«حزب الله» استبق مهمّة وزير الخارجية الفرنسي بـ «نعي» نتائجها
«إطلاق نار» سياسي إيراني على زيارة إيرولت للبنان
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
05:25 م
لم يكن أحد في بيروت يعلّق أيّ آمال على ان تحمل الزيارة التي بدأها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت للبنان امس «ترياقاً» للمأزق السياسي - الدستوري الذي تعيشه البلاد في ضوء «الأبواب الموصدة» إقليمياً، لكن أحداً ايضاً لم يتوقّع أن يتمّ «نعي» مهمّة رئيس الديبلوماسية الفرنسية علناً قبل ان تحطّ طائرته في مطار رفيق الحريري الدولي من خلال رسائل مباشرة من «حزب الله» وإعلام فريق «8 آذار» ظهّرت ارتفاع منسوب التوتر الايراني مع كلّ من السعودية وفرنسا وبدت بمثابة إعلان ان لا «موْنة» لباريس على الواقع اللبناني او قدرة على تفكيك «الألغام» المزروعة في الطريق الى القصر الجمهوري في بعبدا الشاغر منذ 25 مايو 2014.
وفي هذا السياق برز هجوم إحدى الصحف القريبة من «حزب الله» على زيارة ايرولت باعتباره «مبعوثاً سعودياً (...) وليس في جعبته سوى الأفكار السعودية المعاد تدويرها» وشنِّها حملة حادة على السعودية وفرنسا، قبل ان يلاقي «حزب الله» مباشرةً هذا المناخ معلناً بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، الذي وُزِع له تصريح لافت، «ان المشكلة الأساسية (في الأزمة الرئاسية) تكمن في التدخل الخارجي، اذ تبيّن خلال العامين الماضييْن أن الجهة الوحيدة التي تقف سداً منيعاً وتشترط خيارها هي السعودية»، مضيفاً في إشارة ضمنية الى زيارة ايرولت: «طريق الحل في معالجة المشكلة، فتِّشوا عن السعودية، إن وافقتْ (على العماد ميشال عون) يجري الانتخاب غداً، وإن لم توافق فالأزمة طويلة، ولن تحلّها لا التصريحات ولا التبريرات ولا الزيارات الأجنبية ولا الاتّهامات».
وحتى الذين كانوا يُبقون على بصيص أملٍ بإمكان ان تفضي التحركات الداخلية الى مخرجٍ ما «يسير بين نقاط» الاشتباك الكبير في المنطقة، استعادوا واقعيّتهم ليس بعد المناخ السلبي من فريق «8 آذار» و«حزب الله» حيال زيارة وزير الخارجية الفرنسي فقط، بل أيضاً لأنه بدا من الصعب عزل هذا المناخ عن عودة التوتر العلني المباشر بين الرياض وطهران على خلفية استضافة باريس مؤتمر المعارضة الايرانية السنوي بحضور شخصيات سياسية عربية وعالمية أبرزها الأمير السعودي تركي الفيصل الذي أعلن صراحة امام المؤتمر «انا أريد إسقاط النظام (الخميني)»، وهو ما ردّت عليه الخارجية الايرانية مهاجِمةً المملكة بحدّة.
ويفترض بهذا «التدافع الخشن» بين طهران وكل من الرياض وباريس ان يفرْمل «موجة التفاؤل» في أوساط العماد ميشال عون باقتراب موعد انتقاله الى قصر بعبدا، ولا سيما في ظل الوقائع التي تشي تباعاً بأن لبّ المشكلة في الملف الرئاسي بالنسبة الى «حزب الله» ليس في اسم الرئيس بمقدار ما انه يتّصل بهوية رئيس الحكومة ومفاتيح إدارة السلطة في العهد الجديد وتوازنات الحكومة وبيانها الوزاري وتوزُّع القوى في البرلمان الجديد.
وفيما ترقّبتْ دوائر سياسية تأثيرات هذا المناخ المحتدم على اللقاء المحدَّد بين ايرولت ورئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد، فإن وزير الخارجية الفرنسي - الذي كان استبق وصوله الى بيروت بإعلانه في حديث صحافي «ان فرنسا على اتصال دائم بايران والسعودية وهي تشدد دائماً لديهما (...) على ضرورة إنهاء الازمة في لبنان، و(سبق ان أجريتُ) محادثات معمقة مع ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ونظيري الايراني محمد جواد ظريف» - استهلّ زيارته للبنان بتفقّد وحدة بلاده العاملة في إطار قوة «اليونيفيل» في الجنوب، قبل ان يعود الى بيروت لبدء برنامج لقاءاته الذي يتوزّع على مدى يومين بين شقيْن: الأوّل زيارات لكلّ من رئيسيْ البرلمان نبيه بري والحكومة تمام سلام والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ووزير الخارجية جبران باسيل. والثاني استقبالات في مقر السفارة في قصر الصنوبر لشخصيات سياسية ابرزها الرئيس سعد الحريري (اذا كان عاد الى لبنان) والمرشّحان الرئاسيان العماد عون والنائب سليمان فرنجية، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط، ومسؤولين أمميين ودوليين في بيروت ومجموعة من قادة المجتمع المدني، الى جانب لقاءين مهمين مع كل من قائد الجيش العماد جان قهوجي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وتقاطعتْ كل المعلومات عند الإشارة الى ان ايرولت الذي لا يحمل في جعبته اي مبادرة محددة حيال الأزمة اللبنانية، حمّلته باريس رسائل تتعلق بوجوب إنهاء الشغور الرئاسي في أسرع وقت لأن الوضع في لبنان «مقلق على جميع الجبهات» وفق ما خلص اليه التقرير الذي وضعه خمسة نواب فرنسيين وعُرض أمام الجمعية العامة (البرلمان الفرنسي) ونُشرت مقتطفات جديدة منه في بيروت، وفيه ايضاً ان «العرّابين السعودي والإيراني (للشيعة والسنّة في لبنان) لا يبدو أنهما جاهزان اليوم للتفاهم حول مخرج للأزمة (...) وان الملفين اللبناني والسوري مرتبطان بالنسبة لكل من طهران والرياض».
كما يحمل رئيس الديبلوماسية الفرنسية رسالة دعم للبنان على قاعدة انه ليس متروكاً رغم كل التعقيدات، وان ثمة جهوداً دولية لمواكبة عبء ملف النزوح السوري ومخاطره الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، اضافة الى استطلاع آفاق ملف النفط والغاز الذي شهد هبّة انفراجية داخلية أخيراً.