذي استمرّ في رئاسة الجمهورية، تمهيداً للتركيز على «المهمّة الأهمّ» للحكومة وهي إجراء الانتخابات النيابية وفق قانون انتخاب جديد سيستدعي وضعه تأجيلاً تقنياً أكيداً للاستحقاق النيابي من مايو وربما حتى سبتمبر أو أكتوبر.
وبدا واضحاً استعجال رئيس البرلمان نبيه بري إنجاز البيان الوزاري للحكومة وتمنيه ان تنال الحكومة على اساسه الثقة بين عيديْ الميلاد ورأس السنة، بما يؤشر الى رغبة فريق «8 آذار» الذي يشكل «حزب الله» رافعته الأساسية في «التقاط فرصة» الانتخابات النيابية المقبلة لتحقيق غايتيْن متوازيتيْن وفق دوائر سياسية في بيروت: الاولى ضمان «دفن» قانون الستين الحالي للانتخاب والذي يشّكل سيفاً مصلتاً عليه يمكن ان يسمح بـ «محاصرته» في حال قام تحالف بين كل من «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» والنائب وليد جنبلاط و«التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون)، وهو التحالف الذي من شأنه ان يوفّر غالبية تتجاوز 90 نائباً من اصل 128، مع ما يعنيه ذلك من جعل «المدى» السياسي لحزب الله محكوماً بحدود اللعبة التي ستفرضها نتائج مثل هذه الانتخابات، وهو المدى الذي لا يرى الحزب انه يتلاءم مع «حجمه» الاقليمي الذي تجلى في «الحروب» التي ينخرط فيها في أكثر من ساحة ولا «الانتصارات» التي يعتبر انه يحققها.
اما الغاية الثانية، فهي النفاذ من النسبية التي يصرّ عليها في اي قانون انتخاب للفوز بغالبية تُدخِله في الوقت نفسه الى «بيوت خصومه» في محاولة «لمقاسمتهم» نفوذهم داخل طوائفهم، بما يتيح اولاً «تقليم أظافر» زعامات بارزة أهمها الرئيس سعد الحريري، وثانياً تكوين «كيانات سياسية» رديفة تسمح له بالإبقاء على امتداد سياسي خارج «الرقعة» المحددة دستورياً للطائفة الشيعية والتي تمنحها سلطة «الثلث» وليس أكثر، اي الانتقال من منطق التعطيل لفرض «الاحادية في الإمرة الاستراتيجية»، الى مرحلة «تسييل» هذه في «سلطة التقرير».
ولعلّ هذه الأبعاد هي التي تجعل النقاش حول قانون الانتخاب يكتسب أبعاداً استراتيجية سياسياً و«وجودية» طائفياً ومذهبياً، وهو ما يعبّر عنه الرفض القاطع للرئيس الحريري لأي قانون يقوم على النسبية الكاملة في نظام الاقتراع وقرْع النائب وليد جنبلاط «طبول المعركة» بوجه مثل هكذا قانون وصولاً الى اعلانه «لسنا قطيع غنم ليسلّم مصيره وسط هذه الغابة من الذئاب»، قبل ان يلاقيه المجلس المذهبي الدرزي مؤكداً أن «أي قانون انتخاب يخفي محاولات عزل سيجابه بالوسائل والطرق المتاحة».
وكان لافتاً انه بعيد تشكيل لجنة صوغ البيان الوزاري برئاسة الحريري وعضوية كلّ من الوزراء محمد فنيش وسليم جريصاتي وعلي حسن خليل وبيار أبي عاصي ونهاد المشنوق ومروان حمادة ويوسف فنيانوس، سرت معلومات عن عقد لجنة خبراء اول اجتماع لها امس للبحث في صيغتيْن لقانون الانتخاب: الاولى التي وردت في اقتراح الرئيس نبيه بري اي النظام المختلط على قاعدة 64 نائباً يُنتخبون بالاقتراع النسبي و64 بالأكثري، والثانية المتفق عليها بين بري وتيار عون اي الانتخاب على مرحلتين: الاولى تأهيلية على أساس القضاء بالأكثري والثانية انتخابية على اساس المحافظة بالنسبي.
وفي حين تكمن «الشياطين» في اي من هاتين الصيغتين في تفاصيل الدوائر ثم في «البوانتاجات» التي ستجري على أساسها بما لا يسمح لأي فريق بالتسليم مسبقاً بقانون يهدي الفوز لخصومه، لم يتّضح مصير الاقتراح الذي سبق ان تقدّمت به «القوات اللبنانية» و«المستقبل» وجنبلاط ويقوم على انتخاب 60 نائباً وفق النسبي و68 على قاعدة الأكثري.
وكانت جلسة مجلس الوزراء استُهلت بالوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء الذين سقطوا في الفترات السابقة ولا سيما بتفجيرات ارهابية، قبل ان تكون مداخلة للرئيس عون اكد فيها ان اولية الحكومة هي وضع قانون انتخاب جديد وإجراء الانتخابات النيابية والتصدي للفساد، قبل ان يتحدث الحريري داعياً الأجهزة الأمنية الى ان تكون على أهبة الاستعداد للمحافظة على أمن لبنان في فترة الأعياد. ثم جرى تشكيل لجنة صوغ البيان الوزاري الذي لا يتوقع ان يشهد اي تعقيدات وسط تفاهم على ان يرتكز على خطاب القسَم للرئيس عون (رغم عدم اشارته الى ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة) ورسالة الاستقلال، ويحدد الخطوط العامة للسياسة المالية والاقتصادية والحوافز لاستعادة السياح ولا سيما الخليجيين والعرب، وذلك بما يعكس شعار «الى قانون الانتخاب دُر» الذي بات يحكم الواقع اللبناني.
وكان ليل الثلاثاء شهد جلسة جديدة للحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» اعرب بعدها المجتمعون عن «نظرتهم الايجابية حيال تشكيلها وآملين أن تسرع في مهماتها لمعالجة الملفات الحيوية وفي طليعتها وضع قانون عصري للانتخابات النيابية تمهيداً لاجرائها في مواعيدها».