عندما يدق «الحب» .... قلوب الكبار!

غرام العندليب ... حليم وسعاد حسني وفاطيما وريري / 28

1 يناير 1970 10:13 ص
| القاهرة- من محمود متولي |
الحب فوق القمة... مثل الحب تحت السفح... لا يتغير... ولا يتبدل ولا يتلون... هو لمسة من السحر تمس القلوب فتطهرها... وومضة من الأمل تضيئها... وتغفل بها عن خطايا وذنوب الدنيا فلا يرى العشاق سواء كانوا فوق القمة أو أسفل السطح... سوى الحب والحبيب.
لكن يبقى غرام المشاهير، ونزواتهم أيضا كأنه سر من أسرار الدولة العليا... يغلفه المشاهير بالكتمان... سواء كانوا نجوم سياسة أو مال أو رياضة أو أدب أو فن... وأحياناً ينفضونه كأنه رجس من أعمال الشيطان، لا يهمهم غير أن تظل الستائر الكثيفة تخفيه وتخبئه عن عيون الفضوليين، لكن بعضهم يخرج أحيانا عن صمته... ويستدعي المأذون... ويسمح للصحف بنشر الخبر وللصور.
وأعظم ما في غرام المشاهير أن تخرج لتلامس شغف عيون الناس... أنه يسترد لهم إنسانيتهم... وضعفهم... ويجعل من الملوك رعايا، ومن الرعايا ملوكا!، وأحيانا لا يهدد العرش والصولجان... غير دقة قلب ينبض بها قلب «الرجل الأول» في الدولة... أو المملكة.
«الراي»... سبحت في دهاليز وكواليس غراميات ونزوات المشاهير، ورصدت آهات وعذابات وآلام ودقات قلوب كبار نجوم القمة والمشاهير... سواء كانوا من الرؤساء أو الملوك أو الشعراء أو الفنانين أو المفكرين... لكشف أدق أسرار الحياة الخاصة بهم من خلال هذه الحلقات... في السطور التالية.

عاش العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ... فنانا وموهبة تردد الملايين أغانيه وتختال العذاري طربا ونشوة لأدائه... بل كانت اعينهن تسيل منها الدموع عند سماع أغنية حب من أغانيه الرائعة ...كانت أغاني العندليب الأسمر هي النهر الذي تسبح فيه العذارى حالمات وراء طيف فتى الأحلام حتى أطلقن عليه جسر التنهدات...لكن لايزال السؤال الحائر الذي لايزال يبحث عن إجابة حتى الآن بعد مرور أكثر من «30» عاما على رحيله: هل كان حليم «دون جوان» عصره وزمانه؟ وهل عاش حياته بالطول والعرض كما يصوره البعض بحواديت ألف ليلة وليلة؟ وماذا عن غرامياته مع المرأة؟
كانت علاقة عبد الحليم حافظ وسعاد حسني أثير حولها جدل واسع في الوسط الفني والصحافي... واعتبر البعض السندريلا الحب الوحيد والحقيقي في حياة العندليب...بدأت علاقة حليم بسعاد حسني في فيلم «البنات والصيف»... فقد كان مؤمنا بموهبتها... لذلك عمل على رعايتها وتشجيعها واستمرت هذه العلاقة سنوات بدأت بالزماله والإعجاب وانتهت بالحب.
حليم والسندريللا
وكما يؤكد كاتم أسرار عبدالحليم وصديق عمره مجدي العمروسي... أن حليم ساعد سعاد حسني كثيرا في خطواتها الأولى، وكان قد تعرف عليها في بيت شقيقتها نجاة الصغيرة وأعجب بخفة ظلها وشقاوتها وتسببت العلاقة الحميمية التي نشأت بينهما ووجوده معها في بيتها في كثير من الأوقات في اقاويل وهمسات كثيرة عن الزواج.
بل إن حليم اصطحب معه سعاد في إحدى رحلاته الفنية إلى المغرب وشمال أفريقيا واشترى لها ملابس وهدايا قيمة ما أثار الأقاويل بين الموسيقيين والمرافقين إلى حد أنهم قالوا إنه يشتري لسعاد لوازم الفرح... عادت سعاد إلى القاهرة وانتظر الجميع إعلان الزواج وتحديد موعد الزفاف، ولكن لم يحدث شيء.
وفي مذكراته ينفي العمروسي أن يكون عبدالحليم ارتبط بعقد زواج عرفي مع السندريللا وربما كان سبب الشائعة أنه كان يقضي معها أوقاتا في شقتها في الزمالك والقريبة من شقته المواجهة لحديقة الأسماك.
ويرى العمروسي أن حليم كان يشعر بالونس والبهجة معها وينسى مرضه ومتاعبه.
لكن إحسان عبدالقدوس يؤكد أن حب عبدالحليم الوحيد والحقيقي طوال عمره لم يكن إلا لسعاد حسني.
ومفيد فوزي يؤكد هو الآخر... أن سعاد حسني كانت حبه الحقيقي... وغرامهما لم يجلب لكليهما سوى الشقاء ... يقول: «كان يغار على سعاد حسني بجنون... وكان يريد أن يعيد ترتيب حياتها ... كان يقول لي ... «مش عاجبني طريقة عيشتها ... ومش عاجباني الطريقة اللي بتشتغل بيها ... فلوسها بتتصرف بطريقة غريبة ... وبيتها مش بيت فنانة لها اسم ... ده يمكن بيت كومبارس أفضل من بيتها».
كان عبدالحليم مهموما بمشاكل حياة سعاد حسني ... وكان يعبر لي عن هذا الاهتمام.
وكان عندما يأتي من رحلة سفر يطلبها تليفونيا ويقول لها:
«عندك شاي نضيف يا بنتي ولّا أجيب معايا ؟ عندك فناجين والا انكسرت كلها؟ عندك سكر قوالب ولّا قزقزتيه؟!
وهج الحب
وكانت سعاد حسني تحب عبدالحليم حافظ ... وفي لحظات كان الحب يتوهج في عينيها وتشتاق له ... لكن الشيء الوحيد الذي قتل العلاقة هو حرص عبد الحليم على سريتها ... وكانت سعاد حسني تتمنى أن يعلن عبدالحليم لكل الناس علاقتهما ... وكان ينفي إذا سأله الصحافيون ...ويقول (... إحنا زملاء ... هو كل زمالة حب؟!».
وكنت أحتار ... لأن تصرفاته مع سعاد عكس كل ما يعلنه ... كيف ذلك ؟ ... لا أدري ... ومات ولم تعرف سعاد سر تضارب أقواله مع أفعاله، ولاأزال أقول إن عبد الحليم لم يحب في حياته حبا صادقا سوى سعاد حسني ... وفي أزماته الصحية الشديدة لم يكن أحد إلى جواره سوى سعاد حسني ... وفي أزماته النفسية الحادة لم يكن يطلب مخلوقا في الوجود سوى سعاد حسني، ورغم ذلك لم يتزوج عبدالحليم من سعاد حسني.
قصص غرامية
ومن أغرب القصص الغرامية في حياة العندليب كانت في المغرب، وظلت لغزا غامضا في حياته القصيرة... فقد وقع في غرام فتاة تدعى «فاطيما» وفي سنواته الأخيرة كان يسافر إلى المغرب كلما شعر بالضيق والوحدة... وتعود أن يغني في عيد ميلاد عاهل المغرب الراحل الملك الحسن... ولم يكن يدري مايخبئه له القدر مع فاطيما الساحرة التي تشبه دليلة... وتعّرف بها في البلاط الملكي... واستطاع بجاذبيته الخاصة تكوين صداقات مع عائلات مغربية كبيرة وكان من عاداته أن يحمل معه هدايا قيمة لسيداتها ردا على الحفاوة التي كان يلقاها منهن أثناء زيارته للمغرب... وكانت فاطيما بالذات تجذب اهتمامه ومشاعره بأنوثتها الطاغية وجمالها الساحر .
وفي أول لقاء بينهما شعر حليم أن فاطيما تتعمد إثارته كلما رقصت على غنائه في الحفلات الخاصة التي تقيمها له في قصرها، ولاحظ أيضا أنها تطارده وتغار عليه من أي امرأة... ووقع في غرامها، ولكنه كان يخشى من زوجها الجنرال «أو فقير» المرعب الذي قاد انقلابا فيما بعد ضد الملك الحسن وتم إعدامه بعد فشل الانقلاب وأراد الهروب من الساحرة المغربية وركب الطائرة عائدا إلى القاهرة، وكان وقتها مشغولا بالتحضير لأغنية «رسالة من تحت الماء».
شقراء ميامي
كانت المرة الأولى التي يذهب فيها عبدالحليم إلى شقته الجديدة في العمارة الضخمة المطلة على شاطئ ميامي بالإسكندرية ... وقف في مدخل العمارة ينتظر المصعد... لحظات خاطفة مضت ليجد عندليب مصر وأشهر مطربيها أنه وجها لوجه أمام أجمل امرأة وقعت عيناه عليها في حياته... كانت قد وصلت لتوها إلى مدخل العمارة ... وتنتظر مثله المصعد.
سألها دون تردد: إنت كنت فين من زمان ؟!
ارتبكت الشقراء ... احمر وجهها ... صمتت برهة ... لكن المطرب الكبير أعاد عليها سؤاله ... وشعرت الشقراء أنها لابد أن تجيبه!
سألته في دهشة :
- إنت تعرفني؟
همس عبدالحليم لها بثلاث كلمات كأنه غناها :
دي حكاية طويلة.
وصل المصعد ... كأنه إنذار من الأمن.
دخلت شقراء ميامي المصعد بينما المطرب الذي لعب بخيال جميلات الوطن العربي ينحني تلقائيا للأميرة التي هبطت عليه من السماء ... دخل خلفها وكأنه يتقدم صفوف موكب الدنيا ! ... كلاهما وقف وظهره لباب المصعد ... لكن كليهما كان يختلس النظرات نحو المرآة التي تغطي جوانب المصعد.
عاد يسألها همسا :
* هل لو كانت لي في عمري كله أمنية واحدة ... تساعديني فيها
- أمنية إيه يا أستاذ عبدالحليم؟
* أشوفك تاني
- ظروفي صعبة ... أنا ست متجوزة... وأم
توقف المصعد بالطابق الرابع
همت شقراء ميامي بالانصراف ... فتحت الباب ... انخلع قلب المطرب الكبير. نظرت الشقراء طاغية الجمال إلى عبدالحليم حافظ ... قرأت حالته في نظراته الحالمة ... قبل أن تغلق باب المصعد... قالت في دلال :
- لو لينا نصيب ... هانشوف بعض تاني
وصل عبدالحليم حافظ إلى شقته بالطابق السادس كالمسحور أو المنوم مغناطيسيا!.
عرف أن لقاءه بالشقراء الجميلة واقع عاشه منذ دقائق ... إنها أيضا تسكن بنفس العمارة لا يفصله عنها غير طابق واحد ... وحكم الزمن
داخل حجرتها بالطابق الرابع لم تنم الشقراء ليلتها
جلست عند حافة سريرها يحملق خيالها في آفاق بعيدة.
ولم يكن زوجها السفير المعروف قد عاد مساء تلك الليلة ... تأخر على غير عادته ... وتمنت لأول مرة أن يطل تأخيره
تكررت اللقاءات ... والتهب الحب ... وتوهج بريقه ... لم يعد العندليب والشقراء يطيقان البعاد ... ذات ليلة فجرت قنبلتها المثيرة، قالت للمطرب الكبير:
أنا طلبت الطلاق
معقولة
زوجي رفض ... بابي رفض ... مامي زعقت وأخواتي خاصموني ... فهمتهم أنه لو ما طلقتش هانتحر ... والمفروض أن كل شيء يتم بهدوء.
** سألوك عن سبب الطلاق؟!
طبعا ... وقلت لهم إني حبيتك ... وهاتجوزك!
ده الحلم اللي عشت له من صغري !
بعد أيام حضرت ريري للقاء المطرب الكبير بالمفاجأة الثالثة !
وضعت يدها اليسرى فوق المائدة ... تأملها عبدالحليم في دهشة ثم سألها في لهفة :
الله ... فين الدبلة
خلاص ...
تعانقا ... وعيون القدر ترصدهما
عاشا أجمل أيام الحب ... اتفقا على الزواج ... اصطحبها معه ذات صباح لتشاهد عش الزوجية الذي سيجمعهما ... شقة تمليك تطل على حديقة الأسماك ... طارت من الفرحة ... وقفت إلى جواره ترسم وتتخيل ديكورات العش الوردي .
مرت شهور قليلة ... وصل الأثاث من إيطاليا، وظلت «ريري» أسابيع تشارك العندليب في اختيار الديكورات وألوان الطلاء والستائر ... وذات ليلة شعرت بصداع يكاد أن يدمر رأسها ... لم تخبر حبيب عمرها ... عادت إلى منزلها تبكي من شدة الألم الذي يعتصرها عصرا ... سارعوا بها إلى الطبيب ... أصر على إجراء أشعة فورية ... وكانت المفاجأة الجديدة التي أخفاها الطبيب عن شقراء ميامي ... وصارح بها أسرتها ... سرطان في المخ.
اتصل بها المطرب الكبير - كاتفاقهما - فلم ترد، عاود الاتصال مرارا دون جدوى ... بحث عنها فلم يجدها ... سأل صديقاتها فلم يجد جوابا شافيا ... كان يريد أن يخبرها بسفره إلى لندن ... لكن الأرض كأنها انشقت وابتلعتها.
بعد أيام سافر المطرب الكبير إلى العاصمة البريطانية ... أجرى العديد من الفحوص والاستشارات الطبية ... وأكد له الأطباء أن بمقدوره الزواج مع الاهتمام بالنظام الدقيق للعلاج.
وبعد أيام قرر العودة إلى القاهرة ... وقبل سفره بساعات نزل إلى الأسواق الإنكليزية ليشتري هدية تليق بصاحبة اعنف حب عاشه... كان واثقا أنها لابد أن تقابله فور عودته ... لابد أنها قرأت خبر سفره في الصحف ... وستعرف منها أيضا خبر عودته.
لكن عيني المطرب الكبير جحظتا فجأة أمام محال أزياء هارولد... ورآها... وسأل نفسه ما الذي أتى بها لندن ولماذا لم تخبره ولماذا اختفت دون مقدمات؟ .
قرأت ريري في عينيه جميع تساؤلاته وحيرته ... وردت عليها بالدموع التي اندفعت من عينيها كالشلالات المتدفقة ... ذكَّرها بموعد زواجهما ... أمسكت يده لتحفظ توازنها بالصمت والبكاء.
اقتربت أخت «ريري» من عبدالحليم وصارحته بالحقيقة.
شهق المطرب الكبير ... اهتز قلبه ... كاد أن ينخلع من صدره ... حبيبة العمر أحلى ما في حياته . يهددها الموت ... ولابد من السفر بها إلى أميركا لإجراء جراحة خطيرة.
ساد الذهول وجهه عندما علم من شقيقة ريري... أنهما في لندن من قبل وصوله إليها بيومين ... وأن الطائرة التي ستقلهما إلى أميركا لإجراء الجراحة ستتحرك في نفس موعد إقلاع طائرة عبد الحليم إلى القاهرة.
مصادفة غريبة وعيون القدر لاتزال ترصدهما، حاول المطرب الكبير أن يؤجل سفره إلى القاهرة ويلحق بحبيبته إلى أميركا ... لكنها توسلت إليه بحبها أن ينتظرها في القاهرة ... فلا بد أن تعود إليه يوما ! ... بكى بعنف.
النجم... مهموما
عاد المطرب الكبير إلى القاهرة مهموما ... كره أن يعود إلى الشقة التي أعدها للزواج من ريري ... ظل أياما يحاول الاتصال بالمستشفى الذي نزلت به ريري بأميركا ... عاش أتعس ساعات عمره وهو يسأل كبار الأطباء في مصر عن أسوأ الاحتمالات في العملية الجراحية التي ستجريها ريري بعد يومين ... فجأة ... قرر السفر بنفسه ليكون إلى جوارها في أحرج ساعات عمرها لكنه نجح قبل السفر بيوم واحد في إتمام المكالمة مع المستشفى الكبير بأميركا ... طلب شقيقة «ريري» سألها في لهفة عن أخبار حبه الوحيد .
صمتت الأخت برهة ... ثم قالت له في صوت متحشرج:
ريري... تعيش انت.
ولم ينس عبدالحليم حافظ ذكرياته مع ريري لحظة واحدة ... غنى من أجلها «في يوم، في شهر، في سنة» ... وبكى بدموع حارقة وهو يردد «حبيبي شايفك وانت بعيد ... بعيد ... وأنا في طريق السهد وحيد ... وكل خطوة في بُعدك ليل ... حبيبي شايفك ... بروحي شايفك ... بقلبي شايفك ... شايف جمالك ... يا حبيبي ... راح اللي راح ... وفرقتنا الليالي ... مهما أداوي الجراح ... الجراح ... هاهون اللي جرالي».
من أجلها أيضا غني ... رسالة من تحت الماء ... واعترف في أحاديثه الصحافية والإذاعية بعد نجاح الأغنية أن أحب مقاطعها إلى قلبه:
اشتقت إليك فعلمني ألا أشتاق
علمني كيف أقص جذور هواك من الأعماق
علمني كيف تموت الدمعة في الأحداق
علمني كيف يموت الحب ... وتنتحر الأشواق
وإن كنت أعز عليك فخذ بيدىّ
الموج الأزرق في عينيك ... يناديني نحو العمق ... وأنا ما عندي تجربة ... في الحب ... ولا عندي زورق .
كثيرا ما اعترف العندليب في أحاديثه بأدق أسراره ... إلا «ريري».
كان تعبير قصتهما تراتيل لا تتلى إلا في محراب ... ولا تذكر إلا مع أناس أقرب إلى كهنة المعابد ! ... لكن أقرب الناس إلى قلبه ظلوا يتابعون حب ريري الأسطوري في قلب عبدالحليم حافظ، حتى إنه كان يعقد المقارنات الدائمة بين ريري الراحلة ونجمة مصر سعاد حسني قبل أن تفشل فكرة زواجهما.