3 سيناريوات افتراضية تواكب «الأمتار الأخيرة» من السباق إلى القصر الجمهوري

لبنان أسير «حبس الأنفاس»... عون رئيساً مع «وقف التنفيذ»

1 يناير 1970 09:15 م
ممثّلة الأمم المتحدة التقت الحريري و«حزب الله»

تَفهُّم متبادل بين بري و«حزب الله» في إدارة تَمايُزهما حيال انتخاب عون
منذ مساء أمس، اتّجه لبنان نحو الفصل الأشدّ حبساً للأنفاس في تقرير وجهة مصيره مع الإعلان الذي وُصف بحق بأنه خطوة دراماتيكية تمثّلت في تبني زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري ترشيح زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.

وهكذا، بعد أكثر من شهر من إطلاقه مبادرته الرئاسية الجديدة، تخلّى الحريري عن ترشيح النائب سليمان فرنجية، وبات في شبه المحتّم ان ميزان الرئاسة الأولى مال بقوّة نحو تعزيز الفرصة الحاسمة لانتخاب عون الذي بات يملك أكثرية كافية لوصوله الى قصر بعبدا، وسط استمرار السعي لاستكمال الاجراءات التي تكفل توسيع التفاهمات التي توّجها زعيم «المستقبل» بإعلانه دعم زعيم «التيار الحر» للرئاسة والتي تلحظ ان يتولى عون بنفسه القيام بجولة بدأت بزيارة الحريري ويفترض ان تشمل في الساعات المقبلة رئيس مجلس النواب نبيه بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط والنائب فرنجية ما لم يحصل ما يعطّل هذا المسار.

ولكن إعلان الحريري ترشيح عون جاء وسط بلوغ التوتر مع الأخير ومع زعيم «المستقبل» ذروته على محاور القوى الرافضة لانتخاب زعيم «التيار الحر» ولا سيما من جانب بري الذي بات موقفه المناهض بشدّة لوصول «الجنرال» يشكل اللغز المحيّر لجميع القوى والأوساط الداخلية.

ذلك ان كل المعطيات تشير الى ان بري ليس في واقعِ مناورةٍ سياسية من المناورات التي يُعرف على نطاقٍ واسع ببراعته فيها عادةً، بل ان موقفه الذي يشكل رأس حربة الرافضين لانتخاب عون يتخذ أبعاداً استثنائية وفائقة الأهمية الى حدودٍ بدأت معها الكواليس السياسية تطرح خطورة تداعياتٍ قد تنشأ في الشارع الشيعي للمرة الاولى منذ نشوء الثنائية الشيعية المتمثّلة بحركة «أمل» و«حزب الله».

ويبرّر هذا البُعد انها المرة الأولى التي يقف طرفا الثنائية على ضفتيْن متواجهتيْن أقلّه حتى الساعة، كما ان إمعان بري في تثبيت اتجاهه الى صفوف المعارضة في حال انتخاب عون رئيساً سيرتّب واقعاً غير مسبوق منذ سريان تنفيذ اتفاق الطائف قبل ربع قرن. فالرجل يمثل اختصاراً للموقع الرسمي والدستوري الاول لدى طائفته (الشيعية)، كما يمثّل الركيزة الثانية الدائمة في السلطة السياسية والحكم منذ فجر الطائف.

واذا مضت الأمور من دون انضمام بري الى التحالف الدافِعِ بخيار عون، فإن أقلّ ما يمكن توقُّعه هو ان يصبح رئيس البرلمان بكل حيثياته الضحيةَ الكبيرة من دون منازعٍ لتَحوُّلٍ جذري في الواقع السياسي اللبناني يصعب تَخيُّل مروره من دون تداعيات ضخمة وخطرة.

إلا ان أوساطاً مطلعة، ترى عبر «الراي» ان التمايز بين بري و«حزب الله» في شأن انتخاب عون يحصل على قاعدة «التفهّم المتبادل» من كل منهما لخيار الآخر وإدارة هذا التمايز بما لا يسمح بأي عودة الى الوراء في التحالف العضوي والـ «ما فوق استراتيجي» بينهما، وان من المستحيل على الحزب ان يسلّم بالسماح بأن تلحق أي هزيمة برئيس البرلمان وان «التعويض» عن الوصول شبه المحسوم لعون الى الرئاسة سيكون بوقوف «حزب الله» خلف بري في مرحلة ما بعد الرئاسة الاولى بكل عناوينها.

وبإزاء هذه الأبعاد، لا تزال الأوساط القريبة من مطبخ الاتصالات والوساطات والمساعي الجارية بكثافة لمعالجة حقل الألغام الأخير الذي يهدد فرصة عون متحفّظة عن الجزم بأي احتمال قاطع حيال جلسة 31 الجاري المحددة لانتخاب رئيس الجمهورية.

وتقول هذه الاوساط لـ «الراي» ان يوم امس شهد حمى غير مسبوقة في الاتصالات المفتوحة في كل الاتجاهات سعياً الى معالجة عقدة بري في المقام الأول ومن ثم العقد الاخرى تباعاً، وذلك استباقاً لمغادرة بري بيروت في الساعات المقبلة وتحديداً غداً الى جنيف حيث سيمكث لأكثر من أسبوع للمشاركة في مؤتمر البرلمانات الدولية ولن يعود إلا قبل يومين من موعد جلسة 31 اكتوبر.

وتَردّد ان اتصالات جرت بين الرابية (مقر عون) وعين التينة (مقر بري) للحصول على تأكيدٍ من بري لموعد زيارة عون (بين مساء امس او اليوم) وسط معلومات عن ان رئيس البرلمان أرجأ سفره لساعات، علماً ان الأوساط القريبة من مطبخ الاتصالات والوساطات الجارية، بدت شديدة التشكيك في تَرقُّب نتائج ايجابية لهذا اللقاء. وقالت ان كل شيء يتوقف على معرفة ما اذا كان «حزب الله» في وارد القبول بمضي الأمور نحو معركة شرسة بين رافضي عون، وعلى رأسهم حليفه الأوثق بري وحليفه الآخر عون، وما يعتزم القيام به لتجنُّب تطور الأمور نحو الأسوأ.

ولفتت هذه المصادر الى ان ما تَردد في الكواليس امس يشير الى ان «حزب الله» بدأ ضغطاً قوياً نحو تأجيل الجلسة الانتخابية أسبوعيْن أو أقلّ من اجل السعي الى تسوية جدية بين عون وبري، رغم ان زعيم «التيار الحر» ومعه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يحاذران تأجيل الجلسة، وان عون يخشى بقوة حصول تطورات سلبية لغير مصلحة الدفع بانتخابه في 31 الجاري اذا حصل الإرجاء.

وفي انتظار ما ستحمله الساعات المقبلة لهذه الجهة، فان الأوساط لفتت الى ان الجانب الآخر المتصل بأوضاع الحريري واللاعبين الآخرين لا تقل تعقيداً خصوصاً مع تصاعد ملامح التململ الواسع داخل «كتلة المستقبل» حيال خيار عون كما في ظل تحفز الكتل والنواب الرافضين لهذا الخيار لاستعمال كل ما يتاح من وسائل لعرقلة انتخابه. واللافت في هذا السياق ما تحدثت عنه الأوساط نفسها من جوٍّ ديبلوماسي دولي ملائم للرافضين لخيار عون على المضي في مناهضته، اذ ان هؤلاء يعتبرون عدم حماسة اي طرف دولي لانتخاب عون حتى لو لم يضع ايّ منهم اي فيتو واضح على «الجنرال» بمثابة ترْك للعبة الداخلية تأخذ مجراها.

كما تقول الأوساط ان الحريري لم يسوّق خيار عون ولم يحاول إقناع اي فريق مناهض له بمماشاته، بل اكتفى بإعلان مبرّرات اعتماده هذا الترشيح بما يشبه تبرير الخيار القسري. وهي مؤشرات من شأنها ان تبقي المسار المتبقي عن موعد جلسة 31 الجاري مفتوحاً على مزيدٍ من مفاجآت ربع الساعة الأخير والمئة متر الأخيرة من الشوط، بما يضع المشهد اللبناني برمّته أمام ثلاثة احتمالات هي: النجاح في تسوية بين بري من جهة وعون والحريري من جهة أخرى من شأنها ايضاً ان تخرج النائب وليد جنبلاط من الموقع الرمادي الذي التزمه والانضمام الى خيار عون. والثاني تأجيل الجلسة الانتخابية لنحو أسبوعين لترْك المجال أكثر امام المساعي الداخلية وتمرير موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية التي لا بد ان تترك تأثيرات في ظلّ الرئيس الذي ستحمله.

أما الاحتمال الثالث فهو فشل التسوية والذهاب إما الى معركة بين عون وفرنجية وإما الى «مجهول معلوم» يتمثّل في نقل بري المواجهة الى ما بعد الرئاسة التي سيشارك رئيس البرلمان في جلسة بتّها على ان يصوّت ضدّ عون، لتصبح الحكومة الجديدة هي «الرهينة» وسط توقعات عندها بأن يُكلَّف الحريري بتشكيلها (لديه الأكثرية الكافية لذلك مع التزام عون معه) ولكن ان يفشل في تأليفها تحت وطأة إما إغراقها بشروط بري (حيال الحقائب والحصص والأحزاب التي ستُوزَّر والبيان الوزاري والثلث المعطّل وغيرها) الذي سيردّ الصاع صاعين لزعيم «المستقبل» الذي اعتبر انه «طعنه» بالسير بعون، او عزوف المكوّن الشيعي بثنائيته «أمل» و«حزب الله» عن المشاركة في اي حكومة يترأسها الحريري.

وكان لافتاً انه رغم كل «التوتر» على خط بري - الحريري فقد استضاف رئيس البرلمان في مقرّه مساء أمس جولة جديدة من الحوار الثنائي بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»، فيما كانت الحكومة تعقد جلسة عادية طغى عليها الاستحقاق الرئاسي الذي حضر في تعليق لافت لوزير الصحة وائل ابو فاعور (من فريق جنبلاط) الذي أكد انه هنّأ الوزير الياس بو صعب (من فريق عون) بالعماد عون «رئيساً»، فيما نفى وزير الداخلية نهاد المشنوق ما يتم تداوله من معلومات عن امكان حصول حدث أمني، معلناً ردا على سؤال عن امكان تأجيل جلسة انتخاب الرئيس في 31 الجاري: «لماذا التأجيل؟».

وبينما كان وزير «حزب الله» محمد فنيش يردّ على سؤال قبيل انعقاد جلسة مجلس الوزراء حول صمت الحزب، مؤكدا ان «الصمت أبلغ من كلام البعض»، كان نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم يستقبل في زيارة لافتة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحتدة في لبنان سيغريد كاغ حيث جرى خلال اللقاء استعراض ومناقشة الأوضاع على الساحة اللبنانية وفي مقدمها الملف الرئاسي، اضافة إلى تطورات الأزمة في سورية والتداعيات الناجمة عنها خصوصاً ما يتعلق بملف النازحين والتهديدات الإرهابية. علماً ان كاغ التقت ايضاً سعد الحريري في سياق استطلاع تحوّلات «رئاسية لبنان».