أطفال حكموا العالم
المنصور علي بن أيبك... سلطان عشق الحمير والحمام / 30
1 يناير 1970
03:37 م
| القاهرة - من نعمات مجدي |
«هل حكم أطفال أو صغار؟» وهل تقلدوا زمام الأمور ومقاليد الحكم في بلدانهم؟
سؤال قد تكون الاجابة عليه لـ «الوهلة الأولى» لا، أو لا نعرف أو قد لكن من ومتى وأين؟
ونحن نقلب في أوراق قديمة جدا أو قديمة فقط، أو حتى حديثة، كانت المفاجآت تتوالى تباعا حيث اتضح أن الكثير من هؤلاء بالفعل حكموا وصالوا وجالوا وأيضا أخطأوا وارتكبوا مخالفات أثرت على شعوبهم.
ونحن نقلب في أوراق مختلفة أتضح أن كثيرا من المجتمعات «شمالية وجنوبية شرقية وغربية» حكمت من خلال أطفال وفتيان وشبان صغار.
وجدنا هذا في الممالك القديمة «مصر والعراق» ووجدناه في العصر الإسلامي ووجدناه في أوروبا وآسيا وغيرهما.
عثرنا على ما يؤكد أن طفلا في السابعة «حكم» وأن أكبر منه بسنوات قليلة قاد بلده وأن من هم في العشرين «كثر» تقلدوا زمام الأمور.
الأمر مع غرابته لا يخلو حتما من الطرائف والعجائب والمواقف الساخنة والمعارك المشتعلة حتى إن هذه الأمور حفرت في ذاكرة الشعوب أو في مجلدات تراثية.
«الراي» قلبت كثيرا في أوراق تراثية وقديمة ومتوسطة وحديثة واقتربت من حكايات غريبة وعجيبة مع أطفال وصغار وشبان حكموا وفي السطور التالية تفاصيل كثيرة.
وفي نهاية حلقات «أطفال حكموا العالم»... كان خيارنا سلطانا... نسي السلطة وعشق ركوب الحمير واللهو مع الحمام.
المنصور علي ابن أيبك... ثاني سلاطين دولة المماليك البحرية، وتولى الحكم العام 1259م بعد مقتل والده المعز... عزالدين ايبك... وفي هذه الأثناء كانت تمر بالعالم الإسلامي اضطرابات داخلية من الخطر المغولي الذي اقتحم الحدود الشرقية للعالم الإسلامي وتقدم نحو بغداد.
كان «السلطان المنصور» في الخامسة عشرة من عمره وتولى سيف الدين قطز الوصاية على السلطان الصغير، والذي أحدث توليه للحكم اضطرابات كثيرة خصوصاً من قبل بعض المماليك البحرية الذين مكثوا في مصر ولم يهربوا إلى الشام.
وتروي المصادر التاريخية أن سيف الدين قطز... هو الذي تولى رعاية السلطان الصغير منصور علي ابن أيبك... حيث نصب نائبه والوالي على العرش وابن أخته هو السلطان جلال الدين خوارزم شاه الذي تصدى لهجمات المغول وحقق عدة انتصارات عليهم واسترد بعض المدن التي استولوا عليها لكنه لم يجد عونا من الدولة العباسية، فتركته يصارعه دون أن تمد إليه يدا حتى نجحت جحافل المغول سنة «628 هـ - 1231م» في القضاء على دولته التي كانت تقع في إقليم كرمان الحالي في جنوبي إيران ثم لقي حتفه وحيدا شريدا على يد أحد الأكراد.
كان قطز من بين الأطفال الذين حملهم المغول إلى دمشق وباعوهم... إلى تجار الرقيق وأمضى حياته مثل غيره من آلاف المماليك الذين حملت مواهب بعضهم إلى السلطة وتولي السلطة أو قد تقصر مواهبهم فتبلغ بهم إلى أمير خمسة أو تعلو قليلا فيصبح أمير طلبخانة.
مماليك ابن الزعيم
وتقص علينا المصادر التاريخية... أن قطز كان مملوكا في دمشق ضمن مماليك ابن الزعيم ثم انتقل إلى القاهرة وأصبح من جملة مماليك عزالدين أيبك التركماني وترقى عنده حتى صار أكبر مماليكه وأحبهم إليه وأقربهم إلى قلبه.
فبعد نهاية الحكم الأيوبي في مصر اتفقت المماليك على اختيار شجرة الدر «سلطانة للبلاد» في سابقة لم تحدث في التاريخ الإسلامي إلا نادرا غير أن الظروف لم تكن مواتية لاستمرارها في السلطنة على الرغم ما أبدته من مهارة وحزم في إدارة شؤون الدولة، فلم تجد بدا من التنازل عن الحكم للأمير «عزالدين أيبك» أتابك العسكر الذي تزوجته وتلقب باسم الملك المعز.
ولم تسلس القيادة للسلطان الجديد في ظل ازدياد نفوذ زعيمهم «أقطاي» الذي تمادى في استخفافه بالملك المعز، ولا يظهر في مكان إلا وحوله رجاله ومماليكه في أبهة كأنه ملك متوج،
وبالغ في تحقيره للسلطان فلا يسميه إلا «أيبك» وتطلعت نفسه إلى السلطنة، فاستشعر السلطان الخوف على عرشه بعد أن اشتد بغي أقطاي وكثرت مظالمه واستهانته بالرعية، فعزم على التخلص منه وأعد خطة لذلك اشترك في تنفيذها أكبر مماليكه «قطز» فكان ذلك أول ظهور له على صفحات التاريخ ومن تلك اللحظة بدأ يشق طريقه نحو المقدمة.
الصبي... يلهو
هيأت الأقدار الطريق لقطز... لكي يصل إلى الحكم فلم يكد يهنأ الملك المعز بالتخلص من غريمه أيبك ويقبض على بعض المماليك البحرية ويجبر بعضهم على الفرار من مصر، حتى دب صراع بينه وبين زوجته شجرة الدر، انتهى بمقتلهما،
وتولى «نورالدين علي ابن المعز أيبك» السلطنة، لكنه كان صبيا يلهو ولا يصلح لمباشرة الحكم وتحمل المسؤولية. وأصبحت مقاليد البلاد في يد «سيف الدين قطز» الذي بدأ نجمه في الظهور، وقام بنشر الأمن في البلاد والقضاء على المحاولات الفاشلة للأيوبيين لاسترداد مصر من أيدي المماليك فزاد ذلك من قوة إحكامه على البلاد.
ثم جاءت اللحظة الحاسمة ليقوم قطز... بما ادخره له القدر من الشرف العظيم وتخليد اسمه بين كبار القادة والفاتحين، فكانت الأخبار السيئة تتوالى على القاهرة بسقوط بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله وتحرك جحافل المغول نحو الشام التي تساقطت مدنها الكبرى في يد هولاكو،
وكانت هذه الأنباء تزيد القلق في مصر التي كانت تخشى عاقبة مصير الشام، في الوقت الذي كان فيه السلطان منصور يقضي وقته في ركوب الحمير والتنزه في القلعة، ويلعب بالحمام مع الخدم.
وريث العرش
بالرغم من أنه كان صغيرا إلا أنه لم يستغل فرصة أنه وريث العرش وترك الحمل في يد السلطان قطز... حيث أفاق الملك الناصر صاحب حلب ودمشق على الحقيقة المرة وأدرك أهداف المغول، وهو الذي راسلهم ليضع يده في أيديهم ليساعدوه في استرداد مصر، فبعث «ابن العديم» المؤرخ المعروف إلى مصر... ليستنجد بعساكرها فلما قدم إلى القاهرة عقد مجلسا حضره السلطان الصبي وكبار أهل الرأي من الفقهاء والقضاة وفي مقدمهم الشيخ «العز بن عبدالسلام» فسأله الحاضرون من الأمراء عن أخذ الأموال من الناس لإنفاقها على الجنود،
فأجابهم بقوله: «إذا لم يبق شيء في بيت المال، وأنفقتم ما عندكم من الذهب والنفائس، وساويتم العامة في الملابس سوى آلات الحرب، ولم يبق للجندي إلا فرسه التي يركبها، ساغ أخذ شيئاً من أموال الناس في دفع الأعداء واتفق الحاضرون على ضرورة المقاومة والجهاد».
لم يعد أمام قطز... بعد أن ازداد خطر المغول، وأصبحوا على مقربة من مصر سوى خلع السلطان الصبي، فانتهز فرصة خروج الأمراء إلى الصيد في منطقة العباسية بالشرقية «90 كيلو مترا شرق القاهرة» وقبض على الملك المنصور واعتقله بالقلعة هو وأسرته في 24 من ذي القعدة 657 هـ الموافق 12 نوفمبر 1259 وأعلن نفسه سلطانا وبدأ في ترتيب أوضاع السلطنة.
واسترضى كبار الأمراء أنه لن يقدم على خلع السلطان الصبي إلا لقتال المغول، لأن هذا الأمر لا يصلح بغير سلطان قوي ومناهم أن الأمر لهم يختارون من يشاؤون، بعد تحقق النصر على العدو... وبدأ في اختيار أركان دولته وتوطيد دعائم حكمه استعدادا للقاء المغول.
لم يستمر السلطان منصور نورالدين في الحكم... سوى سنتين إلا أنه خلال هذه الفترة لم يتمكن من تعلم فروسية والده فكان لا يهتم سوى بتربية الحمام وصراع الديوك وركوب الحمير داخل قلعة الجبل... ما جعل المماليك البحرية الذين فروا من أيبك إلى سورية - وكان من بينهم الظاهر بيبرس البندقداري وقلاوون الألفي - يرفضون الاعتراف بالسلطان منصور قائلين: «إنه لا يصلح لحكم مصر فكيف يمكن أن نعترف بهذا الطفل الذي ليس لديه أي خبرة عسكرية ولدينا أباطرة في الحكم».
لذلك بعد تولي الأمير سيف الدين قطز السلطة بقليل... جاء رسل المغول يحملون رسائل التهديد والوعيد.
ولم يكن أمام قطز إلا التسليم مثلما فعل غيره من حكام الشام أو النهوض بمسؤوليته التاريخية تجاه هذا الخطر الداهم الذي ألقى الفزع والهلع في القلوب.
فجمع قطز الأمراء وشاورهم في الأمر، فاتفقوا على قتل رسل المغول قطعا... لتردد البعض في الخروج للقتال وإشعارا للعدو بالقوة والتصميم على القتال.
وبعد قتل الرسل بدأ السلطان في تحليف الأمراء الذين اختارهم وأمر أن يخرج الجيش إلى الصالحية ونودي في القاهرة وسائر إقليم مصر بالخروج إلى الجهاد في سبيل الله ونصرة الإسلام.
وفي هذه الأثناء كان الأمير قطز ومعه جيوشه بعد أن هيأها للجهاد، وبذل الأرواح في سبيل نصرة الله، فوصل غزة ثم اتخذ طريق الساحل متجها نحو بحيرة طبرية، والتقى بالمغول وكانوا تحت قيادة كيتوبوقا «كتبغا» في معركة فاصلة في صباح يوم الجمعة الموافقة «25 من رمضان 652 هـ الموافق 3 من سبتمبر 1260» عند عين جالوت من أرض فلسطين بين بيسان ونابلس، وانتصر المسلمون انتصارا هائلا بعد أن تردد النصر بين الفريقين لكن صيحة السلطان التي عمت أرجاء المكان «واإسلاماه» كان لها فعل السحر فثبتت القلوب وصبر الرجال حتى جاء النصر وزهق الباطل.
ندم المنصور
وفي هذه اللحظات ندم السلطان منصور لعدم مشاركته في هذه المعركة وتسيبه وعدم استغلاله الفرصة لتعلم فنون القتال والعسكرية من الأمير سيف الدين قطز حيث أعاد هذا النصر الثقة في نفوس المسلمين بعدما ضاعت تحت سنابك الخيل وظن الناس أن المغول قوم لا يقهرون،
وكان نقطة تحول في الصراع المغولي ـ الإسلامي، فلأول مرة منذ وقت طويل يلقى المغول هزيمة ساحقة أوقفت زحفهم وأنقذت العالم الإسلامي والحضارة الإنسانية من خطر محقق،
وكان من شأن هذا النصر أن فر المغول من دمشق وبقية بلاد الشام إلى ما وراء نهر الفرات ودخل السلطان قطز دمشق في آخر شهر رمضان وأقام بقلعتها، وفي غضون أسابيع قليلة تمكن من السيطرة على سائر بلاد الشام.
وأقيمت له الخطبة في مساجد المدن الكبرى حتى حلب ومدن الفرات في أعالي بلاد الشام، وتمكن من إعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد وبعد أن اطمأن إلى ما فعل قرر العودة إلى مصر في 26 من شوال 658 هـ ـ الموافق 4 من أكتوبر 1260م.
ولما بلغ السلطان قطز بلدة القصير من أرض الشرقية بمصر... بعث بها مع بعض خواصه على حين رحل بقية الجيش إلى الصالحية، وضربت للسلطان خيمته وهناك دبرت مؤامرة لقتله نفذها شركاؤه في النصر.
وكان الأمير بيبرس بدأ يتنكر للسلطان ويضمر له السوء، وأشعل زملاؤه نار الحقد في قلبه، فعزم على قتل السلطان ووجد منهم عونا ومؤازرة، فانتهزوا فرصة تعقب السلطان لأرنب يريد صيده، فابتعد عن حرسه ورجاله، فتعقبه المتآمرون حتى لم يبق معه غيرهم.
وعندئذ تقدم بيبرس ليقبل يد السلطان شاكرا، وكان ذلك إشارة بينه وبين الأمراء، ولم يكد قطز يمد يده حتى قبض عليها بيبرس بشدة ليحول بينه وبين الحركة، في حين هوى عليه بقية الأمراء بسيوفهم حتى أجهزوا عليه وانتهت بذلك حياة بطل عين جالوت.
وذكر المؤرخون أن هناك أسبابا متعددة لإقدام الأمير بيبرس وزملائه على هذه الفعلة فيقولون إن بيبرس طلب من السلطان قطز أن يوليه نيابة حلب فلم يوافق، فأضمر ذلك في نفسه، ويذهب بعضهم إلى أن وعيد السلطان لهم وتهديدهم بعد أن حقق النصر وثبت أقدامه في السلطة بعد أن تخلص من السلطان منصور الدين كان سببا في إضمارهم السوء له وعزمهم على التخلص منه قبل أن يتخلص هو منهم.
وأيا ما كانت الأسباب فإن السلطان لقي حتفه بيد الغدر والاغتيال وقتل وهو يحمل فوق رأسه أكاليل النصر.
أوقات عصيبة
لم تتعرض دولة الاسلام لأوقات عصيبة وعواصف منذرة ورياح مرعبة... مثلما تعرضت في القرن السابع الهجري... حيث دمرت جيوش المغول بقيادة جنكيز خان حواضر الإسلام الكبرى في المشرق الإسلامي وسفكت دماء المسلمين.
الفتى المدلل
ولقد زاد الهجوم على مصر أيام حكم الملك منصور نورالدين علي ابن المعز أيبك الذي كان غير جدير بتحمل مسؤولية البلاد في مواجهة خطر المغول،
وقد يكون بسبب صغر سنه... ولكن شعر أنصاره أنه كان مدللا لدرجة أنه كان ساخطا على الحكم ولديه شعور باللامبالاة حتى ان أمه طوال فترة حكمه التي لم تستمر سوى سنتين ظلت تدفعه وتشجعه على أن يستكمل مسيرة والده عزالدين أيبك الذي انفرد بعرش البلاد بعد أن تركته له زوجته شجرة الدر ولقب بـ «الملك المعز» ولكن لم تهدأ أصوات المعارضين لانفراد المماليك بالحكم آنذاك بل زادت حدته، وكان على السلطان الجديد للدولة الوليدة أن يواجه بحزم خطر الأيوبيين في الشام وتهديداتهم، وكان قد اجتمعوا تحت زعامة «الناصر يوسف» صاحب حلب ودمشق لاسترداد مصر من المماليك باعتبارهم مغتصبين حق الأيوبيين في حكم مصر وزحفوا على مصر.
فالتقى معهم أيبك بقواته في معركة بالقرب من الصالحية في «15 من ذي القعدة سنة 648 هـ ـ المرافق 2 من فبراير 1251م» وانتهت بانتصاره وفر الناصر يوسف ورجاله إلى الشام وقد دفع هذا النصر الملك المعز إلى الزحف إلى الشام للقضاء على المعارضة الأيوبية غير أن تدخل الخليفة المعتصم العباسي وضع حدا للنزاع بين الطرفين فتم الصلح بينهما «سنة 651 هـ ـ الموافق 1253م» على أن تكون مصر والجزء الجنوبي من فلسطين بما في ذلك غزة وبيت المقدس وبلاد الساحل للمعز أيبك على حين تظل البلاد الشامية في أيدي الأيوبيين. وهكذا انتهت العقبة الأولى في تأسيس الدولة المملوكة الناشئة بإيقاف الصراع مع ملوك البيت الأيوبي.
ولم يكد السلطان أيبك يتخلص من هذه العقبة حتى واجهته عدة مشكلات داخلية بدأت بقيام الأعراب بثورة شعبية في الصعيد والشرقية تحت زعامة «حصن الدين ثعلب» هددت البلاد فاضطر السلطان إلى أن يرسل حملة عسكرية بقيادة فارس الدين أقطاي لقمع هذه الثورة في مهدها فنجح في القضاء عليها قبل أن يستفحل خطرها.
أما العقبة الثانية التي واجهت أيبك في الداخل... هي ازدياد نفوذ المماليك البحرية بزعامة «فارس الدين أقطاي» خصوصاً بعد نجاحهم في تحقيق انتصارات داخلية وخارجية فهدد نفوذهم مكانة السلطان واشتد خطرهم حتى أصبح يهدد أمن الناس وسلامتهم.
وعجز السلطان عن مواجهتهم والتصدي لاستخفافهم به... فكان أقطاي لا يظهر في مكان إلا وحوله رجاله ومماليكه في أبهة عظيمة كأنه ملك متوج وبالغ في تحقيره للسلطان في مجلسه فلا يسميه إلا «أيبك» وتطلعت نفسه نحو السلطنة ولقبه زملاؤه بالملك الجواد.
استشعر السلطان الخطر وأحس بالخوف من ازدياد نفوذ «أقطاي» فعزم على التخلص منه فاستدعاه إلى القلعة بحجة استشارته في أمر من أمور الدولة وهناك تخلص منه بالقتل في «3 من شعبان 652 هـ ـ الموافق 18 من سبتمبر 1254م» وألقى هذا الحادث الرعب في قلوب كبار المماليك البحرية فسارعوا بالهرب إلى خارج البلاد والتجأ بعضهم إلى ملوك البيت الأيوبي في الشام، ولجأ بعضهم الآخر إلى دولة سلاجقة الروم وتعقب أيبك من بقي منهم في مصر فقبض عليهم وكتب إلى الملوك الذين لجأ إليهم المماليك يحذرهم منهم ومن غدرهم.
نهاية أيبك
أسلمت البلاد قيادتها للمعز وتخلص من القوى المناوئة له، وكان من المنتظر أن تنعم البلاد بالهدوء بعد الفوضى والقتال... وينعم هو بزعامة بلد له شأنه ولكن ذلك لم يدم، ودخل في صراع مع زوجته شجرة الدر زاد من ضراوة عزمه على الزواج من إحدى بنات البيت الأيوبي وبدأ يفكر في الخلاص منها،
غير أنها كانت أسبق منه، فدبرت مؤامرة لقتله في «أبريل 1257 م»، ثم لم تلبث هي الأخرى أن قتلت بعده بأيام قليلة وبعد مقتله سلمت المماليك الحكم لابن سيدهم «المدعو نورالدين علي ابن أيبك» وكان في الخامسة عشرة من عمره فأقاموه سلطانا على البلاد ولما تعرض الشرق الاسلامي للخطر المغولي الذي اجتاح الشام وأصبحت مصر على مقربة من هذا الخطر، قام قطز نائب السلطنة بعزله لعدم قدرته على مواجهة الخطر المغولي وقام باعتقاله هو وأخوه قاقان وأمهما... داخل برج بالقلعة وبذلك تم خلع المنصور بعد أن حكم لمدة سنتين ونصف السنة تقريبا... ونصب قطز سلطانا بعد أن وعد الأمراء بالاستقالة بعد النصر على المغول، وبعد أن اعتقلهم الأمير قطز أرسل المنصور علي وأخيه وأمه إلى دمياط ثم أبعدوا إلى الأراضي البيزنطية. وبذلك انتهت قصة السلطان منصور الذي حكم العالم الإسلامي وهو طفل لم يتجاوز عمره 15 عاما ولكن بسبب سوء خبرته وحنكته العسكرية أقيل من ملكه بعد عامين ونصف العام فقط.