اختفى طوال أكثر من ربع قرن وظهر الآن عبر وسائل الإعلام... بكتاب «ترشيد الجهاد»... إنه الدكتور سيد إمام «الطبيب البشري والجراح الماهر »... الذي هاجر من مصر العام 1980 وسافر إلى أفغانستان ليقود تنظيم الجهاد المصري على أرض أفغانستان في بيشاور وقندهار، وقام بتأسيس وتنظير أفكار الفكر الجهادي في سرية تامة... إذ كان يحمل اسمين حركيين، «الأول» دكتور فضل، والآخر «عبد القادر عبد العزيز». وقدم الدكتور سيد إمام للفكر الجهادي أخطر كتابين على الإطلاق هما «العمدة في إعداد العدة» و«الجامع في طلب العلم». وقد انطلقت أفكاره خارج النطاق الضيق لتنظيم الجهاد المصري إلى جميع الشباب المسلم سواء في أفغانستان أو في العالم.
وكانت أفكار الكتابين من أهم الأفكار التي اعتمد عليها فكر تنظيم «القاعدة» في ما بعد.
وظل سيد إمام مجهولا عند الكثيرين، غير معروف اسمه الحقيقي، حتى ورد اسمه الحقيقي، متهما في القضية المعروفة إعلاميا باسم «العائدون من البانيا»، والتي نظرها القضاء العسكري المصري، وشملت 108 متهمين وحكم على تسعة بأحكام الإعدام غيابيا، كان على رأسهم أيمن الظواهري المتهم الأول في القضية، ولكن سيد إمام كان خلافه مع التنظيم ـ كما جاء في أوراق القضية ـ سببا للحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة.
وبعد «24» عاما من اختفائه وسريته وبالضبط العام 2004، تم القبض عليه في اليمن ليتم ترحيله إلى مصر، ومنذ عامين خرجت الأخبار من داخل السجن بثورة تصحيح وترشيد للفكر الجهادي يقودها سيد إمام.
وظلت الأخبار تتوالى حتى خرجت يوم 18 نوفمبر العام 2007، وعبر وسائل الإعلام، وثيقة ترشيد الجهاد التي تحوي أهم وأقوى مراجعات لفكر الجهاد، ليس في مصر وحسب ولكن في العالم.
وهنا وقفات مهمة ينبغي الإشارة إليها:
أولا: إن المعتقلين على ذمة تنظيم الجهاد في السجون المصرية قام أفراد منهم بعمل نوع من المراجعات منذ نحو عشرة أعوام، وأحدها أعلنت أثناء نظر قضية «العائدون من البانيا» ولكنها لم تحقق المرجو منها بسبب أمرين: «الأول» أن طبيعة تكوين تنظيم الجهاد من خلايا عنقودية وليس تنظيما هرميا كانت سببا في عدم التفاف الكثيرين في شأنها.
والثاني عدم وجود مرجعية فكرية وتنظيمية كبيرة تقدم هذه المراجعات للرأي العام.
وظلت بعض قيادات التنظيم تقدم مراجعات وتصحيح للفكر ولكنه لم يرق للمرجو منه، ولم يحدث إجماع عليها، بل حدثت خلافات وانشقاقات حتى جاء سيد إمام وقام بعمل مراجعات للفكر الجهادي وجمع قيادات التنظيم المتناثرة في شأن مراجعاته.
ثانيا: تكمن أهمية مراجعات سيد إمام أنه هو المنظر الأول للفكر الجهادي الذي استندت إليه «القاعدة» في أفكارها وأنه معروف لدى هؤلاء المقتنعين بالفكر الجهادي من خلال كتابيه، كما ذكرت «العمدة في إعداد العدة»، والثاني «الجامع في طلب العلم»، وهذا يجعل لمراجعته بُعدا عالميا ممتدا إلى كل بؤر تنظيم «القاعدة» في العالم وليس إقليميا كما حدث مع مراجعات الجماعة الإسلامية أو المراجعات التي حدثت بالسعودية أو الجزائر أو غيرهما من البلاد.
ثالثا: تتزامن هذه المراجعات مع خطاب الإصلاح الذي قدمه بن لادن للرأي العام أوائل شهر نوفمبر الجاري، ودعا فيه إلى إصلاح العمل الجهادي والمقاومة في العراق مع الأخطاء التي وقعت فيها، وهذا التزامن يعطي قوة كبيرة للأثر المرجو عند الكثيرين في ترشيد وتصحيح أفكار الجهاد.
رابعا: كان لافتا أن نشر هذه المراجعات تم بعد الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين منذ أعوام على خلفية اتهامهم بفكر الجهاد، بعكس ما حدث مع «الجماعة الإسلامية» عندما تم الإفراج بعد نشر مراجعاتهم.
خامسا: من المتوقع أن تحدث هذه المراجعات ردود أفعال قوية وكبيرة في أوساط الإسلاميين عموما والمتعاطفين مع «القاعدة» خصوصا، وبلاشك سوف تحمل الردود السلبي والإيجابي والنقد والقبول والتأييد والهجوم، وهو تفاعل طبيعي.
فليس متوقعا أن تحدث انقلابا بين لحظة وضحاها، ولكن يكفي أنها حركت الماء الراكد بقوة وألقت الضوء على الأخطاء بوضوح من قائد من داخل الفكر، بل هو من صاغ الأفكار الجهادية من قبل.. وهو تصحيح وترشيد مهم وجيد في ظل فوضى وخلافات لاتنتهي عن الجهاد والمقاومة.
وأخيرا، كان لافتا أن يسبق الظواهري الجميع في خطاب سابق له وينتقد مراجعات سيد إمام بالإشارة إليها. وهنا تجدر الإشارة أنهما كانا صديقين وزميلين في كلية الطب وشريكين في تنظيم في علاقة استمرت ما يقرب من 35 عاما، ولكنهما افترقا تنظيميا من قبل وهاهما يختلفان علنيا وإعلاميا، وهما أول من أسس التنظيمات السرية في مصر، ولم يدر بهما أحد، والظواهري في مكان يعلمه الله مختبئ مطارد يقود أكبر ثورة راديكالية ضد العالم.
وسيد إمام في سجنه بعد غياب عن مصر ربع قرن يقود أكبر ثورة تصحيحية في الفكر الجهادي عرفها العالم.. إنها الأقدار ولايدري المرء ماذا تخفي الأقدار والأيام.
ممدوح إسماعيل
محام وكاتب مصري
[email protected]