موفدها يلتقي مروحة واسعة من الشخصيات... والحريري يولم على شرفه

مباركة سعودية للتسوية الرئاسية في لبنان

1 يناير 1970 09:19 م
... لا نمانع. لكم حرية الخيار. تربحون نربح معكم، تخسرون تتحمّلون الأضرار لوحدكم. هذا غيضٌ من فيض ما جرى تداوُله في بيروت عن الموقف السعودي من الملفّ الرئاسي اللبناني منذ ان أعلن زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري يوم الخميس الماضي تأييد ترشيح زعيم «التيار الوطني الحرّ» العماد ميشال عون.

حتى أن كثيرين في بيروت، لا سيما من خصوم الحريري، كانوا «يقيسون» إمكان ذهابه الى خيار عون في «الميزان السعودي» باعتبار أن مثل هذه الخطوة يصعب ان تحظى بمباركة من الرياض في ظلّ «الاشتباك الكبير» بينها وبين طهران في أكثر من ساحة، ونظراً الى تموْضع زعيم «التيار الحرّ» طوال الأعوام العشرة الأخيرة كـ «رأس الحربة» الداخلي لـ «حزب الله» ومشروعه السياسي المتكئ على قوة عسكرية «عابرة للحدود» وتشكّل جزءاً لا يتجزأ من معركة توسيع النفوذ الايراني في المنطقة.

إلا ان زيارة وزير الدولة لشؤون الخليج في المملكة العربية السعودية ثامر السبهان لبيروت التي وصل اليها مساء امس وسط توقعات بأن يبقى فيها لحضور جلسة الانتخاب الرئاسية يوم الاثنين، اعتُبرت إشارة متقدّمة الى ان الرياض تبارك ما يتّفق عليه اللبنانيون والتفاهم الذي حصل في الملف الرئاسي الذي رسا على... عون رئيساً.

وكان بارزاً جدول لقاءات السبهان في بيروت الذي كُشف عنه والذي سيشمل العماد عون قبل انتخابه، وكلاً من الرئيس تمام سلام ورئيسيْ الجمهورية السابقين أمين الجميل وميشال سليمان ورؤساء الوزراء السابقين نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وسعد الحريري (اليوم)، إضافة الى اجتماعات مع رئيس البرلمان نبيه برّي، والنائب وليد جنبلاط وقائد الجيش العماد جان قهوجي يوم السبت الذي سيشهد ايضاً إقامة الحريري مأدبة عشاء على شرفه في «بيت الوسط». علماً ان تقارير صحافية أشارت الى أن زيارات وزير الدولة السعودي ستشمل رؤساء الطوائف الروحية: المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان والبطريرك الماروني بشارة الراعي.

وفي موازاة الدلالات البارزة للمروحة الواسعة من اللقاءات التي سيعقدها السبهان، فإن اوساطاً سياسية في بيروت توقفت عند المغازي السياسية لهذه الزيارة، وهي الأولى لمسؤول عربي او خليجي لبيروت منذ تبلور ملامح التسوية الرئاسية، وذلك من زاويتين:

* الأولى تتصل بدخول السعودية العلني على خط الملف الرئاسي، ولو من باب دعم ما يتّفق عليه اللبنانيون، وتوفيرها غطاء لـ «المخاطرة الكبيرة» التي اعلن الحريري انه أخذها باعتماد خيار عون، في الوقت الذي كان الكلام عن ان الأخير مرشح ايران، مع ما يعنيه ذلك من ظهور الرياض وكأنها حاضرة في التسوية الرئاسية وجاهزة لـ «حماية ظهر» زعيم «المستقبل» في الشق الثاني من هذه التسوية المتصل بالحكومة العتيدة رئاسةً وتوازنات وغيرها من العناوين التي ستكون محور «عض الاصابع» في اليوم التالي لانتخاب عون.

* والثانية حرص الرياض على اختيار السبهان لزيارة لبنان، هو الذي عُين قبل أقلّ من أسبوعين وزير دولة لشؤون الخليج العربي في وزارة الخارجية، بعدما كان تولى منصب سفير المملكة في العراق (عادت حكومة بغداد وطلبت استبداله)، كما انه معروف بمواقفه البالغة التشدد حيال إيران وأدوارها في العراق والمنطقة والميليشيات التي تدعمها لا سيما «الحشد الشعبي»، وصولاً الى الكشف في اغسطس عن مخطّطات لاغتياله تمّ ربطها بإيران (نفت ذلك) عبر ميليشيات عراقية تابعة لها وأبرزها كتائب خراسان، التي تُعتبر مكوناً أساسياً في الحشد الشعبي.

وانطلاقاً من هذه الخلفية للسبهان، فإن زيارته لبيروت لمواكبة الملف الرئاسي تعكس في جانبٍ منها مرونة حيال تفاهم غالبية اللبنانيين الذي اتخذ عنوان «حماية اتفاق الطائف» الذي اعتُبرت الرياض العام 1989 عرّابته الرئيسية، في مقابل معاينة دقيقة وعن كثب لمرحلة ما بعد الانتخاب باعتبار انها ستكون المؤشر الفعلي لما اذا كان لبنان انزلق الى أحضان ايران بالكامل وذلك ربطاً بسلوك الرئيس الجديد وبالمسار الذي سيسلكه تكليف الحريري وتشكيل حكومته، لأن ذلك سيكون عنصر التوازن في التسوية الرئاسية ومجمل الوضع اللبناني، والمعيار الذي ستتعاطى على اساسه الرياض مع بيروت وسط مواصلة المملكة سياستها المتشددة حيال «حزب الله» الذي كان مجلس الوزراء السعودي جدّد قبل ايام قليلة اعلان «عزم المملكة ومواصلتها مكافحة الأنشطة الإرهابية له» و«الاستمرار في العمل مع الشركاء في أنحاء العالم، لكشف أنشطته الإرهابية والإجرامية».

ومعلوم ان التمثيل الديبلوماسي للسعودية في لبنان انخفض الى مستوى قائم بالأعمال (وليد بخاري) بعدما انتهت مهمة السفير علي عواض عسيري من دون تعيين خلَفٍ له حتى اليوم، فيما اهتزّت العلاقة بين الرياض وبيروت في شكل غير مسبوق قبل أقلّ من عام على خلفية خروج وزير الخارجية جبران باسيل عن الإجماع العربي في إدانة الهجوم على السفارة السعودية في طهران، وهو ما ردّت عليه المملكة في حينه بإعلان «إجراء مراجعة شاملة للعلاقات مع لبنان المصادَرة إرادته من حزب الله» واتخاذها قراراً بوقف العمل بمساعدات عسكرية وأمنية بقيمة 4 مليارات دولار.