يحكى ان ناسكا قد تفرغ للعبادة، وكان جيرانه يأتونه كل يوم بعسل فيشرب منه ويجعل الباقي في جّرة، إلى ان امتلأت، فبدأ بالتفكير الاستراتيجي وقال: سأذهب للسوق وابيع العسل، ثم اشتري به غنما لاستفيد منها، ثم إذا جمعت نقودا كثيرة سأتزوج فتنجب لي زوجتي طفلا، فأربيه، واذا اصبح شقيا اضربه بعصاتي هذه، ورفع عصاه فوقعت على الجرة وكسرتها وسال العسل.
بداية نبارك للاخوة والاخوات الذين تم اختيارهم للمجلس الاعلى للتخطيط، وهم اهل كفاءة وخبرة، ولكن يحق لنا ان نتساءل عن مئات الخطط والدراسات التي قام بها هذا المجلس ومجالس كثيرة خلال سنوات طويلة، وهي اليوم في الأدراج تنتظر من يعطف عليها ويخرجها للقراءة ان لم يكن للتطبيق؟!
لقد شاهدت برنامجا وثائقيا عن تحركات لمجموعة من العلماء لايجاد بدائل لتوليد الطاقة لا تعتمد على النفط، فعلماء متفرقون تفرغوا لعمل تجارب لفصل ذرة الهيدروجين عن ذرتي الاوكسجين في الماء عن طريق اجهزة لا تكلف كثيرا، واستطاعوا الوصول إلى نتائج مذهلة ولكن ليس من الماء وانما من عناصر اثقل من الماء، وهم في طريقهم للوصول إلى الهدف النهائي، ومتى ما نجحوا في ذلك فاننا نتحدث عن هيدروجين بالمجان وطاقة دائمة لا قيمة لها.
كما تحرك العلماء بقوة من اجل تصنيع خلايا شمسية رخيصة لتوليد الطاقة من الشمس على الارض وفي السماء، وتجارب اخرى تسير بسرعة البرق لتصل إلى مستوى تجاري يغني الدول الكبرى عن النفط حتى الزراعة التي استغلوها لتوليد الطاقة قد وجدوا طرقا للاستفادة منها دون استخدام الزرع الذي يصلح للأكل، اما ظاهرة الاحتباس الحراري وذوبان الثلوج في المحيطات فقد استغلوها كذلك لتوليد الطاقة من فرق الحرارة ما بين جوف الارض وظاهرها. كما توجهت التجارب إلى استخدام افضل للفحم الحجري، وهو متوافر بكثرة في باطن الارض، وقد وعد زعماء الولايات المتحدة بالاستغناء عن النفط خلال الثلاثين سنة المقبلة.
المهم في الموضوع هو ان نلفت انظار المجلس الاعلى للتخطيط بان عصر النفط سينتهي - ان قريبا جدا او قريبا - وان اهم قضية من قضايا التخطيط الواجب دراستها هي البدائل المتوافرة لدينا للدخل في حالة اكتشاف بدائل للنفط او في حالة انخفاض اسعاره - كما حدث خلال فترة اسبوعين من سقوط مدوّ لاسعار النفط - لم يتوقعه حتى الجن الذين يسترقون السمع في السماء - واذا لم يحدث كل هذا فإن النفط سينفد خلال سنوات تزيد او تقل، فماذا نحن فاعلون؟
لقد اوجدت دولة الامارات المتحدة بدائل كثيرة للنفط تتمثل في تحويل بلادها إلى مركز تجاري عالمي يسحب البساط من «هونغ كونغ» وغيرها، والى بلد سياحي واستثماري، ونجحت السعودية في تنشيط الصناعات الخفيفة وفي الاعتماد على القطاع الخاص، ونجحت البحرين في الاعتماد على العمالة الوطنية في اغلب الوظائف.
ونحن لانزال نكرر في كل خطة خمسية بأننا سنقلل الاعتماد على النفط ونوجد البدائل، وبأننا سنسعى نحو الخصخصة وتنشيط القطاع الخاص، لكنها جميعا احلام قد تنسكب على الارض كما انسكب عسل الناسك.
د. وائل الحساوي
[email protected]