لبنان يطوي الاثنين فراغ الـ 900 يوم بانتخاب رئيسٍ جديد / ما أشبه 2016 بـ 1970! / 3

سليمان الحفيد عينه على سيناريو فوز سليمان الجدّ بـ ... صوت واحد

1 يناير 1970 09:15 م
وافق أركان الحلف الثلاثي الموارنة على ترشيح سليمان فرنجية ومعهم كتلة الوسط ثم أيّده كمال جنبلاط

جلسة 17 أغسطس 1970 حضرها النواب الـ 99 جميعاً

فاز فرنجية بـ 50 صوتاً مقابل 49 لسركيس وفؤاد شهاب طلب من رئيس البرلمان التسليم بالنتيجة
الزمان: الاثنين 31 اكتوبر 2016... إنه الاثنين الكبير الذي ما بعده ليس كما قبله. اثنين تأخّر وصوله نحو 900 يوم، وهو يوم ينطوي على ألف سؤالٍ وسؤال.

المكان: مبنى البرلمان في ساحة النجمة وسط بيروت. المبنى الشاهد على حال الجمهورية في حُلوها ومُرها، يفتح أبوابه لحقبةٍ جديدةٍ يصعب التكهّن بـ «خيْطها الابيض من الأَسْود».

صندوق زجاجي لـ «الاقتراع السري» و127 ورقة. مرشّحان بأوزانٍ متفاوتة وتحالُفاتٍ متداخلة و«حبسُ أنفاسٍ». مطرقةٌ ورئيسٌ وقسَم. أسارير، وجوم، وما بين بين.

فبعد 29 شهراً من جمهوريةٍ مقطوعة الرأس، يشقّ «الرئيس الجديد» طريقه الى القصر المهجور يوم الاثنين المقبل بعد معركةٍ بين المرشحيْن الحليفيْن «أبناء الخط الواحد»، زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية.

العماد عون، الأوفر حظاً، كسَب المعركة قبل لعبة التصويت بعدما وفّى الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بوعده الى حليفه المسيحي الرقم واحد، وصولاً الى تقديمه ما اعتبره «تضحيةً كبيرة جداً» بعدم الممانعة في عودة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، فيما تجرّع الحريري «المخاطرة الكبرى» لانهاء الفراغ الرئاسي بتبنّيه ترشيح عون، أكثر خصومه السياسيين شراسةً.

النائب فرنجية «المرتاح» لتكريسه منافساً قوياً ورئيساً مؤجلَّاً لما بعد عهد عون، يخوض معركة «أصواتٍ»، وخلفه يحتشد خصوم «الجنرال» على تَعدُّد ولاءاتهم، وفي مقدّمهم رئيس البرلمان نبيه بري، الذي توعّد العهد العتيد بمعارضةٍ شرسة قد تُفسِد على العماد عون «شهر العسل» الرئاسي في القصر.

كل ذلك يجري من خلف ظهر الإقليم المشتعل بين جبابرة المنطقة والعالم. ربما هي من المرات النادرة التي يُترك للاعبين محليين في لبنان تَدبُّر أمر رئاستهم، بعدما كانت «كلمة السرّ» الخارجية حاسمةً في تغليب الكفة ورسْم مصائر العهود والتحكم بخياراتِ زعماء «الجمهورية الهشّة».

ومع الاستعداد لوداع «فخامة الفراغ» واستقبال فخامة جنرال آخر في القصر، تفتح «الراي» ملفاً على حلقات يتناول «صناعة» الرؤساء في لبنان والسيرة الصاخبة للعماد عون و«رئيس الظلّ» في جمهوريته، صهره الوزير جبران باسيل، وحكاية مُنافِسه منذ ان كان «سليمان الصغير» وحتى بلوغه «حافة» القصر. ويتضمن الملف ايضاً إطلالة على تجربة «زعيم المعارضة» في العهد الجديد الرئيس بري، وتحقيقاتٍ عن سيّدات القصر والتحديات السياسية والاقتصادية التي تنتظر المرحلة الجديدة.

... ما أشبه الـ 2016 بـ 1970.

التاريخ لا يكرّر نفسه بالضرورة، لكنه ينطوي على الكثير من تَشابُه الأحداث والأسماء والوقائع، وهي الخلاصة التي تطغى الآن في بيروت على سطح الصفيح الرئاسي الساخن مع العدّ التنازلي للانتخابات الرئاسية ظهيرة يوم الاثنين المقبل.

انها معركة أصواتٍ في الصندوقةِ الزجاجية «الكاتمة الأسرار» على غرار معركة «الصوت الواحد» التي كانت شهدتها الانتخابات الرئاسية اللبنانية في 17 اغسطس من العام 1970، وشكّلت بمسارها ومناوراتها والقطب المخفية فيها مفاجأةً بامتياز.

وليست السيناريوات الافتراضية التي تتحدث عن مفاجآت التصويت التي قد ترقى الى حدّ حسْم المعركة بـ «صوت واحد»، وجه الشبه الوحيد بين الـ 2016 و 1970، فأحد طرفيْ المعركة هو فرنجية، الذي كان الجدّ سليمان قبل 46 عاماً والآن سليمان الحفيد.

ومعلوم ان مساراً متعرجاً وصاخباً وضاغطاً امتدّ على مدى 29 شهراً من الفراغ الرئاسي، أفضى في نهاية المطاف الى وجود ثلاثة مرشحين يخوضون المواجهة بـ «الأصوات» في جلسة الانتخاب يوم الاثنين وهم:

• زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون الأوفر حظاً وصاحب الأرجحية على «القلم والورقة» بعدما حظي بدعم كتلٍ وازنة كـ «حزب الله» و«تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي.

• رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، الذي لم يشأ الانسحاب من المعركة، وينطلق من قاعدة «أصوات» لا بأس بها، وهو الذي يحظى بدعمٍ من رئيس البرلمان نبيه بري و«البعث» و«القومي» وبعض النواب المستقلين.

• النائب هنري حلو المتوقّع انسحابه، مرشّح «اللقاء الديموقراطي» بزعامة النائب وليد جنبلاط، والذي جاء ترشيحه في سياق المناورات المعهودة التي يبرع بها جنبلاط، الذي رغب في حفظ مسافةٍ ما عن المرشحيْن الجدييْن في مرحلةٍ ما.

ورغم التقديرات شبه الحاسمة بأن العماد عون سيخرج من مقرّ البرلمان بعيد ظهر الاثنين رئيساً بغض النظر عن حجم الأصوات التي ستضمن انتقاله الى قصر بعبدا، فإن خصومه لم يسلّموا بهذه الفرضية، وهم يحشدون في معركةٍ الهدف منها رفْع العدد المؤيّد لفرنجية وإقناع أصحاب الأوراق البيض بالتصويت له.

ومع تراجُع الكلام عن مفاجآت محتملة قد تصبّ في مصلحة فرنجية، فان الأخير كشف عن المسار الذي يعتمده في إدارة معركته والهدف الذي يريد تحقيقه، عندما تحدّث في اطلالة تلفزيونية له عن توقعات من نوع:

- إقناع «المتردّدين» من الكتل التي لن تصوّت له بـ «الاحتكام الى ضميرهم» والاقتراع له، ورهانه الضمني على توزيع بعض القوى لأصواتها أو تهريب قوى أخرى أصواتاً له.

- السعي لإقناع عدد لا بأس به من النواب قرروا الانتخاب بورقة بيضاء بالتصويت له لأن من شأن ذلك تعزيز قدرته على منافسةٍ أكثر تكافؤاً مع الكتلة الوازنة التي تدعم العماد عون.

ورغم ان فرنجية نفسه يتوقّع الفوز للعماد عون، فمن الواضح ان الهدف من تكبير حجم المؤيدين له يرمي إما الى مفاجأةٍ ما، وإما الى تمكينه من القدرة على تعطيل عملية فوز عون بالنصف زائد واحد في دورة الاقتراع الثانية وإرجاء الانتخابات تالياً او أقلّه الحصول على حجم من الأصوات تجعله الرئيس «المؤجَّل» الى ما بعد عهد عون.

مثل هذا السيناريو الجدي، الذي يذكّر بما جرى في انتخابات سليمان فرنجية الجدّ في العام 1970، كان أقلق العماد عون، وهو ما جرى التعبير عنه بأمرين:

• الاعلان غير المألوف للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله استعداد نوابه للاقتراع بـ «أوراق» مكشوفة لطمأنة زعيم «التيار الوطني الحر» بأن الحزب لن يوزّع أصواته بين حليفيْه عون وفرنجية، وهو الأمر الذي أظهر حجم الهواجس التي تنتاب عون من مفاجآت التصويت.

• إصرار الرئيس بري على ان تجرى الانتخابات بدورتيْن، أولى يحتاج فيها الفائز لأصوات ثلثي أعضاء البرلمان، اي 86 صوتاً، وهو الأمر الذي لن يتاح لعون، وثانية يحتاج فيها المرشح الى النصف زائد واحد (65).

ورغم ان داعمي عون قبِلوا بهذه الآلية على مضد، فإنهم اشتمّوا منها رهاناً إما على تبديل مزاج المترددين بين جولتيْ الاقتراع، وإما إمكان إفقاد المرشحيْن القدرة على الفوز او تطيير النصاب.

مجمل هذه المعطيات تجعل المعركة على الأصوات في جلسة الاثنين شبيهة بمعركة «الصوت الواحد» في العام 1970.

وفي استعادة لحكاية تلك المعركة، كما كانت نشرتها «الراي» ان أهميتها كانت تكمن في أن شكّلت نقلة بين عهد الشهابية الذي امتدّ بين عهد الجنرال فؤاد شهاب (1958 - 1964) وخليفته شارل حلو (1964 - 1970) وبين خصومه من الأقطاب الموارنة، الذين شكّلوا «الحلف الثلاثي» اي الرئيس كميل شمعون وبيار الجميل وريمون اده اضافة الى المعارضين للشهابية من الكتل النيابية الوسطية.

عشية تلك الانتخابات الرئاسية، كان المناخ يشي بأن الرئيس فؤاد شهاب سيترشّح مجدداً الى الرئاسة بعد انتهاء عهد حلو. وبدأت مجموعة من الشخصيات السياسية، إضافة الى عمل «المكتب الثاني»، بالتحضير لايجاد أجواء مواتية لإعادة طرح اسم شهاب مرشحاً رئاسياً. في ذلك الوقت كانت الأقطاب الموارنة تحديداً يعتزمون مواجهة شهاب بأيّ ثمن، خصوصاً بعدما تمكن هؤلاء من تحقيق فوز كاسح في الانتخابات النيابية العام 1968.

ويروي الوزير الراحل فؤاد بطرس في مذكراته ان الرئيس الراحل رشيد كرامي هو مَن رشّح شهاب باسم نواب «النهج»، ثم أعلن بيار الجميل ترشّحه. وتقاطرتْ الشخصيات السياسية الى منزل شهاب تحضّه على قبول الترشيح «وبدا من خلال استطلاع آراء النواب ان فوز الجنرال بالانتخابات مضمون، لكن ما لم يكن مضموناً هو مصير البلد بعد الانتخابات الرئاسية».

وبحسب بطرس، فإنه أثناء نقاشه شهاب في الموضوع، لمس منه ميْله الى رفض الترشح، رغم ان نواب «النهج» كلّفوا بطرس إيصال تمنيهم الى «الجنرال» بقبول ترشيحهم له. لكن شهاب رفض لانه كان يعتبر ان عودته رئيساً من دون صلاحيات ستكون عودة فاشلة.

كان لبنان مقبلاً في تلك المرحلة على فترة حرب كما قال شهاب، وعلى مشاكل واضطرابات غداة «اتفاق القاهرة» وحرب 1967 وتداعياتها، وكان شهاب يخشى كيف ان رئيس الحكومة يرفض إنزال الجيش ويهدّد بالاستقالة في كل مرة كان الرئيس شارل حلو يحاول الإمساك بالوضع الأمني، وتالياً اذا تكرر الامر نفسه، فهذا يعني ان الجنرال سيفشل، في عهده الثاني.

وهكذا أعلن شهاب عزوفه عن الترشح مجدداً في بيان رسمي، وتمنى خلال اللقاءات على حلفائه ومناصريه من النواب والزعماء اختيار مدير عام رئاسة الجمهورية في عهده الياس سركيس مرشحاً رئاسياً وكان قد أصبح حاكم مصرف لبنان.

ويقول بطرس في كتابه: «كشهابيين لم نفكّر بغير سركيس، وقد أشارت الدلائل الى فوزه وإن بفارق غير كبير، الى ان أعلن سليمان فرنجية ترشُّحه بعدما فاتحه بالأمر الرئيس كميل شمعون وأقنعه به».

لم يثر اختيار شهاب لسركيس ارتياحا كثيرا لدى بعض الزعماء الذين كانوا ينظرون الى سركيس على انه موظف رسمي سواء كمدير عام للقصر الجمهوري او حاكم لمصرف لبنان، في زمنٍ كان الزعماء يتحدّرون من عائلات إقطاعية ويتمتعون بألقاب كـ «البك» او «الشيخ» او «الأمير». اضافة الى ان شهابيين موارنة كانوا يعتبرون أنهم الأحقّ في ترشّحهم من سركيس، نسبةً لتاريخهم السياسي سواء في مجلس النواب او في الحكومات المتعاقبة.

لكن شهاب أصرّ على موقفه، فاضطر ضباط «المكتب الثاني» والسياسيون الذي يؤيدون شهاب على الموافقة عليه. وحده النائب جان عزيز، الشهابي بامتياز، رفض الامتثال لطلب شهاب والتصويت لسركيس.

وحين سئل الرئيس السابق للاستخبارات العميد غابي لحود في حوار مع مجلة «الوسط» العام 1989 لماذا اختار شهاب سركيس؟ اجاب: «كان الوضع صعباً. استقطاب داخلي ذو اتجاهات طائفية. وتَصاعُد في نشاطات المقاومة الفلسطينية التي بدا، غداة «اتفاق القاهرة»، انها لن تلتزم بما جاء فيه بسبب تَعدُّد الفصائل وارتباطاتها. في هذا الوضع المعقّد اتجهت الأنظار مجدداً الى فؤاد شهاب، لكنه كان لا يقبل البحث في هذا الموضوع على الإطلاق. وذات يوم قلتُ له: «يا فخامة الرئيس البلاد تحتاج اليك والحِمل ثقيل». فأجاب: «يا ابني الحمل ثقيل عليّ وعلى غيري. الفارق ان اللبنانيين سينتظرون مني أضعاف ما سينتظرونه من غيري وأنا لا أستطيع صنع المعجزات. إذا انتُخبت فسيعتبر اللبنانيون والسياسيون ان مهمتهم انتهت عند انتخابي وان على شهاب ان يحلّ المشكلة. غداً لمجرد ان ينزل فدائي واحد باللباس المرقط الى ساحة البرج، وهو ما يُنتظر ان يحصل ويستمرّ، تعود المشكلة من أوّلها وتتبخّر هالة فؤاد شهاب. الحلول السحرية غير موجودة». وسألتُه: «مَن القادر في نظرك على ضمان مصلحة البلد في حال انتخابه؟»، فأجاب: «الياس سركيس». وأضاف: «كل ما يَرِد في ذهني عما يجب عمله سيفعله من دون أن يحاسبه أحد على النتائج، وأنا مستعدّ للتشاور معه حين يرى ذلك مفيداً له. الشعب سيعطي سركيس فرصة أكبر وسيمهله، انا سيطالبني بالحل فوراً».

في المقابل كانت أركان «الحلف الثلاثي» يعدّون العدة لمواجهة شهاب، حتى لو أعلن عزوفه، وكانت النقطة الأساسية تكمن في اختيار المرشح الأفضل لمواجهة شهاب او مَن يختاره. في البدء رشّح شمعون الجميّل كـ «مرشح مناورة»، لكن ادّه كان يريد الترشّح ويتحضّر لحملة دعم أهمّها من الزعيم الدرزي كمال جنبلاط. وفي ظلّ اتصالات بين كرامي ورئيس مجلس النواب آنذاك صبري حمادة، وهما شهابيان عتيقان، لاختيار مرشح بديل عن سركيس، وطرْح أسماء كالنائب جان عزيز او ميشال بشارة الخوري، فاجأ شمعون الجميع بإعلان ترشحه من دون ابلاغ زميليْه في الحلف الثلاثي الجميّل واده.

رفض الرئيس صائب سلام ترشيح شمعون، رغم ان كلاهما من المعارضين للشهابيين، بخلاف رأي النائب كامل الاسعد الذي غدا لاحقاً رئيساً لمجلس النواب. وبعدما تبيّن لمعارضي شهاب أن أياً من المرشحيْن اده او شمعون لن يستطيع تأمين أكثرية الأصوات، طُرح اسم سليمان فرنجية مرشحاً في مواجهة سركيس.

وافق أركان الحلف الثلاثي الموارنة على ترشيح فرنجية، ومعهم كتلة الوسط، ومن ثم أيّده كمال جنبلاط الذي قسم أصوات كتلته (8 نواب) بين سركيس وفرنجية لاعتبارات شخصية تتعلق بعلاقة نواب كتلته بكلا الرجلين.

في 17 اغسطس 1970 عقدت جلسة انتخاب الرئيس، في مواجهة غير مسبوقة بين مرشحيْن. وفي الدورة الاولى نال سركيس 45 صوتاً ونال فرنجية 38 صوتاً وبيار الجميل عشرة أصوات، وجميل لحود خمسة أصوات وعدنان الحكيم صوتاً واحداً، علماً ان عدد أعضاء البرلمان آنذاك كان يبلغ 99 نائباً حضروا جميعاً للانتخاب. وأثارت الدورة الاولى حماسة الشهاببين إلا قلّة منهم، الذين خشوا الخسارة.

أُجريت دورة ثانية، لكن عدد الأصوات بلغ المئة فألغيت نتائجها، وقيل لاحقاً ان الورقة المئة ألقيت بهدف الضغط لإجراء دورة ثالثة وإعادة خلط الأوراق وحضّ النواب المتردّدين على تعديل موقفهم من اجل ايصال فرنجية. وفي الدورة الثالثة كانت أعصاب النواب على أشدّها، حين وصل الفرز الى 49 صوتاً لكل من سركيس وفرنجية بعدما جيّرت كتلة الكتائب أصواتها له، مع بقاء ورقة واحدة للفرز، ليعلن نائب رئيس المجلس ميشال ساسين ان الورقة الأخيرة لفرنجية الذي حصد 50 صوتاً. وحينها علا التصفيق في القاعة وبدأ مناصرو فرنجية يحتفلون داخل القاعة وخارجها، لكن رئيس البرلمان صبري حمادة حاول التذرع بأن أحداً من المرشحيْن لم ينل أكثرية النصف زائد واحد ويريد إعادة النظر في الانتخاب لاعتباره نصاب الفوز غير دستوري. فاعترض مؤيدو فرنجية على تصرّف حمادة الذي اعلن ان الفوز يحتّم الحصول على 51 صوتاً، قبل ان يدعو هيئة مكتب المجلس لاجتماع فوري كرّس بعده حمادة الفوز لفرنجية، فأعلنه رئيساً للجمهورية.

وتضاربت المعلومات حول ما حصل في الغرفة التي انسحب اليها صبري حمادة. والغالب الذي تُجمِع عليه روايات تلك المرحلة انه اتّصل بشهاب الذي طلب منه اعلان النتيجة بفوز فرنجية. في حين قال لحود في حواره مع مجلة «الوسط» العام 1989: «جرى اتصال معي، فكان موقفي بلا تردد ان فوز فرنجية يجب ان يُعلن وهذا ما حصل»، موضحاً ان الفوز (سركيس) كان محتّماً بحسب حساباتهم لو ان المواجهة كانت بين سركيس واده، ومتهماً اربعة او خمسة نواب بأنهم لم يفوا بوعدهم بالاقتراع لسركيس، ومسمياً «عبد اللطيف الزين الذي كان يتردّد بصورة مستمرة على سركيس ووعد بتأييده، وأحمد أسبر الذي قال انه سيؤيد سركيس الا اذا كان منافسه ريمون اده، ومحمد دعاس زعيتر الذي غيّر موقفه لأسباب غير سياسية».

اما الوزير والضابط الشهابي سامي الخطيب فيقول لـ «الوسط» العام 1989 «ان خطأ كبيراً حصل في إدارة المعركة حين ترشّح فرنجية للرئاسة»، اذ كان علينا ان نلجأ الى التسوية وإما ان نؤجّل الانتخابات، لأنه اتضح ان القصة على صوت. مَن يخوض معركة على صوت؟ وعندما سألنا غابي لحود «ما الخطة البديلة اذا سقط الياس سركيس؟» قال: «نفوت بالقزاز». لماذا؟ هل يوجد قائد عسكري لا يكون عنده خطط بديلة حتى يخلص جماعته؟ دخلنا كلنا في المعركة بصدورنا. «إذا سقط إلياس سركيس فسنُحاسب، وهكذا صار».

4 جنرالات إلى سدّة الرئاسة



| بيروت - «الراي» |

في 31 الجاري ينضمّ اسم جديد إلى «نادي» رؤساء الجمهورية اللبنانية الذين تعاقبوا منذ الاستقلال (العام 1943).

وسيكون زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون (82 عاماً) الرئيس 13 للبنان، والخامس منذ اتفاق الطائف (أقر العام 1989)، والثالث بعد الرئيس الياس الهراوي والرئيس ميشال سليمان الذي لم يتسلّم منصبه من سلفه نظراً الى شغور المنصب، ورابع «جنرال» يصل الى سدة الرئاسة، علماً ان الجنرالات الثلاثة الآخرين وصلوا الى الكرسي الاول مباشرة من قيادة الجيش وهم كل من فؤاد شهاب (1958 - 1964) واميل لحود (1998 - 2007) وميشال سليمان (2008 - 2014).

وتبرز مفارقة في ان «الرؤساء الجنرالات» الثلاثة شهاب ولحود وسليمان تولّوا مناصبهم على رأس الجمهورية اللبنانية في أعوام تنتهي بالرقم 8. وكذلك الأمر بالنسبة الى العماد عون حين كلّفه رئيس الجمهورية أمين الجميل ترؤس حكومة عسكرية انتقالية تتولى الإشراف على إجراء الانتخابات الرئاسية التي تعذّر إجراؤها مع انتهاء ولايته.

فالرئيس شهاب انتُخب في 23 سبتمبر 1958 وبقي في منصبه حتى 22 سبتمبر 1964 وكان يبلغ عند توليه سدة الرئاسة 56 عاماً.

والعماد اميل لحود انتُخب في 24 نوفمبر 1998 رئيساً للجمهورية وكان يبلغ 62 عاماً وتم تمديد ولايته عام 2004 لثلاث سنوات ليغادر قصر بعبدا في تمام الساعة الثانية عشرة من ليل 24 نوفمبر 2007.

أما الرئيس ميشال سليمان، فانتُخب في 25 مايو 2008 (كان يوم أحد) وكان يبلغ من العمر 59 عاماً. واختتم عهده يوم السبت الموافق 24 مايو 2014 باحتفال أقيم في القصر الجمهوري.

والمفارقة الأبرز في السياق نفسه ان حتى العماد عون حين كان قائداً للجيش وكلّفه الجميل ترؤس الحكومة العسكرية الانتقالية، دخل القصر الجمهوري بهذه الصفة عام 1988.

وتجدر الإشارة الى ان سليمان كان الرئيس الثاني في لبنان الذي تسلّم عهده من فراغ (أعقب انتهاء ولاية لحود) وسلّم فراغاً (ينتهي يوم الاثنين)، بعدما كان الرئيس الجميّل تسلّم العام 1982 من فراغٍ نتج من اغتيال شقيقه بشير بعد 22 يوماً من انتخابه رئيساً ليسلّم بدوره فراغاً رئاسياً ملأته الحكومة العسكرية برئاسة عون.