الأجوبة المفيدة عن أسئلة العقيدة

1 يناير 1970 05:09 م
زاوية نعرض من خلالها لكل ما يعن لقراء «الراي» الأعزاء من أمور تتعلق بالعقيدة الاسلامية، وتحتاج الى توضيح وبيان، يجيب عنها الأستاذ الدكتور وليد محمد عبدالله العلي، امام وخطيب المسجد الكبير، والعميد المساعد بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة الكويت. وللتواصل أرسلوا بأسئلتكم عبر إيميل الجريدة ([email protected]) أو فاكس رقم: (24815921)

القول على الله بغير علم



إن القول على الله تعالى بغير علم: تقدم بين يدي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، سواء كان ذلك في الفتيا او في القضاء والحكم، لذا فقد جعل الله تعالى القول عليه بغير علم من اعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا من الموبقات، فقال تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون).

فجعل الله سبحانه وتعالى المحرمات: أربع دركات، وبدأ بأدناها وهي الفواحش، ثم ثنى بما هو اشد تحريما منها وهو الاثم والظلم، ثم ثلث بما هو اعظم تحريما منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو اشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم.

وهذا يعم القول عليه سبحانه وتعالى بلا علم في ذاته، واسمائه وصفاته، واقواله وأفعاله، ودينه وشرعه.

فليس في أجناس المحرمات اعظم عند الله تعالى من القول عليه بلا علم، ولا اشد اثما، وهو اصل الشرك والكفر، وعليه اسست البدع والضلالات، فكل بدعة مضلة في الدين: فاساسها القول على الله تعالى بلا علم، لانه يتضمن الكذب على الله تعالى، ونسبته إلى ما لا يليق به، وتغيير دينه وتبديله، ونفي ما اثبته، واثبات ما نفاه، وعداوة من والاه، وموالاة من عاداه، وحب ما أبغضه، وبغض ما احبه، وتحريم ما احله، وتحليل ما حرمه.

وقد قال الله تعالى: (ولا تقولو لما تصف ألسنتكم الكذب، هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون، متاع قليل ولهم عذاب أليم). فتقدم اليهم الفعال لما يريد، بالوعيد الشديد، على الكذب عليه في احكام، وقولهم لما لم يحله هذا حلال ولما لم يحرمه هذا حرام.

قال الربيع بن خثيم رحمه الله تعالى: (ليتق أحدكم ان يقول: احل الله كذا، وحرم كذا، فيقول الله له: كذبت، لم أحل كذا، ولم أحرم كذا).

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ امر اميرا على جيش او سرية: اوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، وكان من جملة ما يوصيه به: قوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا حاصرت أهل حصن فارادوك ان تنزلهم على حكم الله: فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن انزلهم على حكمك، فانك لا تدري اتصيب حكم الله فيهم ام لا؟) رواه مسلم من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.

ومما يدل على خطورة الفتوى بغير علم: ما جاء في حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أفتى بغير علم: كان إثمه على من أفتاه» رواه ابو داود وابن ماجه.

ولو نظرنا في سير سلف الامة الصالحين: لوجدناهم من أورع الناس في الفتيا عن رب العالمين، قال ابن ابي مليكة رحمه الله تعالى: سئل ابو بكر الصديق رضي الله عنه عن آية فقال: (اي ارض تقلني؟ واي سماء تظلني؟ واين اذهب؟ وكيف أصنع؟ اذا انا قلت في كتاب الله برأيي، او بما لا اعلم).

وقال مسروق رحمه الله تعالى: (كتب كاتب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: هذا ما ارى الله امير المؤمنين عمر. فانتهره عمر وقال: لا، بل اكتب، هذا ما رأى عمر، فان كان صوابا: فمن الله، وان كان خطأ: فمن عمر).

وقال مسروق رحمه الله تعالى: (كنا عند عبدالله بن مسعود رضي الله عنه جلوسا وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل فقال: يا ابا عبدالرحمن، ان قاصا عند ابواب كنده يقص، ويزعم: ان آية الدخان تجيء فتأخذ بانفاس الكفار، ويأخذ المؤمنون منه كهيئة الزكام: فقال عبدالله وجلس وهو غضبان: يأيها الناس، اتقوا الله، من علم منكم شيئا، فليقل بما يعلم، ومن لم يعلم: فليقل: الله اعلم، فانه اعلم لا حدكم ان يقول لما لا يعلم: الله اعلم، فان الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) رواه البخاري ومسلم.

وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتى: لمجنون) رواه الدارمي.

وقال ابو حصين الاسدي رحمه الله تعالى: (إن أحدهم ليفتي في المسألة، ولو وردت على عمر: لجمع لها أهل بدر) رواه البيهقي.

فالواجب على من تصدر للفتوى ان يتدثر بآداب الافتاء الشرعية، وأن يتسربل بأخلاق الاجابة المرعية، فمن ذلك:

أن يتحلى بالتمهل، وان يتخلى عن التعجل، كما قال مالك بن أنس رحمه الله تعالى: (العجلة في الفتوى: نوع من الجهل والخرق. التأني من الله، والعجلة من الشيطان) رواه البيهقي.

كما يجب على المفتي ان يعلم ان المستفتين: جعلوه سفيرا بينهم وبين رب العالمين، كما قال ابن المنكدر رحمه الله تعالى: (العالم بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم) رواه البيهقي.

وليحذر المفتي كل الحذر من الحيلة في التخلص من السؤال، والقول بلا علم على الكبير المتعال، كما قال القاضي ابن خلدة رحمه الله تعالى: (يا ربيعة، أراك تفتي الناس، فاذا جاءك الرجل يسألك: فلا يكن همك ان تتخلص مما سألك عنه) رواه البيهقي.

وعلى المفتي قبل ان يفتي في مسألة فتلحقه الملامة، ان يسأل ربه تبارك وتعالى السلامة، فكان سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى لا يكاد يفتي في سؤال، الا تضرع لذي الجلال، وقال: (اللهم سلمني، وسلم مني) رواه البيهقي.

وعلى المفتي ان يعلم ان العلم ابواب، فلا يكن علمه بباب منه فاتحا لباب القول بلا علم على العزيز الوهاب، كما قال سحنون بن سعيد رحمه الله تعالى: (اجسر الناس على الفتيا: اقلهم علما، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم، يظن ان الحق كله فيه) رواه ابن عبدالبر.