الأذكياء المتميزون... محبطون!

1 يناير 1970 06:56 ص
الذكاء صفة غير مرئية، وتعريفه من الناحية العلمية محل نقاش وتصادم منذ القدم ولم يتم الاتفاق على أي من هذا التعريف بشكل متكامل ولا محدد، كما أن تفسير النظريات حول الذكاء جاء مختلفا بحسب المدارس والحضارات عن أصله البشري، والأبحاث ما زالت جارية إلى اليوم لمعرفة أسراره والعناصر المخفية حوله.

إن البحوث العلمية في هذا المجال لم تعرف إلا في القرن التاسع عشر مع بداية الثورة العلمية وظهور الدراسات والأبحاث التي أجريت في مجال الوراثة ومحاولات تحسين الجنس البشري، قبل أن تبزغ الدراسات العصرية في مجال علم النفس باعتباره عاملا يحدد شخصية الفرد. ومنذ ذلك الوقت بدأت في الانتشار نظرية أن الذكاء وراثي من خلال تلك الأبحاث.

تسهم الجينات الوراثية إسهاماً كبيراً في تشكيل الشخصية، حيث إن الشخص عبارة عن خلاصة جينات والديه، وفي دراسة علمية نشرت مؤخراً، أكد باحثون مختصون أن جين الأم للذكاء هو المؤثر في ذكاء الطفل، وقال الباحثون إن الوراثة تحدد نصف درجة الذكاء العام، وتلعب البيئة والتربية ونوع التعليم الدور الثاني في تحديد النصف الآخر.

إن كلاً من الوراثة والبيئة من فروق اجتماعية واقتصادية وتعليمية وتربوية تتبادلان التأثير فيما بينهما في الذكاء وتعملان بصورة متآزرة متكاتفة، فالذكاء نتاج تفاعل بين القدرات البيولوجية وبين الفرص البيئية المتاحة ومن المستحيل فصل تأثيرهما تماماً إلا على سبيل الدراسة والبحث، فالوراثة تصنع الحدود والإمكانات التي تتيح للعوامل بالتأثير حيث ان الإستعدادات الموروثة لا تظهر ويتضح أثرها من دون آثار البيئة.

الذكاء موهبة ومِنحة إلهية لا يملكها جميع البشر، ولكنه لا يُعتبر نعمة في جميع الأوقات، فبحكم الذكاء يكون المتميزون مختلفين عن الآخرين ما يعطيهم الأفضلية والاستثنائية، ويجعلهم في مشاكل دائمة مع ما يسمى بالخط العام، وبالأخص إذا اقترن هذا الذكاء بالطيبة، فإنه سيواجه مشكلات فهو يرى العالم من منظور يختلف تمامًا عن الآخرين، ويركّز في تفاصيل ربما يغفلها الكثيرون عنها.

وأكدت بعض الدراسات ان الأذكياء دائمو الشعور بالوحدة لعدم قدرتهم على مواجهة من يُسيء في حقّهم أو الانتقام منهم، فالشخص الذكي يميل للتصرّف برُشد وعقلانيّة في معظم الأوقات، باعتبار أن التفكير المنطقي يُعد الخيار الأنسب، وذلك يجعله أكثر عُرضة للشعور بالحزن والاكتئاب.

إن الذكاء كالنبتة يتأثر بالعوامل المحيطة بالإضافة إلى الصفات الوراثية، فقد يرث الشخص جينات ذكاء عالية لكن البيئة التي يعيش فيها لا تنمي أو تحفز مستوى الذكاء لديه، ومن ثم لا تنفعه جيناته لأنه لم ينمِ هذا الذكاء منذ صغره، وبالعكس قد يرث الشخص جينات ذكاء منخفضة لكن البيئة التي يعيش فيها تحفز وتنمي الذكاء ويصبح من الأذكياء.

انتقد الأطباء النفسانيون ومستشارو تطوير الذات المجتمع لأنه يركز على الذكاء المنطقي أو الرقمي الحسابي، ويعتبر أن من يتفوق دراسياً هو الأذكى، ومن تكرر فشله دراسياً اعتبر أنه غبي وهكذا. وتحدثوا عن الذكاء وأنواعه في برامج تلفزيونيه منوعة وقالوا ان لكل فرد ذكاء يتميز به عن غيره وجمعوا ما يقارب ثمانية أنواع من الذكاء.

إذن من الضرورة الاهتمام بكل أنواع الذكاء ولابد من التركيز على دور المدرسة في تنميته وذلك من خلال كشف الفروق الفردية بين الطلبة ومن ثم توجيههم للوصول بهم إلى الإنتاجية القصوى إضافة إلى تطوير المهارات التي يحتاجونها للتفاعل المثمر مع بيئتهم ولا بد للمربين والمعلمين أن يعلموا أن كل الطلبة لديهم امكانات وأنهم أذكياء ولكن بطرق مختلفة.‏

* كاتبة كويتية

[email protected]

انستغرام suhaila.g.h