حديث الذكريات / «النجم العربي» يتوقَّف عند المحطات المفصلية في مسيرته الفنية نحو النجومية الساطعة (2 - 4)
وليد توفيق لـ «الراي»: فاجأتني النجومية... بعدما غنَّيتُ «عيون بهية» في «ستوديو الفن»!
| بيروت - من سامر القلعجي |
1 يناير 1970
05:26 م
أصبح كل الناس يغنّون «يا بهية»... وفي الشارع صاروا ينادون عليّ باسم الأغنية
تحولتُ نجماً بسرعة... لكنني لم أترك عملي في الكهرباء
سافرت إلى مصر وشاركت في فيلم «الكروان له شفايف» مع المخرج حسن الإمام
سافرتُ إلى سورية بعد الحرب اللبنانية... وعازف الغيتار عمر خورشيد توسَّط لي كي أعمل هناك
كل ما يخطر ببالك «انعرض عليّ»... النساء والمخدرات والقمار لكن تربيتي حصنتني منها جميعاً!
أنا عازف عود شاطر... وعزفي جعل لي مكانةً أمام عمالقةٍ كعبدالوهاب وعبدالحليم
أنا ووديع الصافي ومحمد عبده وصباح وطلال المداح سيطرنا على الأجواء في باريس
فيلم «من يطفئ النار» غيّر مجرى حياتي... ومحمد سلمان استطاع اكتشاف قدراتي الفنية
كان مهووساً بالفن منذ نعومة أظافره ولم يكترث للدراسة كبقية الأطفال، فكانت المدرسة بالنسبة إليه فسحةً للغناء أمام الناس فقط، مبتعداً بنفسه عن أعبائها الدراسية، لينتهي المطاف بتركه الدراسة عن اقتناع، متجهاً إلى العمل في الكهرباء لتأمين المال اللازم لتحقيق حلمه الفني.
«الراي»، في هذا الحوار مع وليد توفيق، تُعيد السير معه في الطريق الذي رسمه لنفسه، بدءاً من نجوميته الطفولية، ومروراً بالعام 1974 الذي كان مفصلياً في حياته، حينما عبَر بـ «عيون بهية» في برنامج «ستوديو الفن» آنذاك وخرج من بوابته نجماً متوَّجاً بالذهب، ليظل أحد المتربعين على عرش الغناء العربي حتى الآن.
وليد توفيق، ابن مدينة طرابلس، ابن بيت، ابن أصل، هذه العبارات والكثير غيرها تعكس مدى شهامة ونبل هذا الفنان.
لم يخب أمله، فقد مشى في درب النجومية وجال العالم طرباً بـ «صوتٍ» مسموع وعينين مرفوعتين وخُطىً ثابتة... فتبوَّأ مكانة فنية مميزة ووقَّع اسمه بأحرف ماسية اكتسبت المزيد من التوهُّج بعد زواجه من ملكة جمال الكون جورجينا رزق.
42 عاماً مضت على انطلاقته الفنية وما زال قلبه الفني ينبض بقوةٍ متجددة، تاركاً خلفه نجاحاتٍ متتالية كفلت له مكانة فنية تحمل اسمه، وتحقق له ما كان يتمناه في طفولته... وأكثر!
من الصعب أن تُختصَر 42 عاماً في كلمة أو جُملة أو حتى كتاب، لكن وليد توفيق باختصار هو كان وما زال وسيبقى أحد فرسان الطرب العربي.
دخلنا مكتبه وكان بيده هاتفه المحمول، بينما يشاهد مقطع فيديو ينتمي إلى أيام الزمن الجميل. وكان طبيعياً أن يتحدث توفيق عن تفاصيل هذا الفيديو، كاشفاً عن بعض الذكريات المتعلقة بذاك الزمن... ليختم كلامه بعبارة: «كأنها البارحة»!
«البارحة» هذه... صارت مفتتحاً للحوار الذي أجرته معه «الراي»، ومدخلاً إلى العالم الخاص لتوفيق، للتنقل بين ذكرياته، والتنقيب في معرفة تفاصيل حياته التي تُسلط هذه السطور الأضواء عليها:
• وبعد الشهرة المفاجئة بـ «عيون بهية»، ماذا كان ردّ فعل والدك؟
- والدي كان سعيداً.
• ألم تجد أي معارضة منه؟
- قليلاً منها في البداية، لكن عندما تابعوني عبر التلفزيون ولمسوا فرحة الناس بي «خلصتْ هون». في اليوم التالي من الحلقة أصبح كل الناس يغنّون «يا بهية»، وفي الشارع صاروا يندهون لي باسم الأغنية أيضاً. ومن دون غرور، أنا الفنان الوحيد الذي كان ينتظره حشد كبير من الناس قبل وصوله إلى مبنى التلفزيون.
• عقب «عيون بهية» أصبح تركيزك على الفن مضاعَفاً؟
- هذا صحيح، لكنني «ما تركت عملي لأنه كان بدي مصاري». في العام الذي شاركتُ فيه في برنامج «ستوديو الفن» حرصتُ على ممارسة مهنتي بكل محبة وتواضع، «وما كانت فارقة معي النجومية»، وقلتُ إنه «يوم ما يدخل لي مصاري من الفن بترك عملي».
• وماذا حدث لاحقاً؟
- لم أكن أكملتُ بعد العام الواحد في البرنامج، وكان المخرج حسن الإمام في لبنان يعمل على تصوير فيلم لهاني شاكر ونورا بعنوان «هذا أحبه وهذا أريده». لقاؤنا الأول كان في حفلة لي حيث تابعني برفقة المنتج محمد علي الصباح الذي تبناني لاحقاً، وخلال السهرة صرخ حسن وقال: «يجب أن يذهب هذا الولد معي إلى مصر فوراً». كنت أعمل حينها في مطعم اسمه «وديع مراد» في منطقة «باب إدريس» وكنا، أي متخرجي برنامج «ستوديو الفن» نغني فيه ويتقاضى كل شخص منا 100 ليرة في الليلة. ولهذا السبب لم أكمل المشوار مع مكتب «ستوديو الفن» والمخرج سيمون أسمر.
• ما الذكرى الراسخة في عقلك من برنامج «ستوديو الفن»؟
- عندما تخرجتُ منه ونلتُ الميدالية الذهبية، لا أنسى الكلمة الشهيرة التي قالها روميو لحود في الاحتفال باختتام البرنامج: «مع احترامي لكل النجوم الذين تخرّجوا الآن، إذا بدي اختار شخص للمسرح والسينما وشباك تذاكر فسأختار وليد توفيق». كلمته هذه لا أنساها، إذ أعطتني حينها دفعاً معنوياً فظيعاً. وبعد تخرجي من البرنامج سافرتُ إلى مصر، وشاركت في فيلم «الكروان له شفايف» مع سهير رمزي.
• يقال إنه حدثت مشكلة بينك وبين حسن الإمام، أخبرنا عنها؟
- لم تحدث مشكلة، ما حدث أنه في مصر يصرخ المخرجون على البلاتو، لأنه عند وقت التصوير يُوجد عدد كبير من الكومبارس، وهذا ما يجعل المخرج عصبي الطبع. كنت أغني في الفيلم أغنية لزكريا أحمد بعنوان «يا حلاوة الدنيا يا حلاوة»، وكان برأسي أسلوب فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ في الغناء، فأنا لم أتلقَّ أي دروس في هذا المجال، وعندما بدأتُ الغناء طلب مني حسن الرقص فأجبته مباشرة: «شو أرقص؟!» ذلك أن الرقص كان عيباً في بيئتنا. كان المخرجون يريدون أن يرقص البطل في الأفلام بالعصا كما حصل مع رشدي أباظة. تجاهلتُ طلب المخرج فصرخ Stop، وعاد وكرر طلبه وكررتُ رفضي أيضاً حتى أنه أحضر ابنه حسين الإمام وطلب منه تنفيذ المشهد أمامي، غير أن إجابتي كانت: «أنا ما برقص». غضب كثيراً حينها من تصرّفي. وأنا صوّرت الأغنية وصوّرت أغنية أخرى على العود بعنوان «خدعتني وقلت بحبك»، وعدت إلى بيروت، مع العلم أنه بمجرد وصولي الى مصر وقّعت على ثلاثة أفلام مع سيد طنطاوي رحمه الله.
• تركتَ كل شيء وعدتَ إلى بيروت؟
- هذا صحيح. وربما لو سمعتُ كلام حسن الإمام لكان ذلك أفضل، إذ كان الحق معه، لكن لم تكن لدي تجربة وكنتُ وحيداً، هذا عدا أنني لم أكن اكتسبتُ الخبرة والنضج الكافييْن، «ولهذا زعلت وأخذت على خاطري».
• وماذا حصل بعد عودتك إلى بيروت؟
- صوّرتُ أنا وكل مجموعة «ستوديو الفن» فيلماً في منطقة عاليه. وفي العام 1975 بدأت الحرب اللبنانية وهنا انتقلتُ إلى سورية.
• هل رشحك مكتب «ستوديو الفن» لذلك الفيلم؟
- رجعتُ إلى بيروت كوليد توفيق، ولم تكن هناك أي علاقة لي مع مكتب «ستوديو الفن». جاء المخرج سمير الغصيني وطلبني لفيلم لبناني - مغربي مشترك، وصوّرناه في بحمدون، وهنا اشتدّت الحرب كثيراً وانتشر الذبح على الهوية. وكنتُ أحيي حفلات رأس السنة في بيروت، بالإضافة إلى حفلات الأعراس بهدف كسب المال.
• لكن حتى تلك اللحظة كانت مكانتك الفنية لا تزال محدودة؟
- لا، بل كنت قوياً جداً، فأغنية «عيون بهية» جعلتني نجماً على الفور، وهذه هي مشكلتي وفرحتي في الوقت نفسه. كنت مطلوباً لإحياء الحفلات وللمشاركة في الأفلام، «وهيدي بحياتها ما صارت وهيدي ضايقتني بحياتي لأنها حرمتني من التصرف كإنسان عادي». لم أتوقع أن أحصل على النجومية بهذه الطريقة المفاجئة.
• وماذا حصل معك في سورية؟
- عندما هربنا إلى سورية، كانت معاناتنا كبيرة لأنه «ما كان في ساتلايت ولا فيديو كليب والناس ما بتعرفك، بسورية ما كانوا بيعرفوا حدا من خرّيجي ستوديو الفن». عازف الغيتار عمر خورشيد والممثل فريد شوقي كانا في سورية في ذلك الوقت، وعمر كان نجم النجوم في الغيتار وقتذاك، وأنا كنتُ أعرفهما بعدما شاركنا معاً في فيلم «الأستاذ أيوب» الذي صوّرناه بعد فيلم «الكروان له شفايف». نسيتُ أن أذكر لك هذه المعلومة في البداية، وبسبب «الأستاذ أيوب» نشأتْ بيننا علاقة جيدة، خصوصاً أنهما كانا مؤمنَين بنجوميتي. أخذني عمر إلى صاحب «نادي الشرق» وقال له: «إذا بدك تجيب حدا يغني بتجيب وليد توفيق»، فأجابه: «ما بعرفه، أرني صورته». فردّ عمر: «هو أمامك». فعاد وأجابه: «بدي شوف شكله بالصورة وإذا حلو متلك بشغله». وأريد هنا أن ألفت نظرك إلى العقلية التي كانت معتمَدة، وفعلاً عندما رأى صورتي قال لي: «بكرا بتبلش». عملت مع فريال كريم في ذلك النادي، ومن حظنا الجيد كان عدد اللبنانيين كبيراً في سورية وتقاضينا حينها 500 ليرة سورية في الليلة، وامتدّت الحفلات على مدى أشهر. الحمد لله، فُتح أمامي طريق السينما في سورية أيضاً، وشاركتُ في أربعة أفلام هي «ساعي البريد» مع صباح الجزائري ومحمود جبر، و«سمك بلا حسك» مع النجم الكبير دريد لحام وصباح الجزائري، و«زواج على الطريقة المحلية»، وفيلم «عروس البحر».
• وهل كانت وسامتك هي «الفيزا» لدخولك السينما؟
- من دون شك، فنحن في عصر الصورة والصوت، هذا بالإضافة إلى الكاريزما. لقد كنتُ مختلفاً عن غيري في ذلك الوقت سواء في تصرفاتي على المسرح كفنان أم في كيفية تعاملي مع الناس.
• كيف تدرّبتَ على التمثيل؟
- هناك حب متبادل بيني وبين الكاميرا. في ذلك الوقت كنا نعمل كل يوم وكان معنا ملحم بركات وسمير يزبك وطوني حنا وعصام رجي. جميعهم كانوا في سورية، واسمي وصل إلى مرحلة أصبح فيها كبيراً جداً في سورية، يعني الرقم واحد، خصوصاً في الحفلات، وذلك في الفترة الممتدة بين 1975 و1980. وحينما قررتُ العودة إلى بيروت، زادت حدة الحرب وعند الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 ذهبت إلى أوروبا وبدأتُ الغناء في باريس، ولندن مع وديع الصافي وصباح وحصلتُ على خبرة كبيرة هناك.
• يبدو أن طريقك كان سهلاً إلى كل مكان تذهب إليه؟
- كما أنه عندما كنتُ أترك أي مكان، يتوقف العمل فيه. أَوجدنا جواً مميزاً في باريس، وكنا مسيطرين على الأجواء هناك، وأعني وديع الصافي ومحمد عبده وصباح وطلال المداح وأنا، إلى أن جاء المنتج محمد علي الصباح ومحمد سلمان وعرضا عليّ فيلم «من يطفئ النار»، وهو الذي غيّر مجرى حياتي. أذكر أن أعمالي الغنائية في الفترة الممتدة بين 1975 و1980 وحتى 1982 كانت إما من ألحاني أو من ألحان ملحم بركات.
• كيف اكتشفتَ قدرتك على التلحين؟
- أنا عازف شاطر على آلة العود قبل احترافي الغناء. والعود كان ينقذني كثيراً أمام العمالقة كعبدالوهاب وعبدالحليم، وهو أساساً الذي شقّ طريقي في الجلسات الفنية مع النجوم. فأن تُمسِك العود وتتقن العزف عليه فهذا يجعل لك مكانة مهمة. وهنا في هذه المرحلة بدأت صورة وليد توفيق تتشكل كأول نجم لبناني في مصر بعد صباح له وجود سينمائي، وهذا سرّ استمراريتي إلى الآن، أي السينما. فمن العام 1980 وحتى 1990 شاركت في نحو سبعة أفلام.
• هل صنع محمد سلمان نجوميتك في مصر؟
- هو لاحظ إلى أين يمكنني أن أًصل. وأنا أعتبر محمد سلمان والدي الروحي، فكان دائماً إلى جانبي ويساندني في المواقف الصعبة. كنتُ طفلاً في مصر، وكان إلى جانبي كأب روحي وكان يعلّمني باللغة الفصحى أيضاً.
• ما الفارق في حياتك قبل عرض فيلم «من يطفئ النار»، وبعد عرضه؟
- فرق كبير. النجاح في مصر صعب، فهي عاصمة الفن ومهد الفن العربي، وهذا يلزمه أن يحبك كل منزل مصري. وإلى الآن يتنازعون حول ما إذا ما كنتُ مصرياً أو سورياً، وهذا لأنني مثّلتُ البيئة في كلا البلدين. هذه قوة السينما.
• سأعود الى كلام والدتك: «انتبه من كذا وكذا وكذا»؟
- «كل ما يخطر ببالك عُرض عليّ»، من نساء إلى المشروب إلى المخدرات وصولاً إلى القمار. كل هذا كان أمامي، فجوّ السهر والفن بماذا يرتبط؟... شاب وسيم ونجم في الفن، ولذا تلقيتُ الكثير من العروض والإغراءات، لكن دائماً كان الله «محاوطني» برضى أمي وأبي.
• ألم تضعف قط أمام أي إغراء؟
- لا، أنا أضعف فقط أمام الحب. أنا شخص حبّيب.
• هل ضاعفت نجوميتك حظوظك مع النساء؟
- كثيراً.
• أخبرنا عن هذه الناحية، ومدى الغرور الذي أصابك؟
- لم يتشكل عندي أي غرور، والحمد لله.
• ألم تكن «نسونجي»؟
- كنت «حبّيب»، ولستُ «نسونجي».
• وهل كنتَ تسعى إلى التعارف مع النساء؟
- كنتُ أخاف كثيراً في هذا الموضوع. لن أقول إنني ملاك، لكن تربيتي في المنزل هي الأساس، فمن شبّ على شيء شاب عليه. التربية التي يتلقاها الإنسان في صغره مهمة جداً لحياته. وصحيح أننا تربينا في منزل متواضع، لكن الإيمان كان يغمرنا وأخذتُ من والدي (رحمه الله) الكثير من الصفات. تابعني والدي في حفلة واحدة فقط خلال حياته وما لبث أن فارقنا.
• ألمس الحزن الشديد عندما تذكر والدك؟
- «لأني ما شفته»، كنت أراه مرة واحدة في السنة، وذلك بسبب بقائه في حرم الكعبة الشريفة.
• نعود إلى الكلام عن تجاربك؟
- لن أقول لك إنني كنت ملاكاً. ففي النهاية أنا شاب كبقية الشباب، لكن كنتُ أحاول كثيراً ألا أقترب من الأفعال الحرام.
• هل كنت متديناً في شبابك؟
- أخاف الله طوال عمري وملتزم بصلاتي وقمتُ بأربع عمرات حتى الآن.
• وهل أنت مقتنع بمسار حياتك؟
- أكيد، لم أتغيّر، بل على العكس أنا مقصّر قليلاً بواجباتي الدينية.
• ما كان حجم العروض المغرية التي تلقيتها من النساء في شبابك؟
- كثيراً، لم أتعرف على الكثير من النساء في الوسط الفني، لكن جمعتني علاقة حب بإحدى الفنانات. الحمد لله، أكثرية الفنانات اللواتي عملن معي في السينما شريفات، ولهذا فوجئتُ بالوسط الفني في مصر. عندما كنت أغمر الممثلة آثار الحكيم، كانت توقف يدي وتقول: «إذا كدا فبالحلال ونتزوج».