تقرير / الملفات الساخنة إقليمياً أفرزتهم والاحتقان المذهبي جرفهم ضمن تياره
ليبرالي طائفي... فقط في الكويت !
| كتبت إسراء جوهر |
1 يناير 1970
09:02 م
ظافر العجمي: الليبرالية «ضيف» والطائفية «صاحب دار» وقدر الضيف ...الرحيل!
أحداث اليمن وسورية كشفت من يتمترس خلف ستار الليبرالية فيما تعجّ نفسه بسموم الطائفية
سليمان الخضاري: كلنا معرضون للوقوع في فخ الطائفية بدرجات متفاوتة
الانتماءات المذهبية والدينية مرتع خصب يلجأ إليه كثيرون عندما تتعرض تلك المعتقدات لهجوم ما
عايد المناع : من يتبنى الليبرالية الفكرية ينبذه المجتمع وقد يتم تكفيره... بل وقتله
الطائفية أكبر موروث يحمله الخليجي وأكثرها تعقيداً ومن الصعب التخلص تماماً من آثارها
ابتهال الخطيب: أحداث المنطقة أطاحت بالكثيرين في فخ الطائفية وازدواجية المعايير
من الأمور المعيبة في حق أي شخص يدعي الليبرالية أن يحمل بين طيات فكره بعداً طائفياً أو عنصرياً
يبدو أن الليبرالية أيضا لم تسلم من إضفاء اللمسة المحلية عليها، وكحال معظم المفاهيم المستوردة من الغرب، نال الليبرالية ما نالها من عداء ومحاربة من قبل رافضيها من جهة، وفي الجهة الاخرى طالها لبس و تشويه على يد بعض معتنقيها!
ففي الوقت الذي يكيل «أصحاب التوجهات الدينية المحافظة» التهم لليبرالية بأنها تدعو الى الانحلال الاخلاقي والتفسخ، وهو ما من شأنه نشر الفساد في المجتمعات الامنة وافساد النشء فيها، حتى وصل الأمر الى اعتبار لفظ « ليبرالي» سبة وتهمة تستلزم البراءة منها، يحاول البعض وضع «قناع» ليبرالي مزيف سرعــــــان ما يســـــقط عنــــــد أول محك حقيقي لتظهر نعرات طائفية وعنصرية - على استحياء أحيانا وبشكل فج أحيانا أخرى - وهو ما يندر أن يجتمع بأي شكل من الاشكال مع الليبرالية المتمحورة كمفهوم حول ترسيخ مبادئ الحرية والمساواة والتشديد على صيانة كرامة الانسان.
فقط في الكويت، يمكن لليبرالية أن تجتمع مع الطائفية، وبقدر الدهشة التي تتملكنا من طرح تساؤل مفاده كيف يمكن لليبرالي أن يكون طائفيا، تأتي المعطيات طريفة تارة ومحزنة تارة اخرى، لاسيما وان الليبرالية تتعارض في جوهرها مع أشكال العنصرية المختلفة والتي تشكل الطائفية وجهها الديني، كما أن النفس الطائفي ان وصل لليبراليين فما الذي يبقى للأصوليين والمتطرفين سواء داخل الكويت أو خارجها؟
قد يبدو التساؤل طريفا أو حتى باعثا على الاستغراب، لكنه بكل تأكيد مشوب بالمرارة عندما نجزم كأفراد أن المفاهيم وهي تجوب العالم لا تملك الا ان ينالها تشويه ما عندما تمر من هنا!
الدكتور ظافر العجمي - الاكاديمي في جامعة الكويت - حاول تشخيص الحالة الليبرالية الخليجية عامة والكويتية تحديداً، معتبرا ان بعض المثقفين يتداول الليبرالية كعملة مزيفة، إما بغية تسويق أنفسهم أمام المراقب الغربي أو لحضور تظاهرات ثقافية هنا وهناك، لكن كشف حقيقة هؤلاء ليست سوى مسألة وقت لا أكثر، ولعل الأحداث الراهنة في كل من اليمن وسورية قد ساهمت في كشف العديد ممن يتمترس خلف ستار الليبرالية فيما تعج نفسه بسموم الطائفية .
ويسترجع العجمي نشأة التيار الليبرالي في الكويت ابان قيام الدولة، مؤكدا أن معظم رموز الليبرالية كانوا ممن ينتمون لليسار- على اختلاف مرجعياتهم المذهبية والطبقية - ويتصدرون المعارضة السياسية آنذاك، لكن الغالبية تخلى عن قناعاته اليسارية متخذا الافكار الليبرالية بديلا عنها.
و استطرد: الليبرالية حالها كحال بقية الايديولوجيات، مرت على الكويت والخليج (كضيف) والضيف له ثلاثة ايام أو ثلاث سنوات او حتى ثلاثة عقود فإن مصيره الرحيل وهو ما حدث لدينا ! علينا أن نعي أن الليبرالية ضيف غير متأصل في مجتمعاتنا وهي لا تشبه بأي شكل من الاشكال الليبرالية الغربية، خصوصا وأن هناك محركا فاعلا آخر لدينا هو الدين الذي حمله أفراد هذه المجتمعات منذ البداية، واذا وضعنا الليبرالية مقام الضيف فإنه وبالمقابل يمكن أن نضع التدين - بكافة أشكاله السني ، الشيعي، السلفي ، الاخواني ..الخ- مقام (صاحب الدار)، وبالتالي مهما كان الضيف عزيزا فإن البقاء يكون لصاحب البيت ولذا نجد الاصطفاف في مجتمعنا غالبا ما يتم بناء على محركات مستوطنة كالمذهبية القبلية لا بناء على الايديولوجيات.
وضمن السياق ذاته، لكن من وجهة نظر سيكولوجية يرى رئيس مركز الكويت للصحة النفسية السابق الدكتور سليمان الخضاري انه غالبا ما تكون لدى الليبرالي الخليجي والكويتي رواسب تاريخية، عشائرية، ودينية تفرض نفسها بقوة على واقعه، ولا يمكن ان يعيش بمعزل عنها كنتيجة طبيعية للموروثات والأحداث والصراعات التي تمر بها المنطقة بشكل عام، خصوصاً أن معظم تلك الصراعات والاحداث لابد وان تلقي بظلالها على المجتمعات والليبراليون مكون من مكونات تلك المجتمعات.
ويضرب الخضاري مثلا لليبرالية، بقوله انها طيف كبير يتفاوت فيه الليبراليون بمدى تمسكهم بمبادئ وقيم هذا الفكر، ومحاولة اخضاع تلك المبادئ للمعايشة اليومية والتي بسببها يرتد كثير من الليبراليين الى قيمهم الاولى كالطائفة والقبيلة والعرق وغيرها، فهناك ليبرالي بالمطلق وهناك ليبرالي «نص نص»، وعليه لابد اولا من تبرئة هذا المصطلح مما يشوبه وازالة اللبس المترتب على ذلك، لأنه لا يمكن تقييم واقع تجربتنا قياسا بالتجربة الغربية دون الاخذ بالمعطيات المختلفة بيننا وبينهم.
وعما إن كان قد وقع في مطب الطائفية مرة، أكد الخضاري ضرورة الإقرار بأن الكل يمكن ان يكون عرضة للوقوع في هذا الفخ بدرجات متفاوتة، فالانتماءات المذهبية والدينية تشكل مرتعا خصبا يلجأ اليه كثيرون عندما تتعرض تلك المعتقدات لهجوم ما، الاعتراف بذلك والصدق هما السبيل الامثل للتعاطي مع تلك المفارقة وصولا الى التخلص منها تدريجيا.
أما الاكاديمي في جامعة الكويت الدكتور عايد المناع، فقد وجه أصابع الاتهام نحو إيران كعامل رئيسي في تأجيج المذهبية من خلال تدخلاتها في المنطقة العربية لاسيما لبنان والعراق وسورية واليمن، الأمر الذي أثار حالة من الهلع والخشية لدى الكثيرين أجبرتهم على الاصطفاف الطائفي.
ولم يخف المناع خشيته من اندلاع تطورات عنيفة اثر الاحتقان الطائفي بسبب الممارسات الايرانية التوسعية واتخاذها منهج تصدير الثورة والذي سيقابله ردة فعل من قبل بعض الحكومات العربية، بالتالي وفي ظل هذه الاوضاع الملتهبة في المنطقة يجد الليبرالي الخليجي نفسه في حالة توهان مجبرا على اتخاذ مواقف او آراء تصطبغ بلمحة طائفية كنتاج لمجتمعه إلا ما ندر، خصوصا وان الطائفية هي اكبر موروث يحمله الخليجي واكثرها تعقيدا ومن الصعب التخلص تماما من اثارها .
المناع اعتبر أن معظم الليبراليين الخليجيين والكويتيين يتخذون منهج الليبرالية الاجتماعية على الليبرالية السياسية أو الفكرية، وهو ما انعكس على مجتمع الستينات والسبعينات حيث الانفتاح الاجتماعي والتحرر من القيود الدينية الشكلية، لكن الغالبية سرعان ما ترجع الى جذورها الدينية في مراحل عمرية لاحقة، ساند ذلك تنامي التيارات الاسلامية الاصولية بدعم من بعض حكومات المنطقة لمواجهة خطر قيام الثورة الاسلامية في ايران، والذي انصب في نهاية الامر نحو تمترس كل طائفة خلف مرجعية ما.
واضاف: الليبرالية كتيار لا ينمو ولا ينتشر الا في ظل أجواء ديموقراطية حقيقية. وعن أسباب ندرة وجود ليبرالي كويتي او خليجي على المستوى الفكري المؤمن تماما بالليبرالية مضمونا، وتطبيقا أجاب المناع ان الليبرالي على المستوى الفكري سيحرق اجتماعيا فيكون منفيا منبوذا على صعيد المجتمع وعرضة للتشكيك به وكأنه مفسد للأخلاق وخطر جسيم على الثوابت والاعراف، بل قد يصل به الأمر الى حد تكفيره وتعريضه للقتل، و لذا لا يجد الليبرالي خيارات عدة امامه سوى ان يهادن وينحني أمام العاصفة حتى تمر!
من جانبها، أوضحت الدكتورة ابتهال الخطيب أنه من المفترض أن تكون الليبرالية قد نشأت كفكر حر على الصعد كافة لتصاحب لاحقا الفكر العلماني فتقضي بذلك على الطائفية والعنصرية التي عانت منها اوروبا سابقا، لكن الوضع في المنطقة مختلف قليلا، فالانسان العربي يعاني يوميا من أنواع ودرجات متفاوتة من كبت للحريات وتكميم للأفواه وقمع و قهر مجتمعي او سلطوي وغيره، مما ألغى ايمان الفرد بالدولة ككيان عادل يعيد إليه حقوقه ولا يجد بدا من التمركز حول قوى اخرى تعيد اليه حقوقه وينتمي اليها، ولن يجد الانسان مركزاً أقوى من الطائفية للتحصن خلفها!
واستنكرت الخطيب وجود ليبرالي طائفي، معتبرة ذلك من الامور المعيبة في حق أي شخص يدعي الليبرالية أن يحمل بين طيات فكره بعدا طائفيا او عنصريا، ذلـــك أن الليبرالي لا بد وان يقضي على موروثاته العرقية والدينية والفئوية التي تعيقه كمحايد يرى الجميع ضمن مسطرة واحدة، ويفعل ما يدعو إليه ولا يرفع شعارات يعجز عن تطبيقها، و عليه، لا يمكن القول أننا نملك حراكاً ليبرالياً حقيقيا لتعذر توافر الليبراليين الحقيقيــيـــــن ممن يؤمن بجوهر الليبرالية الا ما ندر، بل ان البعض وصل به الامر الى الخجل من لفظ ليبرالي ومحاولة تبرئة نفسه من تبعات اللقب.
وأردفت الخطيب ان التخلص من الطائفــــية ليس بالامر السهل واحتاج لألف عــــام حتى يتحقـــــــق في اوروبا، لكننا لا نملك هذا الوقت وعلينا ان نسابق الزمــــن اذا اردنا لمجتمــــعاتنا التنعم بمزايا الليبرالية!
وللدلالة على ازدواجية معايير بعض ليبراليي الكويت أو الخليج عموما، ضربت الدكتورة ابتهال مثلا بأحداث المنطقة التي أفرزت اصطفافا طائفيا انعكست اثاره على الجميع بمن فيهم بعض المنتسبين لليبرالية وأسقطت الكثيرين ممن تعاطوا بازدواجية ونهج الكيل بمكيالين دون ادنى اعتبار لجوهر الليبرالية وروحها الداعية للحريات والتشديد على نقاط اساسية في الفكر الليبرالي، كالحرية والمساواة وصون كرامة الانسان، لتشكل بذلك الطائفية هوية للانسان العربي لا يجد تجمعا او مؤسسة او تيارا يضاهيها قوة ونفوذا.