غداة يوم الانتحاريين الـ 8... مجلس الوزراء يستنفر المؤسسات الحكومية

هل انتقل الإرهاب ضد لبنان من «القاع» إلى «الخطة ب»؟

1 يناير 1970 05:26 م
جنبلاط:

ليُنتخب الرئيس بأي ثمن والأهمّ في السياسة قبول التسوية وإن بدت مُرّة للوهلة الأولى

رجال ونساء حملوا السلاح في القاع ومخاوف من «الأمن الذاتي» ومصير مخيمات النازحين

الحريري غداة لقائه أمير قطر:

لحصرية دور الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية بمكافحة آفة الإرهاب
بدا من الصعوبة بمكان رسْم واقع لبنان الذي استفاق أمس، على يوم ثان مثقل بالقلق والمخاوف حيال التطورات الأمنية المخيفة التي شهدتها بلدة القاع ذات الغالبية المسيحية في البقاع الشمالي جراء اقتحامها بمجموعات من الإرهابيين الانتحاريين الذين نفّذوا 8 عمليات تفجير انغماسية في وسط البلدة على موجتيْن، الاولى فجر الإثنين والثانية خلال الليل ما ادى الى سقوط 5 قتلى و28 جريحاً.

وشهدت البلدة ومحيطها امتداداً لسائر بلدات البقاع الشمالي استنفاراً عسكرياً وأمنياً وأهلياً غير مسبوق باتساعه منذ معركة اجتياح التنظيمات الارهابية لبلدة عرسال في اغسطس 2014 حين تمكّنوا من خطف مجموعات عسكرية واسترهان البلدة وجرودها بحرب استنزاف لا تزال مستمرة.

وبدت المخاوف من استعادة تجربة عرسال في القاع ماثلة بقوّة أكبر في اليوميْن الاخيريْن، نظراً لوقائع وعوامل جديدة وخصوصاً في ظل اختيار الارهابيين ومَن يحرّكهم «القاع» تحديداً، التي تكتسب حيثية بالغة الأهمية، سواء من حيث الموقع الجغرافي اللصيق جداً بالحدود اللبنانية - السورية والذي يجعل البلدة بوابة استراتيجية الى البقاع والداخل اللبناني، كما لكون القاع تحمل رمزية مسيحية كبيرة تعود الى تعرُّضها لمجازر اتّخذت طابعاً طائفياً خلال الحرب الأهلية، كما ان أبناءها معروفون بمراس قتالي وصمود قوي في أرضهم ومحيطهم.

ولكن وقائع الهجمات الارهابية الانتحارية التي نُفذت الإثنين على دفعتيْن اعتُبرت على نطاقٍ واسعٍ بأنها الأقسى التي تضرب لبنان في يوم واحد (من حيث عدد الانتحاريين) وأسوأ اختراق لأحزمة الأمن الاستباقي التي كان الجيش والأجهزة الأمنية قد تشدّدت في اتخاذها منذ بداية رمضان، استناداً إلى معطيات استخباراتية توقّعت تَعرُّض العاصمة بيروت والضاحية الجنوبية لهجمات إرهابية.

وبدا الرأي الغالب لدى الأجهزة الأمنية أمس، ان الإرهابيين استهدفوا القاع لدى انسداد السبل أمامهم نحو التوغل الى الداخل اللبناني، بفعل يقظة الأجهزة وتمكُّنها من توقيف خلايا عدة، أسقطت المخطط الاول، فكانت الهجمات على القاع القريبة جداً من الحدود بمثابة «المخطط ب» للإرهابيين.

وفي ظل الاستماتة التي عكستها موجتان من التفجيرات داخل القاع، تفيد المعطيات الأمنية بأن الجيش شنّ امس، ومنذ الفجر، أوسع عملية تفتيش ومسْح للقاع ومحيطها بحثاً عن إعداد إضافية محتملة من الارهابيين بعدما دفع بتعزيزات عسكرية ضخمة الى المنطقة. كما قام بعمليات دهم لمخيمات اللاجئين في منطقة مشاريع القاع (فيها نحو 27 ألف نازح) التي جاء منها الارهابيون وبدأ عمليات تدقيق واسعة وأوقف العشرات.

ويبدو واضحاً ان ثمة تحسباً لاحتمال ان يلجأ الارهابيون الى تنفيذ مزيد من العمليات التي تتسم بطابع المفاجأة سواء في البقاع او مناطق أخرى، إذ تؤكد المعلومات ان حملات دهم واسعة قام بها الجيش أمس ايضاً في مخيمات للاجئين السوريين في منطقة عكار الشمالية، ما يعكس ضمناً خشية الجيش ان يكون تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، الذي يرجّح وقوفه وراء الهجمات، ساعياً إلى تنفيذ مخططه المعروف باستهداف خط إستراتيجي بين البقاع الشمالي وعكار لإقامة إمارة تطلّ على البحر.

وتعزو المعطيات الأمنية الهجمة الجديدة الى عامليْن زمني وميداني، إذ كان متوقعاً لدى الأجهزة اللبنانية و«حزب الله» ايضاً حصول هجمات خلال رمضان، وهو ما بدأ يحصل فعلاً في الأيام الأخيرة من الشهر. كما ان الاندفاعة الإرهابية نحو لبنان كما الاردن كانت متوقّعة بعد نجاح الحملات العسكرية على «داعش» في العراق وسورية.

ولكن على الخطورة البالغة التي تكتسبها الهجمات على القاع، تبدو المعطيات الأمنية جازمة بان أهدافها قد أًسقطت تماماً ولن يكون وارداً نجاحها في تحقيق ما يتجاوز اختراقاتٍ أمنية ستظلّ محدودة ولو أدت لسقوط ضحايا كما حصل في القاع. وتلفت أوساط معنية في هذا السياق عبر «الراي» الى انه «لولا شجاعة أبناء البلدة ووقوفهم بقوّة خلف الجيش، لكان عدد الضحايا أكبر بكثير. ولكن المفارقة تمثّلت في ان أبناء القاع، رجالاً وحتى نساءً، حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم بالتنسيق مع الجيش»، فيما اشار نائب «القوات اللبنانية» انطوان زهرا الذي انتقل منذ صباح الإثنين الى البلدة وانتشرت صورة له وهو يحمل السلاح مع بعض الشبان الى إنني كنائب ومناضل في القوات كنت مع رفاقي بخدمة الجيش لمؤازرته في حماية المنطقة، وذلك قبيل الوصول اللافت للعميد المتقاعد شامل روكز (صهر العماد ميشال عون) بدوره الى القاع «للوقوف بجانب أهلها، واذا كان لازماً سأحمل السلاح الى جانبهم»، ليؤكد الرئيس سعد الحريري (غداة لقائه امير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني في الدوحة) ووسط عودة عنوان الأمن الذاتي «حصرية دور الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية في مكافحة آفة الإرهاب التي تتسلل إلى بلدنا».

وذكرت الأوساط نفسها ان «صورة الوضع لن تتضح قبل مرور بعض الوقت لمعرفة نتائج عمليات البحث الجارية عن إرهابيين وتَرقُّب كل الاحتمالات». علماً ان الاستنفار الأمني والعسكري الواسع حول البقاع الشمالي حوّلها أشبه بمنطقة طوارئ عسكرية كما اتُخذت إجراءات مشددة في مناطق أخرى بعيدة تحسباً.

وإذ حضر هذا التطور في اجتماعات أمنية رفيعة كما في جلسة مجلس الوزراء الذي وضع جميع المؤسسات الحكومية بحال استنفار كامل وسط تأكيد الرئيس تمام سلام ان ما حصل «ربما يكون مؤشراً لمرحلة جديدة مختلفة من التعاطي بمواجهة الارهاب»، ألغى «حزب الله» الإحياء المركزي لليلة القدر الذي كان مقرَّراً امس، في الضاحية الجنوبية، نظراً للأوضاع الأمنية المستجدة، فيما أرجأ أهالي القاع تشييع الضحايا الخمسة الذين سقطوا فجر الإثنين، والذي كان موعده بعد ظهر الثلاثاء، خشية وقوع استهدافات جديدة، ولا سيما ان جولة التفجيرات الاربعة الثانية ليل الإثنين (أسفرت عن 13 جريحاً) استهدفت اولاً تجمّع المواطنين أمام كنيسة البلدة.

وفي موازاة ذلك، ووسط تنديد دولي بتفجيرات القاع، شخصت الأنظار على تطوّريْن ذوي صلة بالارتدادات المحتملة لهذا الحدَث: الأول إعلان النائب وليد جنبلاط غامزاً من قناة انتخاب رئيس للجمهورية وفق «السلّة الكاملة» كما طرحها الرئيس نبيه بري «تجاوزنا الخطوط الحمر، وليكن انتخاب رئيس بأي ثمن والأهمّ في السياسة قبول مبدأ التسوية ولو تبدو مُرة للوهلة الاولى». اما الثاني فأمني - عسكري وأشارت اليه صحف قريبة من «8 آذار» من خلال تلويحها بامكان إطلاق الحزب «معركة تحرير جرود القاع وبقية السلسلة الشرقية» باعتبار «ان القاع تسابق حلب».