رثاء / في وداع... الرجل الصالح

1 يناير 1970 05:07 م
«السلام عليكم صبحك الله بالخير بو حمد... كيف حالكم وتقبل الله طاعتكم وحجكم وكل عام وانتم بخير»... كانت رسالة صوتية لي بعد شروق الشمس- ثالث أيام عيد الأضحى الأربعاء 13/‏12/‏1437هـ الموافق 14/‏9/‏2016م- وهي رسالتي الصوتية الوحيدة له ولم أرسل لأحد قبله ولا بعده وكأنها رسالة سلام ووداع.

... ويأتي رده برسالة نصية لي: «عليكم السلام ورحمة الله وبركاته وجزاك الله خير».

وفي صباح اليوم التالي- الخميس- يأتي الخبر المفجع: «انتقل إلى رحمة الله أخونا الغالي ابو حمد صالح المري رحمه الله وغفر له اثر حادث في الإحساء»... والعجيب أن هناك الكثير ممن التقى معه في طواف الوداع ولا يعلم أن صالح يودع الحرم والدنيا معاً (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)، منهيا بذلك مناسك الحج ومودعا الكعبة والبيت الحرام وكذلك أحبابه ودنياه.

هو الموت ما منه ملاذ ومهرب

متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب

ما أروعها من خاتمة طيبة خارجا ومطهرا نفسه من الذنوب ملبيا ومحرما وحاجا وخاتما طاعته بطاعة أخرى عظيمة وهي زيارة والدته برا وصلة، لأنه بعد فراغه من الحج توجه لمدينة الإحساء حيث والدته هناك يريد زيارتها والسلام عليها... ويضرب فيه المثل في بره بوالديه رحمه الله، قال صلى الله عليه وسلم:»الأعمال بالخواتيم»... البخاري.

اللهم اجعله ممن قبلت منه صالح عمله فرجع كيوم ولدته أمه.

من هو صالح؟

- هو صالح بن حمد بن جارالله بن هديبان آل غفران المري.

- ابناؤه حمد وعبدالله وعبدالرحمن وعدد من البنات حفظهم الله جميعا.

- توفي وقد بلغ عمره 45 عاماً، عرفناه أكثر من 20 عاماً رجلا صالحا اسما ورسما.

- ضابط في وزارة الداخلية.

- داعية ومحب للخير وأهله آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة.

- نائب لرئيس الهيئة الإدارية بجمعية إحياء التراث الإسلامي فرع ضاحية صباح السالم منذ التأسيس 1996 وعضو فاعل وناصح ومساند في كل خير قبل ذلك.

همة عالية في العلم

كافح على مستوى الدراسة وهو أب وموظف عسكري وعنده من المسؤوليات في مثل عمره ما يعرفها عنه القريب والبعيد... رجع إلى مقاعد الدراسة للثانوية وحصل على نسبة تأهله لدخول الجامعة ثم التحق بكلية الشريعة جامعة الكويت وكان طالبا مجتهدا رغم الصعاب تخرج في الجامعة ثم التحق بدورة للضباط بوزارة الداخلية وعلق على كتفيه النجوم التي تشرفت بكتفيه واعتلى بهمته وهامته الثريا، ولم يقف الطموح عند هذا الحد أكمل المسير العلمي للدراسات العليا ومنح درجة الماجستير في العام 2015 من كلية العلوم بجامعة المنيا في مصر وكانت رسالته بعنوان الجرائم الواقعة على أمن الدولة دراسة فقهية مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الكويتي (بإذن الله نجتهد لطباعتها)... ثم سجل لدراسة الدكتوراه لكن الأجل سبق.

من عرف صالح عرف الزهد والتواضع والورع الشديد عنه كان يستأذن في استخدام القلم، وكان عندما يضطر لتصوير ورقة أو طباعة ورقة خاصة به في مكان العمل الرسمي أو التطوعي كان يدفع المال لجهة العمل قيمة تفوق قيمة التكاليف في مراكز الطباعة، وكان رحمه الله يتحلل من أي شخص ويستأذن ولا يبيح لنفسه أخذ شيء ليس له، وكان عفيف النفس صدوق اللسان مخموم القلب تقي نقي.

له أعمال صالحة من عبادة ودعوة وإصلاح بين الناس وتبرعات خفية لا يعرف عنها أحد لدرجة أن أحد الأصدقاء يعرف بعض أموره الخاصة ويقول لي لو لم يأخذ علي المواثيق والعهود حتى بعد وفاته لتكلمت بها... الله أكبر لقد أتعبت من بعدك يا صالح تخفي العمل حتى بعد الموت؟!

أتعرف متى يبكي صالح؟ عندما يتم تذكيره بالله... واذكر ذات مرة يداعبه احد الشباب ويقول له يا صالح اتق الله... ويكثر عليه بكلمة يا صالح اتق الله... وكان يتهرب من سماعها ويسكته من خوفه وتعظيمه لله... تبكيه هذه الكلمة اتق الله... بالله عليكم من تبكيه هذه الكلمة اليوم؟!

وقافا عند حدود الله ويحب السنة ويعظمها وكان وجيها بين أصحابه وإخوانه وزملائه وعند جماعته وله كلمة مسموعة ومقبولة ويحب الخير للجميع ويحبه الجميع، لا يحب التكلف يتعامل بالبساطة وعندما ترى أصحابه وأصدقاءه قبل أبنائه وإخوانه وأهله يفجعون ويبكون لفراقه فاعلم انه رجل نادر وأنها محبة من الله... رحمك الله يا أبا حمد ونشهد بالله أنك فقيده.

المرء يعرف بالأنام بفعله

وخصائل المرء الكريم كأصله

تبرعوا لوالدهم رحمه الله ببناء مركز إسلامي متكامل في الهند، وكنت متفقا معه للذهاب إلى هناك بعد العيد والحج وافتتاح المركز والمسجد، وكان يلح علي بالمتابعة وكأنه يستعجلني قبل موته... لكن أجله سبقه قبل افتتاح مركز والده غفر الله لهما ورحمهما واسكنهما الفردوس الأعلى ورحم الله أموات المسلمين.

بعد حصوله على رسالة الماجستير واحتفائنا به جميعا بتخرجه دعا إخوانه وأصحابه في مزرعتهم واستضافنا ثلاثة أيام في شهر مارس الماضي، قبل ستة أشهر وكأنه يجمعنا ليودعنا يا الله ارحمنا وارحمه برحمتك وصبرنا على فراقه.

نعم... مات صالح ولكن أعماله وأفعاله وأخلاقه وسيرته الطيبة باقية وحية، وكل منا عنده قصص وذكريات جميلة وصالحة عنه ومعه، جعل مثواك الفردوس الأعلى يا صالح.

مات قوم وما ماتت مكارمهم

وعاش قوم وهم في الناس أموات

من حقوقه علينا

لك منا يا صالح الدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء، ومن أحب المشاركة وفاءً لهذا الرجل الصالح فهناك مشروع خيري وهو بناء مركز إسلامي في البلقان فيه (مسجد وحفر بئر وفصول دراسية ومغسلة أموات ومحل وقفي) عن طريق جمعية إحياء التراث الإسلامي فرع ضاحية صباح السالم.

وداعا- يا حبيب الناس- إنا

بفقدك... نسأل الله الثوابا

Twitter :@mbrkwtdusari