حوار / سُوري يتحدث 6 لغات ويغنّي بـ 19... ويعزف على البيانو «في أعالي البحار»!
كارو بارداكجيان لـ «الراي»: مشهورٌ في اليونان... وأسعى إلى العالمية!
| حاوره علاء محمود |
1 يناير 1970
02:42 م
سيد درويش و«الأخوان رحباني» تركوا بصماتٍ مميّزة في موسيقى العالم
وقعتُ في غرام البيانو وأنا طفل عندما سمعت ابنة الجيران تعزف مقطوعة كلاسيكية
تقديمي الفن السوري يومياً على متن باخرة سياحية وسيلة مثالية لنشر تراث بلدي عالمياً!
الموسيقي العربي في السنوات العشرين الأخيرة بدأ يمتلك ثقله ووزنه واحترامه داخل بلاده
ما أجملَ أن تتعانق عدة هويات في فنان واحد!
لكن الفنان كارو بارداكجيان - برغم امتلاكه مزيجاً من الانتماءات - يظل انتماؤه الأول لسورية!
المطرب وعازف البيانو بارداكجيان، لا يستمد تعدد هوياته من أنه فقط دائم الترحال على متن سفينة سياحية فارهةٍ - تجوب محيطات العالم وتتنقّل بين موانيه - مغنياً لأسراب السائحين بـ 19 لغةً، ومتحدثاً إليهم بست لغات... بل أيضاً لأنه يجمع بين أب أرمني وأم يونانية، ويعيش على أرض اليونان، وإن كان يعتز بأنه ترعرع في مدينة حلب، ويعشق سورية التي جعل من فولكلورها «نغماً» مهماً وحاضراً في برنامجه الموسيقي اليومي على متن السفينة التي يعمل بها!
«الراي» تحاورت مع بارداكجيان، الذي قال: «إن تقديمي الأغاني السورية للسائحين المختلفي الجنسيات هو وسيلة مثالية لنشر تراث وثقافة بلدي على العالم»، متحدثاً عن عشقه لآلة البيانو التي وقع في غرامها وهو في السادسة، عندما تناهى إلى سمعه عزف ابنة الجيران، ليشعر منذ تلك اللحظة بأن هذه الآلة ستشاركه حياته المستقبلية، وهو ما حصل بالفعل!
الموسيقي الدائم الترحال سبح - مع «الراي» - في سواحل فنية وشخصية متعددة تأتي تفاصيلها في هذه السطور:
• بدايةً، هل لك أن تُعرِّف قرّاء «الراي» عليك أكثر؟
- أُدعَى كربيس بارداكجيان، لكن جمهوري وأصدقائي ينادونني بـ «كارو»، عشت وترعرعت في محافظة حلب السورية، وأنا من أب أرمني سوري وأمّ يونانية، متزوج من امرأة رائعة أرمنية حلبية، وعندي فتاة وصبي، وزوجتي، أكملتُ تعليمي الدراسي حتى أنهيت المرحلة الثانوية في سورية أيضاً، ومن ثمّ بدأ الطموح يكبر في داخلي حتى وصلت لما أنا عليه اليوم.
• ما أعرفه أنك قد تلقيت تعليمك الموسيقي على يد الملحن الأرمني الشهير هرانت كيفوركيان. أخبرني أكثر عن خطوات البداية؟
- فيما يخصّ الموسيقى، كانت الدروس الأولى في البيانو هي تلك التي تلقيتها على يد الراهبة فريسيته، في العام 1970 وحتى العام 1978، وحينها كنتُ لا أزال في السادسة من عمري، وأذكر أنها هي من عرّفتني على الملحن والموسيقار الأرمني الشهير هرانت كيفوركيان، حيث كانت البداية معه غريبة الأطوار، فطبيعة ونمط درس الموسيقى أصبحا أكثر صعوبة ومتعة، إذ بعد فترة قصيرة من الزمن أصبح درس الموسيقى لديّ أهم شيء في حياتي، وقد أدى الموسيقار كيفوركيان دوراً كبيراً في هذا الأمر بتطوير مهاراتي الأدائية.
• لماذا اخترتَ العزف على آلة البيانو تحديداً؟ وهل من صعوبات واجهتك؟
- أول لقاء مع آلة البيانو حصل عندما سمعت ابنة الجيران تعزف مقطوعة كلاسيكية، حينها شعرتُ بأن المعزوفة الموسيقية تهمس في أعماق روحي، قائلةً إن هذه الآلة الموسيقية تحديداً - البيانو- «ستكون شريكتك طوال الحياة، وسوف تصبح مصدر إلهامك»، ومنذ تلك اللحظة وقعتُ في غرامه، وبعد أيام قليلة وُلدت علاقتي مع البيانو، ولا أذكر أنني واجهت أي صعوبات في طريق البداية.
• في العام 1983 سافرتَ إلى اليونان، وهناك بدأتَ بالعزف في الفنادق الفاخرة... ما الذي تركه ذلك من أثر في نفسك اليوم؟
- هذا صحيح، ففي العام 1983 انتقلت للدراسة والعيش في اليونان، وكانت بداية دراستي الجامعية في أثينا للتخصص في طب الأسنان، وتخرجتُ في العام 1989، لكنني لم أعمل قط بشهادتي، والجميل في الأمر أنني خلال الدراسة لم أترك الموسيقى ولا تخليتُ عن عشقي للبيانو الذي جذبني من طب الأسنان، حيث كانت بداية احترافي في العام 1986 في فنادق خمسة نجوم، وتلك البداية كانت أول احتكاكي الفني مع الجمهور، خصوصاً أن نزلاء الفندق كانوا من مختلف أنحاء العالم، فكانت هذه أول جرعة قوية من الخبرة الفنية بالنسبة إليّ.
• حالياً تقوم بالعزف أمام حشود من السياح المنتمين إلى مختلف دول العالم، على متن باخرة سياحية ضخمة تجوب البحار والمحيطات... فما الميزات؟ وأين الصعوبات؟
- كل يوم أعيشه على متن الباخرة هو يوم جديد ومغاير بالنسبة إلي، ويتضمن تحديات مختلفة من الناحية الموسيقية أولاً، ومن النواحي الثقافية والاجتماعية ثانياً. أما الصعوبة في ذلك كله فتكمن في البحث الدائم عن السبل لإرضاء وإسعاد الجميع من خلال ما أقدّمه من فن سواء عزفاً أو غناءً.
• لكنك تقضي معظم حياتك في عرض البحر... فهل يشعرك ذلك بالراحة والسعادة؟
- الحقيقة أنني من عشّاق البحر، لذلك وجودي على متن الباخرة طوال الوقت هو أمر يشعرني بالراحة، وعلى رغم الصعوبات التي أواجهها أحياناً خاصة حينما يكون البحر هائجاً والطقس سيئاً، فإن الموسيقى تجعلني أشعر بالسعادة الكبيرة، فأنسى كل المتاعب.
• معروف عنك أنك تتقن التحدث بـ 6 لغات، كما يمكنك الغناء بـ 19 لغة... فإلى أي مدى يميزك ذلك عن زملائك الفنانين؟
- إتقان الحديث والتفاعل باللغات الأجنبية إحدى أهم الصفات التي يجب أن يمتلكها من يعمل في مجال السياحة، وخاصة في مهنتي، ولا شك أن إتقاني التحدث بـ 6 لغات لعب دوراً كبيراً في وجودي بالعمل في المجال السياحي على مدى 19 عاماً بلا انقطاع، وأسهم في انتشاري فنياً عند الكثير من السائحين حول العالم، إذ لا شك أن قدرتي على الغناء بـ 19 لغة هي صفة مميزة لي عن غيري من الفنانين، وتمنحني حضوراً إضافياً في دائرة أوسع.
• في اعتقادك، هل ترى أنك أخذت حقك الفعلي في الانتشار؟
- محلياً نعم، فبالنسبة إلى البلد الذي أعيش فيه السنوات الـ 30 الأخيرة وهو اليونان، ومن خلال عملي في نطاق الموسيقى والترفيه وإحيائي للحفلات والأعراس مع مختلف الجاليات سواء كانت أرمنية أو عربية، وطبعاً لا أنسى الجمهور اليوناني، فأعتقد أنني بدأت في أخذ حقي والحمد لله، لكنني لم أحظ بعد بالفرص والحظوظ نفسها على الصعيدين الأوروبي والعالمي، وعلى رغم هذا كلّه لست يائساً، بل متفائل إلى أبعد الحدود، وأسعى بكل جهدي، وأرى أن هناك فرصاً كثيرة تلوح بالأفق وتتقدم إليّ من أنحاء متفرقة من العالم.
• لماذا لم تُصدر ألبوماً موسيقياً خاصاً بك على غرار ما يقوم به الآخرون؟
- فعلياً أصدرتُ 7 ألبومات خاصة بعملي، حققت نجاحاً كبيراً، لكن انتشارها كان محلياً، وهو الأمر الذي تحدثت عنه قبل قليل بشأن انتشاري عالمياً.
• سافرتَ إلى العديد من دول العالم وأحييتَ حفلات كثيرة... لكن ما البلاد التي لم تزُرها إلى اليوم وترغب في نشر فنّك فيها؟ وما السبب في اختيارك لها؟
- أرغب بشدة في نشر فنّي في أرمينيا، لأنني أولاً أنحدر من جذور أرمنية، ولأنني أيضاً أمتلك العديد من الأغاني الأرمنية من تلحيني أتطلع إلى أن أتغنّى بها يوماً ما في مدينة يريفان، وأرى أن ذلك من حقي. أما البلد الثاني فهو الولايات المتحدة الأميركية، ثم المملكة المتحدة، لأنهما مصدران سريعان للانتشار العالمي لأي عمل فني، وبالطبع لا أنسى بلدي سورية الذي كان وسيبقى الوطن الحبيب.
• ما الذي تعنيه لك الموسيقى؟ وهل للفنان الموسيقي في وطننا العربي ثقله واحترامه كما يجده في الدول الأوروبية؟
- الموسيقى لعبت دوراً مهماً وكبيراً في حياتي، إذ غيرته إلى الأفضل على العديد من الأصعدة، وبشكل عام بدأ الفنان الموسيقي العربي في السنوات العشرين الأخيرة يمتلك ثقله ووزنه، واحترامه داخل بلدانه، قياساً بالدول الأوروبية، على عكس بعض الفنانين العرب الذين ظهروا قبل السنوات العشرين الأخيرة، إذ لم يكونوا يحوزون حصةً كبيرة من ذلك الاحترام والتقدير.
• مَن الموسيقي العربي الذي استطاع أن يترك بصمة على نطاق العالم من وجهة نظرك؟
- في تقديري، ومن دون أي مجاملات: الموسيقار سيد درويش، وأيضاً الأخوان رحباني.
• ومن الموسيقي العالمي الذي يأخذك إلى عالم آخر من خلال فنّه؟
- ليس موسيقياً واحداً، بل اثنان فقط لهما سحر في مسمعي، الأول يدعى ستيف وندر، والآخر هو أدريانو سيلينتانو.
• بما أنك من أصول سورية، ما دورك كفنان فيما تمرّ به البلاد؟
- بوصفي فناناً سورياً، أمنيتي هي أن تعود سورية كما كانت وأفضل، وأن يرجع إليها الأمن والأمان، وأن يذهب كل الفنانين السوريين المغتربين إليها، لنقدم تقديرنا ومحبّنا لها، معبِّرين عن إحساسنا من خلال أغانينا وفنوننا، وفي كلّ الأحوال فإن الأغاني السورية الفولكلورية والشعبية لا تزال موجودة يومياً في برنامجي على متن الباخرة، وأراها الوسيلة المثالية لنشر جزء من تراث بلدي أرض العراقة والحضارة والثقافة سورية إلى مختلف أنحاء العالم.