إغراق الطاولة في يومها الثاني ببنود إصلاحية في «الطائف»

حوار الأيام الثلاثة في لبنان ينتهي اليوم بـ... «طبخة بحص»

1 يناير 1970 07:16 م
لم تنتظر الأوساط السياسية في بيروت انتهاء «ثلاثية الحوار» التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري بدءاً من أول من أمس وتستمر حتى اليوم، لاستخلاص أن «ما كُتب قد كُتب» لجهة استحالة تحقيق أي اختراق في الأزمة التي يعيشها لبنان باعتبار أن كل طرق الحلول ما زالت تفضي إلى حائط مسدود لن يكون ممكناً إحداث كوة فيه بمعزل عن قوة دفْع إقليمية غير متوافرة حالياً.

ورغم محاولة بري في الجولة الثانية من الحوار الوطني امس، استكشاف أفق «الطريق المختصرة» التي سعى من خلالها الى تفكيك «لغم» من أمام الأزمة الرئاسية عبر محاولة ايجاد ارضية مشتركة للتفاهم على قانون الانتخاب، الا ان «عرّاب» الحوار نفسه كان يدرك سلفاً ان هذه «الخرطوشة» فارغة لاعتباريْن: الاول ان التباعد الكبير بين أطراف الصراع اللبنانيين لا يسمح بأي تفاهمٍ على صيغة للقانون الذي سيحكم انتخابات 2017 النيابية بدليل «مناقشات برج بابل» التي تدور منذ اسابيع في اللجان النيابية المشتركة. والثاني ان قانون الانتخاب يشكّل عملياً الركن الأساسي في «السلّة المتكاملة» للحلّ التي ترفض قوى «14 آذار» مبدأها لأنها تشكل «طعناً» لاتفاق الطائف والتي يصرّ عليها فريق «8 آذار» الذي يتقدّمه «حزب الله» باعتبار ان هذا القانون سيحدّد مراكز النفوذ في العهد الجديد ومَن يتحكّم بمفاتيح اللعبة سياسياً ومؤسساتياً انطلاقاً من نتائج الانتخابات التي سترسم أحجام الكتل وتالياً أدوارها وقدرتها على التأثير سياسياً.

وفيما ناقش المتحاورون امس، في غياب النائب وليد جنبلاط (حضر ممثله الوزير السابق غازي العريضي)، هذا القانون الى جانب ملف إنشاء مجلس الشيوخ واللامركزية الإدارية وذلك كـ «بدَل عن ضائع» اسمه الانتخابات الرئاسية العالقة عند عدم القدرة على التفاهم على مرشح توافقي ورفض «حزب الله» والمرشح العماد ميشال عون التسليم باللعبة الدستورية لجهة تأمين نصاب جلسات الانتخاب، فإن الأنظار شخصت على «الإخراج» الذي سيتمّ اعتماده لتفادي نعي الحوار وإعلان فشله، وسط تقارير اشارت الى انه سيصار الى تشكيل لجنة مصغّرة تمثل جميع أطراف الحوار تكون مهمتها جمْع كل محاضر الحوار و«غرْبلة» القواسم المشتركة من العناوين المطروحة ولاسيما اتفاق الطائف، قانون الانتخاب، رئاسة الجمهورية، اللامركزية الإدارية، تفعيل المؤسسات الدستورية، مجلس الشيوخ وسائر الملفات التي شكّلت مدار بحث.

ومن شأن مثل هذه اللجنة ان تشتري المزيد من الوقت للمتحاورين، وسط ملاحظة اوساط سياسية مطلعة ان إغراق النقاشات ببنود إصلاحية في اتفاق الطائف مثل مجلس الشيوخ (سيغيّر قيامه مقاربة قانون الانتخاب لمجلس نيابي خارج القيد الطائفي) واللامركزية الادارية ما هو الا «طبخة بحص» ومحاولة لرفع فريق «8 آذار» خصوصاً سقف التفاوض الرامي في شكل أساسي الى السلة المتكاملة التي تشتمل على الرئاسة الأولى والحكومة الجديدة رئيساً وتوازنات وبياناً وزارياً وبعض التعيينات الحساسة وضوابط لإدارة السلطة «وإلا فلا رئاسة» كما أبلغ «حزب الله» بوضوح المتحاورين.

واستوقف هذه الاوساط رفع بري المتمسك بقوة بـ «الدوحة - اللبنانية» اي تكرار تجربة «سلة الحل» كما تم التوصل اليها في العاصمة القطرية العام 2008، منسوب الضغط على قوى «14 آذار» مكرراً رسم «خط أحمر» زمني هو شهران او 3 اشهر «وبعدها لا يعود من حاجة للحوار، لأننا سنقترب من الانتخابات النيابية وإذا لم نتفق فسنذهب إلى الانتخابات على أساس قانون الدوحة ولا مجال للتمديد، وأي اتفاق يجب ان يبدأ بانتخاب رئيس، وإذا لم نتفق فلنذهب إلى الانتخابات النيابية الآن ويلتزم كل الأفرقاء بالنزول إلى انتخاب رئيس في البرلمان».

وفيما حرّك «العدّ العكسي» الذي حدّده بري المخاوف من ان «8 آذار» تريد حلاً وفق شروطها على «البارد» او اذا اقتضى الأمر «على الحامي» وفي التوقيت الذي يلائمها، بدا واضحاً ان «حوار الطرشان» داخلياً يتكئ على الاحتدام الاقليمي ولاسيما بين ايران والمملكة العربية السعودية والذي عبّرت عنه بوضوح زيارة رئيس لجنة الأمن القومي والشؤون الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي لبيروت حيث وجّه سلسلة رسائل للرياض سواء عبر الكلام عن موقع لبنان «قلعة الممانعة» او الهجوم الذي شنّه على المملكة من على منبر رئاسة الحكومة اللبنانية والذي تردّد انه ترك صدى غير ايجابي لدى السفارة السعودية في بيروت، قبل ان يعلن ان ايران «جاهزة للاستماع إلى المبادرات وليس الى تقديمها» معتبراً أن القضية الرئاسية في لبنان «استحقاق داخلي يُحلّ من خلال توافق اللبنانيين».

وفيما تشي كل هذه المؤشرات الى ان جلسة انتخاب الرئيس في 8 الجاري والتي تحمل الرقم 43 لن تحمل اي انفراج دأب على الترويج له العماد ميشال عون، فان مجلس المطارنة الموارنة اعتبر بعد اجتماعه الشهري امس، برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي «أنّ المخرج الحقيقي من الأزمة يبدأ بالالتزام بالدستور والإقدام على انتخاب رئيس للجمهورية قادر على إعادة تكوين السلطة على أسس دستورية وميثاقية بدءاً بإقرار قانون جديد للانتخاب يؤمّن تمثيلاً عادلاً لكلّ الأطياف اللبنانية».

وجاء موقف المطارنة الموارنة متزامناً مع الذكرى 15 لمصالحة الجبل المسيحية - الدرزية التي تُوجت بزيارة البطريرك السابق مار نصر الله بطرس صفير للمختارة (حيث معقل الزعامة الجنبلاطية)، وهي المناسبة التي برز إحياؤها امس، في مقر حزب «القوات اللبنانية» التي زارها وفد طالبي من «الحزب التقدمي الاشتراكي» (يقوده جنبلاط) ألقى أمامه رئيس «القوات» سمير جعجع كلمة بارزة أكد فيها على أهمية مصالحة الجبل والصداقة مع النائب وليد جنبلاط.