ما بين عروس الخليج وعروس الجنوب

1 يناير 1970 09:25 ص
من منا لا يعرف من تكون عروس الخليج... إنها الكويت المرابطة على حدود وجع الأشقاء النابضة بالخير والعطاء... عروس هي تزف للخليج العربي كل مساء... أما عروس الجنوب فهي شقرا... تلك القرية اللبنانية على حدود فلسطين المحتلة والتي قدمت ما قدمته من شهداء وعلماء ومدارس ذاع صيتها في كل الأرجاء.

وما بين الكويت وشقرا، علاقة ود عميقة تمتد الى أوائل الستينات أو الخمسينات حين بدأت قوافل المهاجرين نحو الخليج تحط رحالها في الكويت قبلة الشقراويين الأولى، حيث الأمن والأمان وفرص العمل على الرغم من أن الكويت في حينها لم تكن مهيأة لاستقبال هذا الكم من الوافدين ناحية الحر الشديد وعدم توافر أجهزة التكييف في كل البيوت آنذاك... إذ ذهب إلى هناك أول مهاجر، ثم تبعه آخرون، وبعد فترة تحولت الهجرة إلى هجرة عائلية، خصوصا بعد أن تواترت أخبار المغتربين، والثروات التي راحوا يجمعونها هناك، ومعظم الذين هاجروا إلى هناك، اشتغلوا بتجارة الأقمشة والألبسة الجاهزة منهم من وظف أمواله بقطاعات تجارية في بيروت أو البلدة... نتيجة هذه الهجرات، ومنذ الستينات، برز تغيّر على الوضع العمراني للبلدة، وازداد منذ أوائل السبعينات، حيث قام مهاجرون ببناء منازل فخمة (فيلات)، كان لها أثر على المهاجرين الآخرين، الذين فكر معظمهم ببناء منازل مماثلة، لكن ذلك لم يبرز بشكل واسع، إلا بعد تزايد الهجرة نحو الكويت، ونجاح معظم أبناء شقرا هناك، حيث اشتغلوا بالتجارة، وكانوا بالفعل يسيطرون على السوق التجاري هناك.

إن الهجرة الشقراوية إلى الكويت تعتبر من أنجح الهجرات، والدليل على ذلك، ان عدداً من الذين كانوا مهاجرين في أفريقيا وأميركا الجنوبية، عادوا منهما، وتوجهوا إلى الكويت.

ويمكن القول ان أكثر من ثلث أهالي شقرا ودوبيه، أو حتى النصف، موجودون في الكويت.

ولا شك ان الحرب الأهلية اللبنانية، التي اندلعت سنة 1975، ساعدت كثيراً في الهجرة من شقرا كغيرها من البلدات المهاجرة، حيث ان المهاجرين، في ديار الاغتراب، عملوا على سحب أقاربهم وعائلاتهم إلى هناك، وبعد تفاقم الوضع الأمني في المنطقة، والذي أدى في ما بعد إلى الاجتياحات الاسرائيلية المتتالية، ازدادت وتيرة الهجرة نحو الكويت.

يقدّر سكان شقرا ودوبيه، انه كان يوجد من البلدة في الكويت، قبل حرب الخليج أربعة آلاف نسمة.

إن ارتباط المهاجرين الشقراويين في الكويت، وثيق جداً بالبلدة، حيث يزورونها مع عائلاتهم كل صيف، وربما أكثر من مرة خلال العام، وهؤلاء يتركون في محلاتهم عمالاً هنوداً وباكستانيين ومن لبنان.

أما في السنغال وليبيريا وساحل العاج وغينيا وغيرها، فحتى منتصف التسعينات، كان هناك من شقرا ودوبيه أكثر من ألفي نسمة، أوضاع معظمهم جيدة، كان للهجرة الشقراوية آثار إيجابية كبيرة على المجتمع في البلدة، ومستوى المعيشة يدل على نجاح المهاجرين، وكذلك ارتفاع أسعار الأراضي، وبناء القصور الفخمة، بكل ما فيها وحولها، والقيام بمشاريع استثمارية كبيرة جداً في بيروت، وهناك أسماء مهمة على الصعيد العقاري والمقاولات والشركات.

نشير إلى أنه في العامين 1991ـ 1992، كان في شقرا 170 فيلا فخمة، مئة من أصحابها مهاجرون في الكويت.

أثناء الاجتياح الصدامي للكويت عاد معظم الشقراويين اليها حيث إن معظمهم خسر ثروات كبيرة لكن سرعان ما عادوا بعد تحريرها ليقفوا من جديد وبشكل أكثر حماسا وأكثر اندفاعا ففتحوا محالهم التجارية وبعضهم أنشأ مؤسسات وشركات في مجال العقارات لدرجة أصبحت حولي كأنها شقراء فكيفما ذهبت هناك لا تشعر بالغربة فحي شقراء وحديقة شقراء (الشعب) عامرة بأبنا تلك القرية العاشقين للكويت وطنهم الثاني.

ما بين عروس الخليج وعروس الجنوب سنوات لا تختصرها كلمات ومسافات مليئة بالأمل والأمنيات... شقرا الجميلة الرائعة التي لقبت بعروس الجنوب تستحق أن تكون مرآة تعكس بعضا من تألق عروس الخليج الكويت الأم الحاضنة لأبناء شقرا منذ عقود.

* كاتبة لبنانية