«فنان الشعب غنّى للعمال والفلاحين والعربجية... وشق طريقاً جديداً في الغناء العاطفي»

فتحي الخميسي استحضر سيد درويش ... في «دار الآثار»

1 يناير 1970 07:28 ص
سيد درويش عاش فقيراً وجائعاً... ومات في عز شبابه

قبل ولادته لم يكن في مصر نشيد وطني
«كل أغنية من أغاني سيد درويش تعد حكاية في حد ذاتها، فهو لا يغني من أجل البهجة والتسلية فحسب، وإنما يغني لكل شيء له قيمة ومعنى وهدف، يغني للأرض والوطن في الأفراح والثورات والانتصارات، ويغني للعامل والفلاح، وللمرأة والعربجي، ولا يستثني أحداً في موسيقاه. ففي كل أغنية من أغانيه هناك قضية، إما اجتماعية واقتصادية أو سياسية وثورية، حتى أطلق عليه الشعب المصري وقتذاك الكثير من الألقاب، منها لقب فنان الشعب وألقاب أخرى مثل أبو الموسيقى المصرية، حيث اعتبره البعض بمنزلة بيتهوفن بالنسبة إلى الموسيقى الأوروبية».

الكلام عن سيد درويش لأستاذ أكاديمية الفنون في القاهرة الدكتور فتحي الخميسي، وقاله مساء أول من أمس على مسرح دار الآثار الإسلامية في منطقة اليرموك، خلال أمسية موسيقية عزف وغنى وحاضر فيها عن مسيرة وتاريخ الموسيقار والفنان المصري الكبير السيد درويش، ودوره البارز في نهضة الحركة الموسيقية في مصر.

وجاءت الأمسية ضمن برنامج «البروتيجيز» في نسخته السادسة، وهو مشروع شبابي يضم كوكبة من الذكور والإناث اليافعين، الغاية منه بناء الاشخاص، وتنمية القدرات القيادية و المهارات الحياتية وإدارة المشاريع و نشر الوعي وغيرها، إذ يتولى تدربيهم أساتذة متخصصون في مجالات شتى، وهم شملان البحر، رنا الخالد، عبدالله العيسى، يعرب بورحمة، مشاري المفرح، عبدالعزيز اللوغاني، عبدالعزيز العدواني ومحمد النغيمش.

في البداية، قدم الخميسي نبذة شاملة ومختصرة عن مسيرة سيد درويش، مبيناً أنه من مواليد سنة 1882 في الإسكندرية، وعاش حياته فقيراً وجائعاً، لكن ذلك لم يمنعه من السعي إلى تحقيق أحلامه ومشاريعه الموسيقية الكبرى، لافتاً إلى أن درويش لم يحالفه الحظ في بلاده في بداية مشواره، لذلك انتقل في العام 1908 إلى الشام لتعلم العزف على الآلات الموسيقية، لا سيما آلة العود برفقة الفنانين أمين وسليم عطاالله، وفي 1917 عاد إلى القاهرة وبجعبته إنتاجاً موسيقياً غزيراً، حيث تعاون مع فرق مرموقة على غرار فرقة نجيب الريحاني وغيرها.

وقال الخميسي: «رغم الحياة الفنية القصيرة التي عاشها درويش، إذ توفي في عز شبابه وقبل أن يبلغ الثانية والثلاثين من عمره، إلا أنه غنىّ لكل شيء، ولامس هموم ومعاناة المواطن البسيط والعمال والكادحين والموظفين، بل هو أول من طالب بحقوق المرأة السياسية في أغانيه، منطلقاً من إيمانه بأن الغناء رسالة متعددة الأهداف والمغزى، ولا ينحصر دورها فقط في الحب والغزل».

وتابع: «درويش ابتكر أسلوباً جديداً في أغاني الحب أسماه الحوار، فهو كان يحب الخروج عن الفردية، ويميل إلى تعدد الشخصيات في العمل الغنائي»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن مصر قبل درويش لم يكن لديها نشيد وطني، حتى أتى ذاك الموسيقار العبقري وصنع لها واحداً مميزاً، فضلاً عن إضافته لنوعين من المؤلفات الموسيقية، ليرتفع بذلك رصيد المؤلفات الموسيقية في أرض الكنانة إلى 9 أنواع من التأليف الموسيقي، إضافة إلى ابتكاره لإيقاع جديد بأغاني الأعراس والزفة المصرية.

وتطرق الخميسي في سياق حديثه إلى مبادئ درويش في الموسيقى والغناء، موضحاً أنه يحرص على اختيار الألحان ذات الجذور الشعبية، التي تعبّر عن الموضوع بعفوية وببساطة، إضافة إلى صياغة الجمل الموسيقية بأساليب مبتكرة وحديثة تواكب الموسيقى الأوروبية والغناء الأوبرالي.

واضاف: «استطاع درويش بعبقريته أن يجعل من الموسيقى الشعبية فناً راقياً، بتأسيسه للمسرح الغنائى التعبيرى وتأليفه لأجمل الألحان المسرحية، على غرار أوبريت (العشرة الطيبة) وأوبريت (شهرزاد) و(الباروكة) وغيرها، إلى جانب الموشحات، وأغاني الطقاطيق والمونولوج والأناشيد، والقائمة طويلة».

إلى ذلك، قدم الخميسي بصوته الجهور وعلى أنغام آلة البيانو مجموعة من الأغاني التي لحنها وشدا بها سيد درويش، وكانت البداية مع أغنية «العربجية» وهي من كلمات أمين صدقي، وتتناول الأغنية معاناة سائقي التاكسي، وما يكابدونه يومياً مع الزبائن، عطفاً عن المخالفات المرورية التي يتلقونها من حين إلى آخر، ويقول مطلعها «مين زينا احنا العربجية ياهوه مين... بنشوف غلب وتلطيم عقبال اللايمين»، تلاها بأغنية «الموظفين» من كلمات بديع خيري، وهي تتحدث عن التظاهرات التي قادها العمال إبان الثورة في العام 1919.

ثم قدم واحدة من أغاني الزفة المصرية التي ألف كلماتها بديع خيري وقدمها درويش بايقاعات حديثة وغير مألوفة، وهي الأغنية الشهيرة التي أصبحت إيقاعاتها علامة واضحة للزواج «يقطع فلان على علان... يا حلالك يا بلالك بيها اتمخطري يا عروسـة»، تبعها بأغنية «ياعشاق النبي صلوا على جماله».

بعد ذلك، شدا الخميسي بأغنية خاصة عن المرأة المصرية والتي تحض المرأة على المطالبة بحقوقها السياسية في الترشح والانتخاب أسوة بالرجال، ومن كلماتها «ليه ما نكون زي الغرب». ثم قدم واحدة من روائع الثورة المصرية بعنوان «يا مصر يحميكِ لأهلك».

وأدى الخميسي أغنية بعنوان «كان الشيطان» يقول مطلعها «كان الشيطان بيعزم يوم على ابن الناس... عايز يجيب له نحس البوم من الديل للراس».