بعد مخاض شهر ونصف الشهر ومحاولات «ليّ أذرع»

حكومة الحريري وُلدت «عيدية» للبنانيين

1 يناير 1970 04:34 م
شكّل «الدخان الأبيض» المفاجئ الذي تَصاعد ليل أمس من القصر الجمهوري اللبناني بإعلان ولادة الحكومة رقم 74 في تاريخ البلاد إشارة إيجابية باغتت الأوساط السياسية التي كانت في مناخِ أن المصاعب التي كانت تحول دون الإفراج عن أولى الحكومات في عهد الرئيس ميشال عون ما زالت تراوح في مكانها.

إلا أن ليل أمس شهد مفاجأة غير متوقَّعة، اعتُبرت «عيدية» للبنانيين عشية دخول البلاد في استراحة عيديْ الميلاد ورأس السنة، مع صدور مراسيم تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري الثلاثينية، وهي الثانية التي يترأسها بعد حكومة العام 2009 التي أقصي عنها في يناير 2011 بانقلاب سياسي - دستوري شكّل «حزب الله» رافعته الأساسية من خلال استقالة الثلث زائد واحد من أعضاء حكومته ما جعلها في حينه مستقيلة حكماً.

وجاء اكتمال نصاب التسوية السياسية التي كانت أفضت إلى انتخاب العماد عون رئيساً في 31 أكتوبر الماضي وتكليف الحريري تشكيل الحكومة في 3 نوفمبر، ليكرّس منحى الرغبة الإقليمية في إبقاء لبنان ساحة «فكّ اشتباك» رغم ربْط النزاع الذي واكب الولادة الصعبة للحكومة الذي شهد مخاضها محاولات مبكّرة لـ «ليّ ذراع» العهد الجديد واستنزاف اندفاعته ورسم خطوط حمر لحدود حركة الحريري عبر إغراق عملية التشكيل بعقدٍ توالت، وصولاً إلى اشتراط فريق 8 آذار تأليف حكومة من 30 وزيراً عوض 24 كان يريدها رئيسا الجمهورية والحكومة المكلّف.

وتوزّعت الحكومة الثلاثينية (مناصفة بين المسيحيين والمسلمين) التي أعلنت من القصر الجمهوري بعد اجتماع ضمّ عون والحريري وانضمّ إليه لاحقاً رئيس البرلمان نبيه بري على النحو الآتي:

سعد الحريري رئيساً للحكومة، غسان حاصباني نائباً لرئيس الحكومة وزيراً للصحة، يعقوب الصراف وزيراً للدفاع، نهاد المشنوق وزيراً للداخلية، جبران باسيل وزيراً للخارجية، علي حسن خليل وزيراً للمال، سليم جريصاتي وزيراً للعدل، ملحم رياشي وزيراً للإعلام، مروان حماده وزيراً للتربية، غازي زعيتر وزيراً للزراعة، طلال أرسلان وزيراً للمهجرين، ميشال فرعون وزير دولة للتخطيط، علي قانصوه وزير دولة لشؤون مجلس النواب، محمد فنيش وزيراً للشباب والرياضة، جان أوغاسابيان وزير دولة لشؤون المرأة، حسين الحاج حسن وزيراً للصناعة، محمد كبارة وزيراً للعمل، أيمن شقير وزير دولة لشؤون حقوق الإنسان، معين المرعبي وزير دولة لشؤون النازحين، يوسف فنيانوس وزيراً للأشغال، بيار ابي عاصي وزيراً للشؤون الاجتماعية، طارق الخطيب وزيراً للبيئة، سيزار أبو خليل وزير طاقة والمياه، رائد الخوري وزيراً للاقتصاد والتجارة، جمال الجراح الاتصالات، غطاس خوري وزيراً للثقافة، نقولا تويني وزير دولة لمكافحة الفساد، عناية عز الدين وزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية، افاديس كيدانيان وزيراً للسياحة، بيار رفول وزيرة دولة لشؤون رئاسة الجمهورية.

ورغم الانطباع بأن تشكيلة الثلاثين، التي تَمسّك بها الثنائي الشيعي أي «حزب الله» والرئيس بري وأطاحت التشكيلة التي كان يفترض أن تعلن الأربعاء الماضي على قاعدة صيغة الـ 24، تُعتبر تنازُلاً لمصلحة فريق 8 آذار، إلا أن التدقيق فيها يفضي إلى الخلاصات الآتية وفق حسابات «الربح والخسارة».

? كسِب فريق 8 آذار حكومة أرادها ثلاثينية وإدخال حلفائه إلى مجلس الوزراء ولا سيما الحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب طلال أرسلان وانتزاع حقيبة وازنة لتيار «المردة» بزعامة سليمان فرنجية هي الأشغال، والحصول على خمسة حقائب للطائفة الشيعية لستة وزراء يمثلّونها في الحكومة (السادس وزير دولة)، ولكنه لم يتمكّن من تمثيل «القومي» من حصة المسيحيين بل من الحصة الشيعية، كما لم ينجح في تشكيل ثلث معطّل «صافٍ» له بمعزل عن وزراء «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون)، وإن كان 8 آذار يعتبر أن الرئيس عون لوحده يشكّل بالنسبة إليه «الثلث الضامن».

? الرئيس الحريري تمكّن من انتزاع تشكيل الحكومة في وقت هو من الأسرع في تشكيل حكومات ما بعد الطائف (45 يوماً) وخصوصاً أنه كان أبلغ إلى المعنيين أن الأحد هو «خط أحمر» لولادة الحكومة، واحتفظ لتياره بحصة وازنة من بينها وزيران مسيحيان (ماروني وأرمني). ولكن الحريري سلّم بالصيغة الثلاثينية التي لم يكن يحبّذها لعدم رغبته في عودة رموزٍ من حقبة الوصاية السورية مثل وزير الدفاع الجديد يعقوب الصراف الذي يُعتبر من الوجوه البارزة في عهد الرئيس السابق إميل لحود، أو وزراء سبق أن لعبوا أدواراً متقدّمة في التصدي للمحكمة الدولية في جريمة اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري مثل وزير العدل الجديد سليم جريصاتي.

? أما «القوات اللبنانية» التي كانت تعرّضت لحملة قاسية دفعتها أولاً للتنازل عن حقيبة سيادية ومن ثم عن حقيبة الأشغال، فنجحت في تكريس حصة وازنة لها توزاي ما حصل عليه «التيار الوطني الحر» وذلك في سياق التفاهم بينهما، ولم تخضع للضغوط للإطاحة بحليفها ميشال فرعون.

? حزب الكتائب بدا أكبر الخاسرين في التركيبة الحكومية، بعدما جرى تمثيله بوزير دولة وهو ما رفضه معتبراً بلسان رئيسه النائب سامي الجميّل أن الأمر في سياق «محاولة إحراجنا لإخراجنا من الحكومة»، فوُلدت الحكومة من دون أي ممثّل له.