| د. تركي العازمي |
تتغير المناهج حسب الحقيقة المراد بلوغها، وفي السياسة تعتبر مذهبا فلسفيا سياسيا يعتبر نجاح العمل المعيار الوحيد للحقيقة وهي تتغير، وكان آخرها ما حصل بين روسيا وتركيا وإيران، ونحن العرب أصحاب الأرض التي تطبق عليها!
سألني أحد الزملاء بعد العرض الذي قدمته عن طريق عملنا غير السياسي طبعاً: يعني أنت براغماتي المنهج؟
وما المانع أن أكون ذلك? فالبراغماتية أصلها يوناني نستخدمها في البحث العلمي كونها مذهب عمل/فلسفة الذرائع، حيث إن النظرية نتوصل إليها عبر التطبيق.
خذ عندك البراغماتية المتبعة في شركة «ديش» لصناعة الملابس التي تأسست في بنغلاديش عام 1978 عبر باحثين عرفوا التطبيق، ليطبقوا النظرية الرامية إلى بناء صناعة الملابس (قطاع المنسوجات عن طريق معرفة الكيف Know How) من خلال باحثين غيروا وضع صناعة الملابس في الاقتصاد العالمي بعد التحاقهم عبر شراكة مع شركة كورية جنوبية عرفوا من خلال دورة تدريبية أوفدوا إليها 126 متدرباً لتصبح في ما بعد في المرتبة الرابعة على مستوى العالم بعد ما كانت في مؤخرة الركب (مرتبة 174) وصادراتها تجاوزت 26 ملياراً خلال 30 عاماً!
عامل المعرفة عبر الإلمام بالكيف، يعد العامل الأنجح على كل المستويات، ولك في صناعة القطن في مصر خير مثال: فأين مصر الآن من قائمة المنتجين في العالم؟ وأين نحن من الصناعات البترولية والغذائية وغيرها من الثروات الطبيعية التي تنعم بها بلداننا؟
نحن أكثر الدول قوة في الطاقات البشرية والمواد الخام التي تؤهلنا لقيادة العالم لو إننا طبقنا الـ Know how...
لكنه عامل الحسد وسوء الاختيار والانفرادية في طريقة التفكير، وهو ما عزز تكالب الأمم علينا من دون أخذ رأي العقلاء الحكماء وهم كثر، لكنهم لم يستشاروا وترك الأمر لمن لا يفهم أبسط الأمور في القضايا البحثية!
نوقع الكثير من العقود الاستشارية... يأتي المستشار وتنتهي مدة العقد ولا نعير مبدأ نقل المعرفة الأهمية المطلوبة!
لو كنا خصصنا مجموعة من حملة الدكتوراه ممن تخرجوا من جامعات محترمة (طبعاً غير مزورة ولا مشكوك فيها نهائياً) وأفسحنا لهم المجال للتعلم وتطبيق دراساتهم البحثية، لكنا في وضع مختلف شكلاً ومضموناً.
إننا نبحث عن فكر براغماتي صالح يستفاد منه لصناعة مستقبل أفضل، لأن التاريخ يقول إننا الأفضل في كل المعايير، حيث العقول العربية والإسلامية تمتلك من الكفاءات ما يمكننا من تكوين اقتصاد إسلامي عربي نستطيع من خلاله فرض رأينا على مجريات الأمور.
حتى على المستوى المحلي، أنظر للحلول للأزمات؟ ابحث في الأسباب وتداعيات كل قضية ومخرجاتها ومن يجلس على طاولة النقاش والحوار وستعلم حينئذ إننا مازلنا نسبة وتناسباً في ذيل القائمة في كل شيء. أعني كل شيء حتى طريقة معالجة سوء الفهم ومنهج التعامل في ما بيننا!
سيداتي سادتي... المبدع لا يشترط فيه الحصول على شهادة عليا وإن كنت قد أشرت إلى وجوب توافر شهادة الدكتوراه بالنسبة إلى قطاع الاستشارات... فمن ذهبوا للتدريب من بنغلاديش لم يحصلوا على الشهادة الثانوية، لأن المطلوب جانب المهارة المراد اكتسابها في مهنة معينة.
سيداتي سادتي... هل هناك متسع من الوقت للنهوض من كبوتنا؟
نعم ما زال في الوقت متسع، فالمال موجود والمعرفة متوافرة... فقط نريد من يعرف كيف يقتنص الفرص الاستثمارية ولو على المستوى العربي على الأقل حيث الملاءة المالية والكفاءات «على قفا من يشيل» لكن لا أحد من صناع القرار حاول استقطابها!
إن أردنا أن نتحرر من بيروقراطيتنا? علينا أولاً الاعتراف بالتقصير والبحث عن من يستطيع إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر شراكات (كل واختصاصه) مع توفير طاقم استشاري عالمي لعقد مدته لا تتجاوز سنة نستطيع من خلاله معرفة طريقة العمل والبحث عن المعرفة المفقودة.
وعلى ضوء هذه الشراكة والبعد عن آفة «الأنا» التي تعزز الانفرادية في طريقة التفكير? نستطيع خلق كيان اقتصادي، وهذا الكيان لا بد وأن نوفر له كيانا إعلاميا دوليا (ناطق باللغات الإنكليزية? الفرنسية? الأسبانية? الروسية... إلخ) يدعم تلك الشراكة وفي كل الدول التي تهيمن على الصناعة والقرار السياسي، لأننا إن امتلكنا الإعلام والاقتصاد نستطيع فرض رأينا خصوصاً أن الاقتصاد العالمي يواجه تحولاً كبيراً في قطاعاته... والفرصة ما زالت متاحة.
عرضنا تأثير التحول الفكري البراغماتي في قطاع المنسوجات على سبيل المثال في بنغلاديش، رغم إننا نملك الإمكانيات التي تجعلنا نقطع تلك المسافة في سنوات قليلة: فهل من متعظ؟... الله المستعان.
[email protected]Twitter: @Terki_ALazmi