حديث الذكريات / «النجم العربي» يتوقَّف عند المحطات المفصلية في مسيرته الفنية نحو النجومية الساطعة (3 - 4)

وليد توفيق لـ «الراي»: رأيت في جورجينا رزق... ما لم أجدْهُ في امرأة أخرى!

1 يناير 1970 05:26 م
كنتُ سأتزوَّج إحدى الفنانات... لكنني رأيتُ تعاملها السيئ مع والدتها فبادرتُ بالهروب!

لم تدفعني نجوميتي إلى الإيقاع بالفتيات... فلي شقيقات والشهرة لا تعطيني الحق في «الضحك» على الآخرين

علاقتي مع جورجينا رزق بدأت بلقاءات مصادفة فصداقة... فحب جنوني

قدَّموا إليّ الكوكايين الصافي في سهرة... فما كان مني إلا أن ألقيته في الحمّام!

اجتهدت في تجنُّب المغريات في ساحة الفن وهي كثيرة... فكنتُ شاباً وأخشى الوقوع

تزوجت جورجينا في مصر عُرفياً 1985... وأعلنا الزواج في 1990

أسرتي منفتحة رغم تدينها... وعندما علم والدي بحبي لجورجينا قال لي: تزوجها فوراً

عبدالحليم قال لي: التزم بتقديم أغنياتك حتى لو لم يسمعها أحد أول مرة... فسيسمعونها لاحقاً!

زياد الرحباني كان ولا يزال «سيد درويش» لبنان بالنسبة إليّ
كان مهووساً بالفن منذ نعومة أظافره ولم يكترث للدراسة كبقية الأطفال، فكانت المدرسة بالنسبة إليه فسحةً للغناء أمام الناس فقط، مبتعداً بنفسه عن أعبائها الدراسية، لينتهي المطاف بتركه الدراسة عن اقتناع، متجهاً إلى العمل في الكهرباء لتأمين المال اللازم لتحقيق حلمه الفني.

«الراي»، في هذا الحوار مع وليد توفيق، تُعيد السير معه في الطريق الذي رسمه لنفسه، بدءاً من نجوميته الطفولية، ومروراً بالعام 1974 الذي كان مفصلياً في حياته، حينما عبَر بـ «عيون بهية» في برنامج «ستوديو الفن» آنذاك وخرج من بوابته نجماً متوَّجاً بالذهب، ليظل أحد المتربعين على عرش الغناء العربي حتى الآن.

وليد توفيق، ابن مدينة طرابلس، ابن بيت، ابن أصل، هذه العبارات والكثير غيرها تعكس مدى شهامة ونبل هذا الفنان.

لم يخب أمله، فقد مشى في درب النجومية وجال العالم طرباً بـ «صوتٍ» مسموع وعينين مرفوعتين وخُطىً ثابتة... فتبوَّأ مكانة فنية مميزة ووقَّع اسمه بأحرف ماسية اكتسبت المزيد من التوهُّج بعد زواجه من ملكة جمال الكون جورجينا رزق.

42 عاماً مضت على انطلاقته الفنية وما زال قلبه الفني ينبض بقوةٍ متجددة، تاركاً خلفه نجاحاتٍ متتالية كفلت له مكانة فنية تحمل اسمه، وتحقق له ما كان يتمناه في طفولته... وأكثر!

من الصعب أن تُختصَر 42 عاماً في كلمة أو جُملة أو حتى كتاب، لكن وليد توفيق باختصار هو كان وما زال وسيبقى أحد فرسان الطرب العربي.

دخلنا مكتبه وكان بيده هاتفه المحمول، بينما يشاهد مقطع فيديو ينتمي إلى أيام الزمن الجميل. وكان طبيعياً أن يتحدث توفيق عن تفاصيل هذا الفيديو، كاشفاً عن بعض الذكريات المتعلقة بذاك الزمن... ليختم كلامه بعبارة: «كأنها البارحة»!

«البارحة» هذه... صارت مفتتحاً للحوار الذي أجرته معه «الراي»، ومدخلاً إلى العالم الخاص لتوفيق، للتنقل بين ذكرياته، والتنقيب في معرفة تفاصيل حياته التي تُسلط هذه السطور الأضواء عليها:

? إلى أي مدى تلقيتَ عروضاً للزواج؟

- «ما بلوم حدا، خصوصاً بعد ما بشوف حالي بالأفلام كيف كنت». وما يميّزني عن الجميع هو أن الكل كان يشعر بأنني «ابن بيت». سابقاً، كنت سأتزوج من إحدى الفنانات أيضاً، وكنت أحبها كثيراً لكن حصلتْ أمامي حادثة وهي أنني رأيتُ كيفية تعاملها السيئ مع والدتها فهربتُ منها. كنتُ آخذ والدتي معي في أغلب رحلاتي بسبب الحرب في لبنان، وكنت أحضرها إلى الشام أيضاً، فحيث أكون أصحبها معي، وهذا ما حماني كثيراً. نحن شباب في النهاية، «وعندما تكون وحدك غير ما تكون الحَجّة معك، فهي تُحدث هالة بوجودها إلى جانبي».

? ألم يدفعك نجاحك إلى الغرور والرغبة في الإيقاع بالنساء؟

- أبداً، فلدي أخوات بنات ويقال: «كما تريد لنفسك أرِد للآخرين»، وليس لأنك تملك الشهرة يكون من حقك أن تضحك على بنات الناس.

? هل توجد أمور شائنة في كواليس الفن؟

- «في كل شي بالفن».

? وكيف واجه وليد توفيق الإغراءات الشائنة في الفن؟

- لم أدخل بها أساساً وكنت أهرب منها. أحضروا إليّ الكوكايين الصافي في إحدى السهرات، لكن كل ما فعلتُه أنني رميته في كرسي الحمام.

? ولم تتعاطَ المخدرات في حياتك؟

- قط، أتعاطى السجائر مع فنجان القهوة فقط (يضحك). تمسكتُ طوال حياتي بتربيتي وبما نشأتُ عليه و«شايف حالي» فيه، ولغاية الآن لم أتغير.

? أخبِرنا عن زواجك بالسيدة جورجينا رزق؟

- «إم علي»... هناك عوامل عدة جمعتنا كصديقين في البداية. ونحن سافرنا معاً على متن أول طائرة إلى القاهرة، وهذا ما لا يعرفه أحد، يعني عندما ذهبت مع حسن إمام كانت موجودة على متن الطائرة نفسها.

? كيف كانت علاقتكما؟

- «ولا بحياتي فكرت أتزوجها». كان في ذلك الوقت هناك سلام متبادل في ما بيننا فقط، ثم التقينا في بيروت عندما تزوجت هي أبو حسن سلامة، وعدنا والتقينا لاحقاً في باريس في العام 1984 عندما عملنا معاً في السينما. وهنا رأيت في هذه الإنسانة ما لم أرَه في أي امرأة في الوسط الفني. عندما ذهبتُ إلى منزلها قلتُ إنني سأجد قصراً، لكنني وجدتُ منزلاً بالإيجار بمساحة 100 متر، ووجدتُ أيضاً أُماً بكل ما للكلمة من معنى، و«ستّ» من أجمل نساء العالم، وكانت سيارتها عادية جداً. وهنا دخلت برأسي كسيدة، وقد نسيتُ تماماً أنها ملكة للجمال، بل مجرد إنسانة أراها على حقيقتها وجمعتنا صداقة عميقة. عندما كنتُ أذهب إلى باريس كنا نلتقي، وبالمصادفة جاءت في العام 1985 إلى الشام حيث كنتُ موجوداً للعمل، فالتقينا على مدى شهر كامل، وهو ما نتج عنه حب جنوني بيننا.

? كيف تطوّرتْ الأمور بينكما؟

- جمعتنا قصة حبّ مجنونة استمرّت خمس سنوات من دون أن يعلم أحد بذلك، إذ تزوّجنا زواجاً عرفياً في مصر في العام 1985، لتكون علاقتنا بالحلال إلى أن قررنا إعلان زواجنا في العام 1990.

? سأعود هنا إلى بيئتك وقد تزوجتَ من امرأة تنتمي إلى دين مختلف عن دينك ومتزوّجة ولديها ولد؟

- كل شاب في بداية حياته تتمنى له عائلته أن يتزوج فتاة من البيئة نفسها. صحيح أن عائلتي محافِظة، لكنها منفتحة إلى أبعد الحدود، ولا تعرف التعصب الديني. وبمجرّد أن علم والدي بالموضوع وبمدى حبي لها قال لي: «تزوّجْها فوراً». وفي المقابل هي وافقت وعملت بشروطي يعني: «ما عاد في مايوه ولا سهر».

الآن جورجينا ست بيت من الطراز الأول. وقد عملتْ «إم علي» على تربية الأولاد لمدة 18 عاماً من دون أن تخرج من المنزل،

وأذكر لك أنه عندما تزوّجنا تلقينا عرضاً سينمائياً يجمعنا معاً لقاء مبلغ مالي وقدره 4 ملايين دولار، غير أننا رفضناه وقالت: «كلو جرّبتو في حياتي وما عاد بدي ياه».

? يعني أنها اكتفت بوليد توفيق الإنسان منذ البداية؟

- هذا صحيح. وللحقيقة، تلقّت جورجينا عروضاً للزواج من أربعة رجال يملكون جميعهم طائرات خاصة، لكن سبحان الله منذ التقينا لم نواجه أي عائق وصولاً إلى زواجنا، وخصوصاً أنها كانت معتنقة الدين الإسلامي بسبب زواجها الأول.

وهي واجهت كماً كبيراً من الإشاعات مثل اغتيالي أو استهدافي من جانب الجماعات الفلسطينية، لكن جميع تلك الأخبار كانت كاذبة. وأهمّ ما في جورجينا أنها «ستّ» بكل ما للكلمة من معنى.

? بعد اتخاذها قرار الاعتزال لأجل زواجكما، ألم تندم يوماً؟

- لا، لأنها سلكت هذا الطريق قبل زواجنا. عندما زرتُها في باريس قالت لي: «أضواء وفن وصحافة، خلص باي باي، وأنا بالصدفة كنت رايحة مع أختي فاختاروني ملكة جمال».

كنتُ لا أجلس أكثر من ثلاثة أشهر في المنزل، وهي تحملت كثيراً، وأعتقد أن هذا من أسباب استمرارية زواجنا حتى هذه اللحظة. حتى أولادي عندما أراهم الآن يتقدّمون في السن أقول: «يا الله شو راح مني بحياتي». الفنان هو أكبر أناني، وإذا لم يكن أنانياً في فنه لا ينجح لأن الفن هو الحب الوحيد والقوة الوحيدة للفنان.

? هل نتطرق إلى لقاءاتك مع عمالقة الفن الجميل؟

- أنا محظوظ، وكنتُ أتمنى هذا الموضوع أساساً. محظوظ أنني وُلدت في هذا الزمن ومحظوظ أنني نجحت في هذا الوقت لوجود قيمة «مش طبيعية» في الفن، حيث إنني دخلتُ إلى سهرة واحدة، كانت غير عادية، ورأيتُ فيها كل فناني مصر في ليلة واحدة، وذلك في منزل المنتج السينمائي صبحي فرحات، زوج زبيدة ثروت. حظي الجميل يكمن في أنه منذ بداية ظهوري الفني ظهرتُ مع الكبار.

? هل دخولك إلى أماكن كهذه كان سهلاً؟

- أبداً، «لو ما عندي الذكاء والنضج الفكري الذي وهبني إياه الخالق والثقة بالنفس ما كنت نجحت». كان إيماني بالله عزّ وجلّ قوياً وساعدني كثيراً في تلك المرحلة، بالإضافة إلى أنني امتلكت قناعة لا حدود لها. أذكر أنني ومع كل نجوميتي في مصر، وقفت في الاستوديو وخضعتُ لفحص حتى اعتمد اسمي في الجريدة الرسمية على أنني مطرب وملحن من الدرجة الأولى.

? أخبرنا عن لقائك بعبدالحليم؟

- في السهرة التي ذكرتُها لك، دخلتُ مع المنتج محمد علي الصباح وسلمان والفنانة الراحلة صباح، ورأيتُ كل النجوم مرة واحدة، وكانت هذه المرة الأولى التي أراهم فيها على مدى حياتي، ولم يكن عبدالحليم وصل بعد إلى السهرة. وأذكر أنه وفي طريقنا إلى السهرة أمسك سلمان بيدي حين كنت أنظر إلى صور عبدالحليم التي كانت تملأ الشوارع وقال لي: «إذا عرفت تشتغل وصبرت على نفسك، وابتعدت عن النساء والمخدرات وانتبهت لعملك، فهناك كرسي ستجلس عليه». سلمان كان يرى دائماً أخطاءه كمطرب وينصحني بأن أبتعد عنها. ما كنتُ أرى سوى العمل، وهذا الأمر لم يتغيّر لغاية الآن. مع حفظ الألقاب، كان لعبدالحليم وعبد الوهاب وبليغ حمدي أثر كبير في حياتي، «قبل منهم كنت شايف ملحم بركات وفيلمون وهبة». وبلا شك كل من هذين الأخيرين لديه مدرسة خاصة به، وأساساً اخترت ملحم بركات من بين الجميع عندما عملتُ «ساعي البريد»، وزياد الرحباني كان ولا يزال بالنسبة إليّ «سيد درويش» لبنان.

? لنعُد إلى لقائك بعبدالحليم حافظ؟

- عندما ذهبتُ إلى القاهرة، أردت رؤية عبدالحليم حافظ من بين الجميع. وفعلاً «ما خاب ظني»، عبدالحليم يملك كاريزما وحضوراً لا مثيل لهما. في تلك الحفلة قالوا لنا: «وصل حليم» وفعلاً وصل، وكانت الساعة الثانية فجراً، وهنا وجدتُ شاباً نحيلاً أصفر الوجه وتعباً جداً، في المقابل عبدالحليم إنسان ذكي ومتواضع الى أبعد الحدود فيشعرك بأنك النجم أمامه. ألقى عبدالحليم السلام على كل الحاضرين فرداً فرداً، وعمل على تذكير كل شخص بحادثة ما جمعتهما معاً. وهنا بدأتُ أتعلّم منه كيفية التصرف. عندما وصل إليّ وضع يده على وجهي، وما زلتُ حتى اللحظة أذكر لمسات أصابعه وقال لي حينها: «أنا شفتك في ستوديو الفن وقدمت أغنية قمر الليل يا قمري». كنتُ أرتجف من هذا الموقف إلا أنه أراحني بكلامه. عندما عزفتُ على العود اخترتُ أغنية لفريد الأطرش فسارعت فايزة أحمد وقالت: «لماذا فريد الأطرش وليس عبدالوهاب؟» وهنا أجابها عبد الحليم على الفور: «هوّ في أهمّ من فريد الأطرش يعزف العود؟». قال في عزف العود وليس كفنان، وكان هذا الكلام ينمّ عن ذكاء خارق. وهنا قمتُ بتأدية أغنيتي الخاصة. طبعاً لم تلق النجاح الكبير بينهم لأن الجميع لا يعرفونها، إلا أن عبدالحليم ربَّتَ على ظهري وقال: «برافو عليك، قم بغناء أغانيك ولو ما سمعوها أول مرة بس تاني مرة ح يسمعوها، وهذا ما حصل معي في (صافيني مرة) في الإسكندرية».