حِراك فرنسي - إيراني في اتجاه لبنان «ما بعد الحكومة»
المجتمع الدولي «يستطلع» وطهران تُوجِّه «الرسائل»
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
05:55 م
عكس حرص وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرولت على زيارة بيروت عشية عيد الميلاد وحتى قبل ان تنال حكومة الرئيس سعد الحريري ثقة مجلس النواب، الأهمية التي تعلّقها باريس على اكتمال نصاب المسار المؤسساتي في لبنان الذي كان انطلق بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 اكتوبر الماضي قبل ان تولد الحكومة الأولى في عهده يوم الأحد الفائت.
واذا كان العنوان المعلَن لزيارة ايرولت الذي وصل مساء امس هو تهنئة عون بانتخابه والحريري بترؤسه حكومة الوحدة الوطنية، والتحضير لاجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي ستستضيفه باريس في يناير او فبراير المقبليْن، فإن تَزامُن محطة رئيس الديبلوماسية الفرنسية في بيروت مع «ورشة» بحث مرتكزات البيان الوزاري لحكومة الحريري التي انطلقت امس، يعكس بحسب دوائر لبنانية رغبةً غربية في استشراف «الحدود السياسية» الجديدة التي ارتسمت من خلف التسوية التي أفضت الى انتخاب عون رئيساً وعودة زعيم «تيار المستقبل» الى رئاسة الحكومة بعد نحو 6 سنوات من إقصائه.
وتشير هذه الدوائر الى ان الاجتماع المرتقب لمجموعة الدعم الدولية للبنان هدفه تأكيد وقوف أعضائها الى جانب بيروت على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري في ظلّ ما تواجهه البلاد من تحديات ذات صلة بملف النزوح السوري والتصدي للإرهاب والحفاظ على «شبكة أمان» داخلية من ضمن الثوابت المعروفة التي لم ينفكّ المجتمع الدولي يكرّرها.
وبحسب الدوائر نفسها، فإن البيان الترحيبي الذي صدر بعيد تشكيل الحكومة عن مجموعة الدعم الدولية للبنان، عكس بُعديْن متلازميْن: الاول تطلعات الخارج وتوقعاته من الحكومة الجديدة وهو ما عبّر عنه تشديد البيان «من أجل الاستقرار المحلي والاقليمي، على أهمية استمرار التزام لبنان قرارات مجلس الامن ذات الصلة، بما في ذلك القرار 1701 (2006)، واتفاق الطائف، وإعلان بعبدا (تحييد لبنان عن أزمات المنطقة) والتزامات دولية أخرى».
اما البُعد الثاني فهو الالتباس في قراءة حسابات «الربح والخسارة» في ما خص التسوية الرئاسية في لبنان ثم تشكيلة الحكومة وتوازناتها، وسط عدم تواني دوائر غربية عن التعاطي مع تركيبة الحكومة على أنها امتداد لما سبق ان اعتبرته وصول «حليف ايران وحزب الله» الى رئاسة الجمهورية، مضيئة في هذا السياق على «ميزان قوى» مختلّ في الحكومة لمصلحة فريق 8 آذار متى احتُسبت حصة الرئيس عون وتياره السياسي من ضمنه (17 وزيراً من أصل 30).
واللافت ان ايرولت الذي كان رحّب في بيان أصدره بـ«تأليف حكومة وحدة وطنية» ويبدأ لقاءاته اليوم مع كل من عون ورئيس البرلمان نبيه بري والرئيس الحريري وقادة آخرين، وصل على وقع ما كتبتْه صحيفة «لوموند» الفرنسية في عددها الثلاثاء تحت عنوان «ظلّ سورية يخيّم على الحكومة اللبنانية»، متضمّناً قراءة للتركيبة الحكومية اعتبرت من جهة ان الحريري نجح في العودة بقوة الى رئاسة الحكومة وسمّى وزراء من «الجناح المتشدد» في تياره (المستقبل) المناهض لحزب الله، ولكنها رأت في المقابل ان كثيرين يستخلصون ان الحكومة الجديدة تميل لمصلحة التيار الموالي لسورية (سمّت «حزب الله» والرئيس نبيه بري وتيار الرئيس ميشال عون) الذي نال 3 من 4 حقائب سيادية، ومتوقفة عند تسمية سليم جريصاتي وزيراً للعدل باعتبارها «إهانة شخصية» للرئيس الحريري باعتبار ان الاول «من محامي المتهَمين باغتيال (والده) الرئيس رفيق الحريري الذين يُحاكمون (غيابياً) امام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان»، ومشيرة ايضاً الى توزير ممثل للحزب السوري القومي الاجتماعي المرتبط بالتصدي للثورة السورية، وناقلة عن احد المحللين اللبنانيين ان تشكيلة الحكومة «ترجمة لانتصار القوات الحليفة للرئيس بشار الأسد في حلب».
وبهذا المعنى، يعلّق المجتمع الدولي أهمية على البيان الوزاري للحكومة باعتبار انه سيشكّل مرآة ليس فقط للسياسات الداخلية والخارجية التي سيعتمدها لبنان، ولكنه سيكون ايضاً بمثابة «مقياس» لمدى «جنوح» بيروت نحو المحور السوري - الايراني، وهو ما يرتّب بالطبع تداعيات على صعيد الرؤية الدولية لكيفية وحدود مساعدته.
وفي حين سيحمل ايرولت معه الى عون دعوة رسمية لزيارة باريس، توقّفت أوساط سياسية عند تزامُن زيارة رئيس الديبلوماسية الفرنسية مع وصول مستشار وزير الخارجية الإيراني حسين شيخ الإسلام الى لبنان مساء امس، في ثاني زيارة لمسؤول ايراني لبيروت في نحو شهر ونصف الشهر بعدما كان وزير الخارجية محمد جواد ظريف توجّه اليها بعد اسبوع من انتخاب العماد عون حيث هنّأه ووجّه اليه دعوة لزيارة طهران.
ويتمّ التعاطي مع الحركة الديبلوماسية الايرانية المتوالية تجاه لبنان وتحديداً زيارة حسين شيخ الاسلام على وهج حدَث حلب وبعد ايام قليلة من تشكيل الحكومة، على انها بمثابة «رسالة» متعدّدة الوجوه يراد منها الايحاء بارتياح طهران الكبير للتطورات السياسية في «بلاد الأرز» وبأن الأخيرة عزّزت حضورها في «ساحة النفوذ» اللبنانية.