وحيد أنت يا قمر... عظيمةٌ أنتِ يا شمس!
| نواف الربيع |
1 يناير 1970
12:40 م
سمعته يسأل والدته عن جمال القمر لتجيبه لأنه وحيد في السماء، عاد يسألها مجدداً عن توهج الشمس أجابته: عادة كل ما يثير استغرابك وإعجابك يكون وحيداً؛ وإن كان القمر محاطاً بكل النجوم الآن لكنه عليك أن تعرف أنه كان وحيداً في وقتٍ مضى. لماذا يثيرنا كل ما هو وحيد؟ لماذا كل من يجلس وحيداً يكون لديه ما يود تقديمه للعالم؟ مع من كان النبي محمد حينما نزل عليه الملك جِبْرِيل؟ مع من كان نيوتن حينما سقطت على رأسه التفاحة؟ مع من كان عباس بن فرناس حينما تمكن من الطيران؟ مع من كانوا الشعراء حينما كتبو أجمل قصائدهم وهم في المنفى؟ أظن السر يمكن في الوحدة، وعندما أطرح مثل هذا السؤال فأنا أقصد الوحدة الموقتة للتأمل والتفكر لا العزلة التامة.
في وقتنا هذا عندما تكون وحيداً ستجد ألف منديل يمطر عليك، لكن لا منديل يمسح الغبار المتكدس على ذواتهم. عندما تكون وحيداً فإنك تَرفع من سقف الاتهام بالألم والجنون والتكهن حول حالتك النفسية وكل ما تمر وما لا تمر به لأنه باختصار انعدمت فكرة احترام ثقافة الوحدة والجلوس مع النفس، فصار الكل يريد مشاركتك بكل شيء، الكل ينظر لوحدتك بأنها حظر لابد من كسره، ولعل وسائل التواصل الاجتماعي المتخلفة تحترف هذا الكسر بشكل جديد؛ كسر من دون تحطيم ودوي!
حينما تكون وحيدا فأنت تسمح لحواسك بالتوسع في هذا المكان، أن تلامس زهرة وتستنشق هواء مدينتك لأول مرة، وتسمع لحاسة جديدة حديثة الولوج فيك أكثر وأكثر. حينما تجلس وحيداً فقط لتفكر في نملة مشت تحت المطر وحيدة. حينما تكون وحيداً فأنت توظب أمسك المدفون وتروض غدك الآتي، حينما تكون وحيداً يعني أنك تتنزه في داخلك لأول مرة ماسحاً عرق قلبك المرتعب، آمراً عينيك بالبكاء حتى تطمئن بأن كل ما فيك من ألم متجمد قد ذاب. أن تكون وحيداً يعني أنك تكتشف الشمس لأول مرة. حينها ستتعجب من ذهنك في أول لقاء حقيقي لكما رغم حملك له أو حمله لك لكنك سعيد جداً بهذه المعرفة الحقيقة! سيروق لك تأويلك بشأن الوجود، وستعرف كم جميلة هي الساعة التي قضيتها مع ذاتك دون أحد! ويوماً بعد يوم ستنتدهش بأنك تنجح في شيء ما، شيء أصغى لأوامرك لأنك أصغيت إليه، شيء ستتباهى به يوماً ما. الوحدة بيت الأفكار، استفسار الذات بشأن الذات وإصغاء الجسد للمكان والأمل الوحيد الناجي من حطام الحياة. الوحدة هي الجلوس على فوهة هذا العالم لساعات معدودة وربما ساعة لتحس بشعور الطلقة التي تحول سكونها إلى حركة متوهجة متموجة؛ تلك الطلقة الوحيدة التي كانت هادئة قبل أن تنطلق بقوة محدثة هذا التغير بالعالم، كانت وحيدة في بيت النار. عندما تجلس وحيداً تذكر بأن الوحدة في أذهان البعض تعني العقدة لكن في ذهنك تعني التميز والتفرد بالشيء، تعني حكاية القمر والشمس؛ كلما مررت تحت أشعة الشمس أو جلست تحت القمر وحيداً تذكر بأنك متفرد لأنك وحدك من يعرف بسر جمال القمر وسر توهج الشمس.