ريميات
كل الطرق تؤدي إلى... «الراي»
| ريم الميع |
1 يناير 1970
11:10 ص
ما إن بدأت أتملل من مللي من الكتابة، الذي دفعني للتوقف الموقت عنها، وهو توقف نويته شهراً فامتد نحو ثمانية أشهر، حتى فوجئت بدعوة للعودة من حيث غادرت، قبل ثماني سنوات، وبين الأشهر الثمانية التي توقفت فيها عن كتابة المقالات، والسنوات الثمانية، التي غادرت فيها «الراي» مفارقة الحضور والغياب، فكل الذين توقعنا أننا لا نحتمل غيابهم استمرت الحياة بعدهم حتى نسينا حضورهم، ولم نعد نذكرهم إلا ببعض الذكريات التي تقفز في ذاكرتنا حين حنين.
قيل قديما:
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل
لذلك فإن في كل مرة يعاودني فيه حنين الكتابة، أحن إلى بيتي الأول، مهما دللني بيتي الأخير، مهما تنقلت بين المطبوعات، أو تسكعت على بلاط صاحبة الجلالة، فإن كل الطرق تؤدي إلى «الراي» التي دخلتها في نهايات القرن الماضي ناشطة في حقوق المرأة يأخذني الحماس لجمع التواقيع على العرائض والمطالبات بإلحاح «وقع... وقع... وقع»، فيزداد حماسي حماساً بتشجيع من أهل «الراي»، الذين كانوا للمفارقة أول الموقعين، ويتحول الإلحاح ازعاجاً للمسؤولين الذين تحاصرهم أسئلتي الصحافية بالإلحاح نفسه «جاوب... جاوب... جاوب».
حكايتي مع «الراي» قد تكون معروفة لقرائها إذ أفردت افتتاحيتها قبل عامين للكتابة عن شخصي المتواضع كبنت «الراي» ولا أعرف إن كنت ابنة بارة أم عاقة عندما غادرتها في بدايات القرن الجديد وتحديداً قبل ثماني سنوات، وكأنني لم أغادر حتى هذه اللحظة لأعود كما لم أغادر.
بين نهاية قرن وبداية قرن تغير كل شيء تقريباً، فلا صالحنا صالح، ولا مباركنا مبارك، ولا معمرنا معمر، وحين يأتي التغيير لا نعرف هل نحن الذين تغيرنا على ما حولنا أم ان ما حولنا تغير علينا أم الاثنين معاً... أم ان ما حسبناه تغييرا لم يتغير معه شيء؟
غادرت «الراي» مع دخول أول صاحب بشرة سوداء إلى البيت الأبيض، أخذني الحماس مثل كثيرين، اعتقدنا أنها بداية التغيير في العالم، حتى اكتشفت، وربما اكتشف غيري أيضاً، مع قرب مغادرة العم أوباما «ما غيرو» إن شيئاً لم يتغير، وكأنك «يا أبو حسين ما غزيت»، فالأسود مثل الأبيض، وكلاهما في زمننا هذا أصله رمادي، وعلى سيرة الرمادي جدير بالذكر أنه خلال غيبة الثماني سنوات صدر لي كتاب وحيد... رمادي الغلاف، نال حظه من النجاح الذي لم أتوقعه لدرجة أربكتني حتى صرت أعتقد أن المستحيلات في هذا الزمان هي «الغول والعنقاء وكتابي الثاني».
في ثماني سنوات، توقفت عن الكتابة لمن هم أكبر مني سناً، وبدأت بالكتابة لمن هم أصغر مني، وانشغلت عن الإعلام التقليدي بالإعلام الجديد حتى اكتشفت أن «قديمك نديمك»، فعدت من موقع آخر إلى المكان نفسه وكأن رحلتي من الصفحة الأولى إلى الصفحة الأخيرة في «الراي» استغرقت ثماني سنوات، وأتمنى أن تصمد، بدعواتكم، ثماني سنوات، مرة أو مرتين في الأسبوع.
بالمناسبة سأطالب إدارة التحرير برصد جائزة لمن يفوز في مسابقة كم مرة ذكرت «ثماني سنوات» في هذا المقال؟
أخيرا، هذا ثالث مقال أكتبه في ثلاثة أسابيع يتعثر فيها «الكي بورد» فأشطب ما كتبت مرتبكة من العودة ببداية جديدة وعادة البدايات الجديدة تكون أكثر ارتباكاً من أول بداية.
عموما، أجمل اللقاءات على الإطلاق هي اللقاءات المرتبكة فعلى قدر ما هي مربكة، ملهمة، مدهشة ولو كانت حتمية، قدرية فكل الطرق تؤدي اليها ولكم...