تقرير

الإسلاميون والحداثيون في المغرب: من سيحسم المعركة الانتخابية؟

1 يناير 1970 02:45 ص
الانتخابات التشريعية المقررة غداً، هي أول انتخابات مغربية تقام في ظل حكومة يقودها حزب إسلامي وهي الثانية بعد دستور 2011 الذي جاء نتيجة حراك اجتماعي يطالب بالإصلاح والتغيير.

وتراهن الأحزاب المنافسة على الفوز في هذه الانتخابات التي ستحدث تغييرا في المشهد السياسي كما ستحدد الخطوط الكبرى للوضع العام للبلاد خلال خمس سنوات، يخوض إسلاميو «العدالة والتنمية» المعركة الانتخابية على أمل الفوز مجدّدا لاستكمال الإصلاحات التي وعدوا بها، معوّلين على قاعدتهم الانتخابية ومرجعيتهم الدينية التي ربّما ستلعب دور الحسم في انتخابات الغد.

ويتزعم «حزب الأصالة والمعاصرة» بقيادة إلياس العماري، الأحزاب المعارضة لتيار الإسلام السياسي والرافضة لـ «أخونة» الدولة، ويراهن الحزب على هذه الانتخابات التي ستحدد وزنه السياسي وإن كان فعلا يمثل قوة بديلة للإسلاميين الذين تمكنوا من المحافظة على وحدتهم وبنائهم التنظيمي الحزبي رغم خلافاتهم الداخلية وخلافهم مع سلفيي «جماعة العدل والإحسان»، خزّانهم الانتخابي في السابق.

وتصاعدت الخلافات بين «العدل والإحسان» و«العدالة والتنمية» إبّان مسيرة «حركة 20 فبراير» التي تعدّ الجماعة نواتها الأساسية، فاختلف التنظيمان الإسلاميان حول الدستور والانتخابات واتّسمت سياسة الجماعة بالراديكالية حيث قاطعت المسار الانتقالي، لكنها فاجأت الرأي العام في ما بعد بمغادرة «حركة 20 فبراير».

وأصدرت الأمانة العامة والدائرة السياسية لجماعة «العدل والإحسان» بيانا أكدت فيه مقاطعتها للانتخابات البرلمانية «رفعا لأي شرعية عن قوى الفساد والاستبداد».

وجاء في بيان الجماعة أنه «بعد الدراسة المعمقة للحيثيات الدستورية والسياسية والقانونية والتنظيمية للانتخابات التشريعية، والتي تكرس الاستبداد والفساد، وتنبثق عنها مؤسسات صورية وشكلية يغيب فيها تحقيق العدل والكرامة والحرية للمواطن، تعلن جماعة العدل والإحسان مقاطعة انتخابات 7 أكتوبر 2016».

وإلى جانب جماعة العدل والإحسان أعلن «حزب النهج الديموقراطي» (اشتراكي) و«الحزب المغربي الليبرالي» بقيادة وزير حقوق الإنسان السابق محمد زيان، مقاطعة الانتخابات التشريعية.

ويقود «حزب النهج» الذي تأسس سنة 1995 من قبل ناشطي منظمة «إلى الأمام» الماركسية - اللينينية، حملات واسعة في مختلف المدن المغربية لحضّ المواطنين على مقاطعة الانتخابات لأن المشاركة فيها تعدّ «إطالة لعمر الاستبداد وتنكرا لروح حركة 20 فبراير».

وعلى رغم إشراف وزارتي الداخلية والعدل على العملية الانتخابية وما رافق ذلك من تشكيك من قبل أحزاب المعارضة في شفافية الانتخابات، إلا أن السلطات قامت هذه السنة باعتماد أكبر عدد ممكن من المراقبين المستقلّين والدوليّين بما يكفل نزاهة عملية الاقتراع.

ويملك «العدالة والتنمية» قاعدة انتخابية ثابتة لا تتغيّر رغم مراهنة أحزاب المعارضة على تآكل شعبيته. فإثر الأحداث الإرهابية في مدينة الدار البيضاء سنة 2003 تصاعدت الدعوات إلى حلّ الحزب وأخرى إلى قيامه بمراجعات فكرية، لكنه بعد أربع سنوات فقط، تمكن من الحصول على 500 ألف صوت خلال الانتخابات التشريعية، ليتصدر سنة 2009 نتائج الانتخابات المحلية ويفوز سنة 2011 في الانتخابات التشريعية المبكرة بـ107 مقاعد.

واستطاع «حزب العدالة والتنمية» أن يحافظ على قوته التنظيمية وأن يحتوي الخلافات الداخلية بين قادته ما سيجعله قادرا على التعبئة الانتخابية إلى جانب «حزب الأصالة والمعاصرة» الليبرالي والذي أصبح اليوم منافسا قويا لتيار الإسلام السياسي رغم حداثة نشأته (2008).

ومع قرب الاستحقاقات الانتخابية، فإن اللافت في حملة «العدالة والتنمية» لم يكن خطاب قادته أو برنامجه وشعاراته بل دموع عبدالإله بن كيران التي ذرفها في ثلاث مناسبات متتالية أمام مؤيّديه. ولا يبدو أن دموع أمين عام الحزب الإسلامي نتيجة لانفعال طبيعي وصادق وإنّما تدخل ضمن استراتيجيته الاتصالية لاستمالة الناخبين واستدرار عطفهم. فدموع السياسيّين تدخل ضمن «البروباغندا» لتلميع الصورة والتقرّب من المواطنين.

ولم يخف إلياس العماري تخوفه من إمكان فوز «العدالة والتنمية» في انتخابات الغد، نظرا إلى قدراته الاتصالية، حيث ركّز في خطاباته على المشاكل التي يعاني منها المواطن المغربي، مشدّدا على أنها «نتيجة لسياسة حكومة بن كيران الفاشلة» على حدّ تعبيره.

في المقابل، يدافع بن كيران خلال المهرجانات الخطابية في مختلف مدن المغرب عن حصيلة عمل حكومته خصوصا على ملف إصلاح التقاعد المثير للجدل، حيث يعتبر أنه لولا حكومته «لتهدد معاش آلاف المتقاعدين في أفق 2021»، مشيرا إلى أن «الإصلاح مثل الدواء قد يكون مرا، لكنه ضروري للعلاج».

وأثبتت نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، أن المشهد السياسي المغربي يتّجه نحو القطبية الثنائية الحزبية، ما سيدفع الكثير من الأحزاب الصغرى إلى التكتل أو سيؤدّي إلى اندثارها. فالخريطة السياسية بعد هذه الانتخابات تغيّرت وصار الصراع بين مختلف القوى محصورا بين حزبي «العدالة والتنمية» و«الأصالة والمعاصرة».

ويمكن للقطبية الثنائية الموسومة بطابع أيديولوجي أن تضرّ بالتعددية الحزبية وأن تقلّص حضور أحزاب وطنية لها تاريخ نضالي مثل «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» و«حزب الاستقلال» الذي تراجعت شعبيته خصوصا بعد محاولات تقرّبه من «حزب العدالة والتنمية»، غريمه السياسي.وحال غياب التجانس الأيديولوجي بين مختلف الأحزاب المغربية من دون تشكيل تكتلات سياسية ثابتة، فـ «حزب الأصالة والمعاصرة» رغم حضوره القوي في المشهد السياسي، خصوصا في الآونة الأخيرة، غير قادرعلى قيادة ائتلاف يساري يضم «حزب التقدم والاشتراكية» أو «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية».

كما أن أخطاء «حزب العدالة والتنمية» خلال خمس سنوات من تدبير الشأن العام إلى جانب مرجعيته الإسلامية، تجعله هو الآخر غير قادر على استقطاب أحزاب مثل «الاستقلال» و«الاتحاد الدستوري» وضمان التجانس بينها.

ومن شأن تخفيض العتبة الانتخابية أن يُضعف هذه القطبية الثنائية خصوصاً أن المصالح الظرفية للأحزاب تدخل ضمن منطق تشكيل التحالفات التي سريعا ما تتفكك.

وتطرح فيديرالية اليسار الديموقراطي المكونة من أحزاب «الطليعة الديموقراطي الاشتراكي»، و«المؤتمر الوطني الاتحادي» و«الاشتراكي الموحد»، نفسها كبديل سياسي عن حزبي «العدالة والتنمية» و«الأصالة والمعاصرة».

وأكدت الأمينة العامة لـ «الحزب الاشتراكي الموحد»، نبيلة منيب «أن تحقيق العدالة الاجتماعية تعد أولوية قصوى بالنسبة إلى الفيديرالية».

وأضافت خلال تجمع انتخابي نظم في إطار الحملة الانتخابية في تطوان، «أن مشروع فيديرالية اليسار الموحد تحت شعار (معنا، مغرب آخر ممكن)، يسعى إلى تحقيق عدالة اجتماعية ديموقراطية ويطالب بتقديم نخب نزيهة تتحلى بالمواطنة الحقة وربط المسؤولية بالمحاسبة»، مشيرة إلى أن «برنامج فيديرالية اليسار الموحد، يعتبر إصلاح الأوضاع الاجتماعية من ضمن أولوياته الأساسية».

وتعيش أحزاب اليسار في المغرب، عموما، أزمة حقيقية جعلتها غير قادرة على التعبئة وإقناع الناخبين رغم جديّة برامجها الانتخابية والدور المهم الذي لعبته في تاريخ المغرب السياسي. وساهمت تجربة التناوب التوافقي التي بدأت سنة 1998 وانتهت سنة 2002 في إضعاف اليسار المغربي وتشتيته رغم الإصلاحات التي قام بها رئيس الحكومة آنذاك عبدالرحمان اليوسفي والكاتب الأول لـ «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» خصوصا على المستوى الحقوقي.

«أرقام انتخابية»



- عدد المقاعد: 395

- عدد الدوائر الانتخابية: 92

- عدد المترشحين: 6992

- عدد الناخبين: 15.7 مليون

- عدد المراقبين: 4000