تشكيل / عاد إلى بيروت بعد طول غياب
محمد الرواس يحتفي بالمرأة في لوحات «الكائن البصري»
| بيروت - من آمنة منصور |
1 يناير 1970
07:13 م
شكّل المعرض الفردي الذي أقامه الفنان التشكيلي محمد الرواس في غاليري «أجيال» في بيروت حدثاً جاء بحجم العودة الموعودة لهذا المبدع الى العاصمة اللبنانية بعد غياب طويل (ركّز معارضه في دبي).
من عنوان المعرض «تمجيد المرأة» استقطب الفنان اللبناني الأضواء على قاعدة «المرسوم يُقرأ من عنوانه»، لكنّ الرواس ورغم وضوح الـ «ثيمة» لم «يقتل» عنصر المفاجأة الذي تجلّى في جانبٍ منه بابتعاد «شاعر اللوحة» عن تقنية الـ «mix media» والتجميع التي كان اتبعها منذ العام 1987 حتى العام 2012، ليمارس الرسم على المسطح الأملس الخالي من الخشب والمعدن والقصاصات الملصقة... تاركاً للمجسمات الثلاثية الأبعاد حيزاً خاصة لأداء دورها الفني التكاملي مع اللوحات.
المرأة التي شكلت في الأعمال الموزّعة في أرجاء المعرض العنصر الرئيسي، جاء حضورها في سياق أعمال الرواس المأهولة دائماً بالبشر، غير أنه منحها في أعمال هذا المعرض - المباعة أصلاً والتي أعاد تجميعها من مقتنيها تحت هذا العنوان - قوةً ظاهرة هنا وهناك، إن لم تكن ببنيتها الجسدية فبأدوارها.
ويقول الرواس لـ «الراي» عن الفكرة من المعرض والغاية منه: «نحن في مرحلة نشهد فيها احتقاراً واستغلالاً للأنثى، لاسيما مع ما نراه من حركات غوغائية يشهدها العالم العربي. حتى ان الدول العربية عندما تدّعي أن فيها ديموقراطية ومساواة بين المرأة والرجل، يظهر عند أول استحقاق أن القوانين السائدة هي قوانين المجتمع الذكوري. ومن هنا، أنا مجرّد صوت يقول إنني أريد وضْع المرأة كعنصر أساسي في هذه الأعمال، فإذا كان العمل الفني يكرّم فإن هذا المعرض هو تكريم».
لا يعني ما تَقدّم أن للمعرض قضايا ما يعمل لمناصرتها في إطار حقوق المرأة، فالرواس لا يعتبر عمله توجيهياً أو تلقينياً كي يناصر قضايا دون أخرى، ولذا فهو لا يدخل في «التفاصيل الجزئية» بل يرى أن مجرد الإشارة إلى المرأة واتخاذها عنصراً أساسياً في العمل الفني كافٍ ليكون نوعاً من التكريم.
ومن هنا لا يريد الرواس الدخول في تفاصيل إجتماعية وسياسية لوضع المرأة والمواضيع التي تهمّها «فالدفاع عن حقوقها(مش شغلتي)». ويتدارك:«التفصيل الوحيد الذي تظهره بعض الأعمال هو كون المرأة قوية وقادرة على الدفاع عن نفسها، وإنقاذ المظلوم من دون الحاجة للرجل كمدافع أو مخلص أو منقذ».
لعلّ ما تعكسه أعمال الرواس من أدوار تشغلها المرأة وتظهر من خلال الرسم الواقعي المعتمد، يجعل من هذا التكريم أوضح للعيان وسهل التقبل وقادراً على الوصول بالفكرة إلى ذائقة وأذهان الجمهور، فلو اتبع بحسب ما يقول أسلوباً محضا تجريدياً فستكون قراءة الأعمال من المُشاهد أقلّ مباشرة.
وعلى صعيد المعادلات التشكيلية الموجودة في عمله، يؤكد الرواس أن لا علاقة مباشرة لها بالموضوع بل بكيفية تطور أعماله الفنية منذ معرضه الأول في العام 1979 وحتى الآن.
وللمُشاهد تظهر أعمال الفنان اللبناني مدروسة لجهة تضافر كل من اختيار اللون وتوزيع العناصر في أرجاء اللوحة لتظهير موضوعها. وفي هذا الإطار نسأله ألا يتطلب الفن بعض العبثية؟ فيجيب:«تخطيط التأليف الفني يتطلب مسؤولية متناهية من الفنان لجهة أن يبني في عمله تركيباً بصرياً قوياً. فلا مزاح ولا لعب ولا سهولة ولا طرق مختصرة يتبعها الفنان ليقول إنّ ما قدّمه عملاً فنياً قوياً. كل لون معتمَد لا يعني أنه الأفضل إنما لا بد أن يكون موجوداً، فاللوحة كائن بصري تُوظَّف العين لقراءته، لا فناً تصورياً كي تتم قراءته بالفكر، ولذا عند قراءته لا بد من التوقف عند التأليف المتين الذي يُعتبر ضرورة».
من هنا فإن الرواس حريص على بناء التأليف البصري للعمل بشكل متماسك ومترابط لا مكان فيه للمصادفة. وتبقى العفوية والارتجال في رأيه احتمالات لصناعة العمل الفني كلعبة «طاولة الزهر» قد تصيب مرة وتخيب مرّات. بمعنى آخر ان«حظوظ الاتكال على الصدفة لتثمر عملاً مبنياً على العفوية والانفعال المباشر هي واحد على مئة، وحينها يكون العمل ممتازاً. غير أنه ليس كل ضربة فرشاة ناجحة ولا يشفع لها أن تكون عفوية».
اللافت في الأعمال التي عرضها أيضاً تلك المجسمات، التي تتطابق في شكلها مع ما كان قد رسمه الرواس في اللوحات نفسها، وكأنها انسلخت عن اللوحة وانفصلت عنها لتكتسب أبعاداً ثلاثية في الفضاء. وعرض الرواس من هذه التقنية التي اتبعها بدءاً من العام 2013 أربعة مجسمات موزعة بين اللوحات في الغاليري.
عن انقطاعه عن إقامة معارض لأعماله في بيروت منذ العام 2007، يشير الرواس إلى أنه أقام في تلك الفترة معرضين في غاليري«آرت سوا»في دبي وأنه تواجد في الإمارات خلال المعرضين اللذين أقامهما في العام 2010 و2012، موضحاً أنه كان سعيداً بلقاء الجمهور في الإمارات فهو«يملك الثقافة الكافية لقراءة العمل الفني وتَذوُّقه، إذ يبدو أن مَن زاروا معرضي هم من النخبة التي تميل إلى هذا النوع من العمل الذي لا يُعدّ مجرد متعة بصرية، بل فيه مضامين وأحاسيس وأفكار مضمرة ومشار إليها في اللوحة».