محطة / في أمسية التحم فيها الحضور مع الغياب
ثلاثة شعراء تنفسوا قصائد درويش فتفجر الإنشاد
1 يناير 1970
07:10 ص
| كتب مدحت علام |
وجدت رابطة الأدباء في استحضار محمود درويش شعرا، خير افتتاح لموسمها الثقافي، كي تنظم مساء الاربعاء الماضي امسية «محمود درويش... قراءة حول العالم» تفاعلا مع مهرجان برلين الدولي للادب في احتفاليته العالمية بذكرى محمود درويش بمشاركة الشعراء نادي حافظ ومازن النجار وماجد الخالدي الذين انشدوا قصائد شعرية لمحمود درويش.
وقدم الامسية الكاتب يحيى طالب... في اجواء متميزة اشعلت فيها الشموع مع وضع صور للشاعر العربي الراحل محمود درويش بأشكال فنية متوهجة، على خشبة المسرح، وفي مدخل الرابطة، مما اعطى انطباعا جماليا اضاف إلى الامسية رؤى انسانية عدة، بالاضافة إلى عرض ضوئي لمقتطفات من قصائد درويش بالصوت والصورة.
وكان تقديم يحيى طالب للامسية متواصلا مع ما تتضمنه سيرة درويش من نقاء، وشاعرية ليقول يحيى طالب في كلماته:
الشعر لا ينسى
الشعر لايكبر
ولايموت
ان خط القلم برحيل جسد عنا
فمخطوط شعره لايدفن
لايموت
بداية الانشاد مع الشاعر ماجد الخالدي الذي وقع اختياره لثلاث قصائد من اعمال محمود درويش وهي «لم يأت» و«مقهى وانت مع الجريدة»، و«كمقهى صغير هو الحب»، وبالتالي فقد كانت رؤيته الالقائية متوازية مع القصائد، في تواتر حسي متنوع.
ودرويش في قصيدته «لم يأت» كان متواصلا مع العديد من التطلعات، تلك التي يبدو فيها الاحساس بالوقت اكثر توهجا وحضورا:
لن تأتي... سأنقل نبته الاوركيد
من جهة اليمين إلى اليسار لكي اعاقبها
على نسيانها
غطيت مرآة الجدار بمعطف كي لا أرى
اشعاع صورتها... فأندم!
وكذلك اختار الخالدي قصيدة «مقهى وانت مع الجريدة»، لما تتضمنه من استدراك حسي لمعنى الفراغ او الوحدة، والالتقاء مع مضامين انسانية متفاعلة مع الواقع والخيال معا، وهي التي قال فيها درويش:
مقهى وانت مع الجريدة جالس
في الركن منسيا فلا أحد يهين
مزاجك الصافي
ولا احد يفكر باغتيالك
كم انت مسني وحر في خيالك!
وحينما استمعنا إلى قصيدة درويش «كمقهى صغير هو الحب» بأداء الخالدي كانت الاحاسيس متجهة صوب البعيد الذي صورته كلمات القصيدة في اشكال ذات علاقة بالاغتراب والانسراب:
كمقهى صغير على شارع الغرباء
هو الحب... يفتح ابوابه للجميع
كمقهى يزيد وينقص وفق المناخ
ولقد غلبت على اختيارات الخالدي لقصائد الدرويش نزعة العاطفة، في ما اختار الشاعر مازن النجار قصائد ذات بعد وجداني، ورؤى يغلب عليها الفكري... ومن ثم فقد انشد مازن النجار قصائد «رزق الطيور»، و«لي حكمة المحكوم بالاعدام» و«في الانتظار».
وتناغمت قصائد درويش مع القاء مازن نجار المتميز، والذي كان يتدفق شعوريا مع المعاني والخيالات... وسنجد في قصيدة درويش «رزق الطيور» صورا متلاحقة تحتاج إلى التركيز من اجل الوقوف عندها:
لا احب الرجوع إلى نجمتي
بعدما كبرت حكمتي هات
هات البعيد إلى خيمتي سلما
لنصعد اعلى كغصني بتولا على
حائط الآخرين «ونحن نعود غدا اخرين»
والتحمت الرؤية بالخيال في قصيدة درويش «لي حكمة المحكوم بالاعدام»، تلك التي بدا فيها الوجدان قريبا من الحكمة، متواصلا مع الخيال في استشراف دلالي مؤثر:
قد تأجل موعد الاعدام ثانية
سألت: إلى متى؟
قال: انتظر لتموت اكثر
قلت: لا اشياء املكها لتملكني!
وجاء دور الشاعر نادي حافظ كي يختار مقطعا من «جدارية» محمود درويش، تلك التي تضمنت خبرات وتجارب حياتية مزدانة بالتوهج والحضور... ولقد كان لانشاد حافظ المتميز رؤاه، وتفاعله مع كلمات القصيدة.
ما قلت للطلل: الواع فلم اكن
ماكنت الا مرة ما كنت الا
مرة تكفي لأعرف كيف ينكسر
الزمان
وان تتبعنا لـ «جدارية» درويش، سيجعلنا نتأمل انفسنا جيدا، ذلك التأمل الذي يدفعنا إلى البحث عن وجودنا داخل هذه القصيدة الخالدة:
ياموت! ياظلي الذي
سيقودني، ياثالث الاثنين
يالون التردد في الزمرد والزبرجد
يادم الطاووس ياقناص قلب
الذئب يامرض الخيال! اجلس
على الكرسي! ضع ادوات صيدك
تحت نافذتي، وعلق فوق باب
البيت
سلسلة المفاتيح الثقيلة...!
هكذا... رغم الغياب حضر محمود درويش بشعره، من خلال هذه الامسية التي تنوعت فيها الرؤى، وتفاعل عبر انشاد الشعراء للقصائد- العديد من المواقف الشعرية، تلك التي رصدها محمود درويش في قصائده، ولقد كانت اختيارات الشعراء الثلاثة موفقة في ما يتضمن المزاج الشعري، والمضامين.