إضاءات / الحضارة في منطقة الخليج

1 يناير 1970 09:03 م
هناك مَثَل يعجبني- الأخوة في مصر يقولونه دائما- وهو: «من فات قديمه تاه». ورغم قلة الكلمات في هذا المثل إلا أنه يقول ما تعجز عن قوله عشرات الكتب، فالذي يترك ماضيه من دون اهتمام أو بحث أو دراسة، فإن مصيره التشتت وعدم القدرة على الاستمرار في حياة تعصف بكل من ليس له جذور.

الماضي... هو البوابة التي نستطيع الدخول منها إلى الحاضر والمستقبل، لأننا ان استرجعنا الماضي سنسترجع العبر والتجارب، وسنتعرف على الأجداد كيف عاشوا، وكيف كانت الحياة في ماضي الزمان، كي نستفيد ونتعظ، ولكننا لو نظرنا إلى الماضي على أساس أنه فترة زمنية وانقضت ولا نبحث فيه، ولا نستدعيه، ولا نقترب من صفحاته، أو أن نجعله تاريخا لا نعود إليه إلا في الكتب، في هذه الحال لن ننال ما نطمح إليه ولن نحقق ما نتمناه للحاضر والمستقبل.

وهذه المقدمة التي ابتدأت بها مقالي ما هي إلا هواجس تجول في خاطري وأنا أرى الإهمال الذي يشهده تاريخنا سواء في الكويت أو الخليج، الإهمال الذي جعل الشباب الواعد لا يعرف القليل منه، فعلى امتداد دول الخليج العربي نشأت حضارات قديمة، وتكونت أفكار وقيم وتأسس ممالك ودول يشهد لها التاريخ بالتطور والحضارة، إنها منطقة الخليج التي تتمتع بالكثير من المقومات الحضارية، التي تميز البشر، إلا أننا للأسف لم نتمكن من التسويق لها، وتركنا كل من هب ودب يطعن في حضارتها ويحاول أن يروج لها على أساس أنها صحراء هبط عليها البترول من حيث لا تحتسب ثم أصبحت أرضا عامرة بالخير.

هذه النظرة التي يراها البعض في منطقة الخليج نحن مساهمون في ترويجها، لأننا لا نحسن تسويق حضاراتنا وقديمنا مع العلم بأننا نمتلك كل الأساليب والأدوات والأفكار والكفاءات إلا أننا لا نريد أن نعمل.

ومع أن تخصصي الأكاديمي في الأدب واللغة، إلا أنني أستمتع بتاريخ منطقتنا وأقرأ عن الحضارة الدلمونية في البحرين وسائر دول المنطقة، ويبهرني التاريخ القديم لجزيرة فليلكا وما تم اكتشافه فيها من آثار تؤكد على عمق حضارتها، فالأدلة تثبت أن منطقة الخليج كانت مهداً للجنس البشري الأول، وعليها عاش سيدنا إبراهيم، كما امتد التاريخ فيها ليصل إلى مراكز اكثر إشراقا وقوة.

فها هو أحمد بن ماجد أشهر الملاحة العرب من الخليج، والكثير من الشخصيات التي كان لها الأثر الفاعل والمهم في الحضارة الإسلامية.

كما حظيت منطقة الخليج بوجود المستشرقين الذين فتنوا بها كل الافتتان مثل جورج فالين الذي عشق حائل السعودية والملقب بـ «فالين العرب». والمستشرق الروسي بونداريفسكي وكتابه عن الكويت، والمستشرق الروسي غيورغي بوندا ريفسكي، والمستشرق والمفوض السياسي البريطاني في الكويت جيرالد دو جوري، وغيرهم الكثير.

فاتصال الإمبراطوريات القديمة والحديث بمنطقة الخليج، يؤكد على أهميتها وعمقها الحضاري، حتى شركات النفط في الخليج تحمل عبقا تاريخيا متميزا، بمعنى أن الثقافة الخليجية تتميز بعمقها التاريخي الذي يدفعنا إلى التأكيد عليه وعدم إهماله... صدقا «من فات قديمه تاه».

* كاتب وأكاديمي في جامعة الكويت

[email protected]