أمر الله عباده بالخوف منه وجعله شرطاً للإيمان به سبحانه
«لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين»
1 يناير 1970
11:13 ص
منزلة الخوف من الله من أجل المنازل وأنفعها للعبد ومن أعظم أسباب الأمن يوم الفزع الأكبر
ينبغي للعبد أن يجمع بين المحبة والخوف والرجاء فعبادة الله بالخوف وحده يورث اليأس والقنوط وإساءة الظن بالله
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال: «وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين، إذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة» أخرجه ابن حبان في صحيحه، والبزار في مسنده، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن المبارك في كتاب الزهد، وأبو نعيم في حلية الأولياء، وصححه الحافظ ابن حجر في مختصر زوائد البزار، والشيخ الألباني في السلسلة.
فضيلة الخوف
أمر الله عباده بالخوف منه، وجعله شرطاً للإيمان به سبحانه فقال: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} (آل عمران: 175)، ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم بقوله: {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون} إلى أن قال: { أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} (المؤمنون: 57-61)، وبين سبحانه ما أعده الله للخائفين في الآخرة فقال: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} (الرحمن: 46)، وهذا الحديث العظيم يبين منزلة الخوف من الله وأهميتها، وأنها من أجل المنازل وأنفعها للعبد، ومن أعظم أسباب الأمن يوم الفزع الأكبر.
والخوف هو السوط الذي يسوق النفس إلى الله والدار الآخرة، ومن دونه تركن النفس إلى الدعة والأمن وترك العمل اتكالاً على عفو الله ورحمته، فإن الآمن لا يعمل، ولا يمكن أن يجتهد في العمل إلا من أقلقه الخوف وأزعجه، ولهذا قال من قال من السلف: «الخوف سوط الله يقوم به الشاردين عن بابه، وما فارق الخوف قلباً إلا خرب» وقال آخرون: «الناس على الطريق ما لم يزل الخوف عنهم، فإذا زال الخوف ضلوا الطريق».
لا بد من الثلاثة
ينبغي للعبد أن يجمع بين ثلاثة أمور: «وهي المحبة والخوف والرجاء، فإن القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فقد أصبح عرضة لكل صائد وكاسر»، والاقتصار على واحد من هذه الأمور الثلاثة دون الباقي انحراف عن الجادة، وخلل في السلوك، فعبادة الله بالخوف وحده يورث اليأس والقنوط وإساءة الظن بالله جل وعلا، وعبادته بالرجاء وحده يوقع في الغرور والأمن من مكر الله، وعبادته بالمحبة طريق إلى الزندقة والخروج من التكاليف، ولهذا قال السلف قولتهم المشهورة: «من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروريٌ ـ أي خارجي ـ ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف والحب والرجاء فهو مؤمن موحِّد».
ولكن السلف استحبوا أن يُغلَّب في حال الصحة جانب الخوف على جانب الرجاء، لأن العبد لا يزال في ميدان العمل، وهو بحاجة ما يسوقه إلى العمل، وأما في حال الضعف والخروج من الدنيا، فإن عليه أن يقوي جانب الرجاء، لأن العمل قد أوشك على الانتهاء، وحتى يموت وهو يحسن الظن بالله.
الخوف ودرجاته
والخوف ليس مقصودا لذاته، بل هو وسيلة لغيره، ولهذا يزول بزوال المخوف، فإن أهل الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومنه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم: فالخوف المحمود هو ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل، قال بعض الحكماء: «ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه»، ومنه قدر واجب ومستحب، فالواجب منه ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في النوافل، والبعد عن المكروهات، وعدم التوسع في فضول المباحات، كان ذلك مستحباً، فإن زاد على ذلك، بحيث أدى إلى اليأس والقنوط والمرض، وأقعد عن السعي في اكتساب الفضائل كان ذلك هو الخوف المحُرَّم.
الخوف والمعرفة
وعلى قدر العلم والمعرفة بالله يكون الخوف والخشية منه، فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف، قال سبحانه:{إنما يخشى الله من عباده العلماء} (فاطر: 28)، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم أعرف الأمة بالله جل وعلا وأخشاها له كما جاء في الحديث وقال: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله) رواه الترمذي.
ولما سألت عائشة رضي الله عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} (المؤمنون: 60)، هل هم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال: (لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم) رواه الترمذي.