لغة الأشياء / قصة رجل مأزوم!

1 يناير 1970 04:42 م
| باسمة العنزي |

«الدار».... جارت... ما عليها شافة

والحر... فيها شايفٍ... ما عافه*

بداية: أي تشابه محتمل بين شخصيات المقال التالي، وشخصيات الواقع هو تشابه مقصود.

المسؤول الكبير المغرور ذات يوم أبعدوه عن كرسيه المفضل، بعثوا له اعتذارا خطيا يتضمن اعفاءه من منصبة لاثنين وستين سببا على الأقل، ترك المبني القديم المتهالك وسط المدينة وفي قلبه حسرة على المكان الذي ظنه قلعته الأبدية وحصنه المنيع، لم يتقبل فكرة أن سنة الحياة التغيير وأن البقاء للأصلح!

مجاملة له وتقديرا لسنوات خدمته أهدوه مكانا آخر صغيرا ومنعزلا وبعيدا عن الضوء، وصنع القرار وجيوش الموظفين وهدير الأبواق الاعلامية.

وكعادة كل صاحب سلطة يزيحونه من منصبه لعدم أهليته أو لانتهاء صلاحيته، قرر ألا ينسي فجيعته الوظيفية!

الرجل العربي لدية لعبة شطرنج تاريخية يخبأها في دولابه كلما شعر بالتوتر أخرجها، محركا قطع الشطرنج البائسة في جميع الاتجاهات، كان يستمتع بالتحكم في مسار اللعبة بأن يكون هو اللاعب وهو الخصم، ولأنه يملك رقعة الشطرنج والوقت والعقلية التآمرية والتخطيط العسكري لصنع أي أزمة وافتعال أي زوبعة في فنجانين الثرثرة الثقافية، قرر أن ينظم معركة على أمل أن ينجح في العودة مرة أخرى للكرسي، الذي فقده والى الأبد! مجرد محاولة أخرى، ما المانع في ذلك؟

ولان أجواءنا المتوترة تساعد دائما على اشعال الأزمات لا اخمادها، كبرت كرة الثلج التي ألقاها بنزق من علو وهو يقهقه ضاحكا بسخرية، كرة الثلج الملوثة تدحرجت وجرفت معها الكثير من المخلوقات الهامشية التي تتعلق غالبا بأي حبل قصير... جسر متهالك... سلم مقلوب... للوصول لدائرة الضوء.

والحسد والبغضاء وقلة الرحمة

ما واحد فينا سعى بانصافه*

الأزمات لا تتطلب عادة الكثير من الذكاء للتخطيط لها، يلزمك بعض الأصوات النشاز لبدء حفلة الفوضى والأدوار عادة تتوزع حسب قدرات الدمى المتحركة في مسرح متواضع الامكانات، الجوقة المنشدة كل واحد من أفرادها لديه هدفه الخاص للزج في رأسه في لعبة اشعال الحرائق، قلة من أفراد الجوقة غرر بهم، باستخدام مصطلحات ضخمة وشعارات رنانة انجرفوا لضحالة اللعبة المكشوفة وانساقوا وراء ايقاع قرع طبول المعركة الصاخبة!

آسف على الطيب... تردي حاله

والا الردي ما من عليه حسافة*

و لأن أي أزمة مفتعلة، تحتاج لنصف برميل بنزين وعود ثقاب وجدول زمني والكثير من المتابعين والمتطوعين وأبواق اعلامية لها حساباتها الخاصة، وطبعا هدف يتم التركيز عليه عبر تكتيكات شبه عسكرية، وبضع أفكار عظيمة ومقنعة تلوح بها دمى مسرح العرائس للجمهور الضجر من «هيلمانات» القضايا الوهمية، أفكار لا يمارسها المدافعون عنها عادة، تصلح للتشدق والمتاجرة بها عبر صفحات الجرائد وبأقلام تمارس غالبا الفعل السلطوي وتتبنى (ثقافة الالغاء)، ما يجعل الأمر مثيرا للدهشة والضحك في آن واحد!

وعادة في مرحلة الترويج للأزمات وظهور الهامشيين فيها لاستقطاب المزيد من الضوء ينكشف القصور الفكري والثقافي لديهم وينكشف مأزقهم وتموت في خندقهم الوهمي الكثير من المزاعم السابقة، خاصة ان عجزوا عن تحديد مفهوم واضح ودقيق لشعاراتهم الفضفاضة، التي أشبعوها نواحا ولطما!

الرجل العربي المأزوم من كرسيه البعيد... يرقب اللعبة... يعطي توجيهاته من خلف الستارة... يأمر مساعديه بزيادة رقعة الحريق، باضافة بعض البهارات لطبقه المعد على نار مستعرة، يعطي ملاحظاته اليومية لحاشيته المطيعة جدا، ينفذون ويعطونه النتائج وهو بالتأكيد لن يبخل بمكافآتهم في نهاية موسم الأزمات!

***

في النهاية (خلاصة القصة)... الحرائق لم تستمر طويلا، الرجل المأزوم لم يعد لكرسيه الذي مازال يحلم به الى اليوم، جوقة المزعجين الباهتين ينتظرون استدعاءهم لحلبة صراع أخرى، أسحب كرسي أضعه فوق مكان مرتفع، بانتظار قصة جديدة للتسلية!


* من قصيدة «الدار جارت») للشاعر الكويتي المرحوم فهد بورسلي.