أوقعت 5 قتلى و16 جريحاً وأعادت الهاجس الأمني إلى الصدارة
لبنان: 4 تفجيرات انتحارية تضرب القاع البقاعية
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
03:38 م
لم يكن ينقص لبنان القابع في «قاع» المأزق الدستوري - المؤسساتي الذي يعبّر عنه الفراغ المتمادي في رئاسة الجمهورية، سوى عودة التفجيرات الإرهابية من بوابة بلدة القاع المسيحية في البقاع الشمالي، حيث فجّر 4 انتحاريين أنفسهم مخلّفين 5 قتلى من أبنائها و16 جريحاً.
ودهمت تفجيرات فجر أمس لبنان الذي كان يرسم أولوياته السياسية والسياحية على أساس «أجندة» انفراجية لموسم الصيف ومسار ضغط داخلي في محاولةٍ لـ «الإفراج» عن الاستحقاق الرئاسي، فإذا بعودة مسلسل العمليات الارهابية يقرع «ناقوس الخطر» مجدداً من «تشظيات» الحرب السورية وانخراط «حزب الله» العسكري فيها كما من الآفاق التي يمكن ان ينزلق اليها الوضع اللبناني «المكشوف» سياسياً والذي تصارع أجهزته ومؤسسته العسكرية لمنْع انكشافه أمنياً.
وجاءت «الهبّة الساخنة» من القاع، بعد أشهر من نجاحٍ كبيرٍ حققتْه الأجهزة الأمنية في ضرب خلايا إرهابية نائمة سدّدت لها ضربات وقائية ولا سيما بعد تفجير برج البراجنة في الضاحية الجنوبية في نوفمبر الماضي (ادى الى سقوط 41 شخصاً وجرْح نحو 240 آخرين) والذي تم كشْف وتوقيف المتورّطين فيه. علماً ان الضاحية ومعاقل أخرى لـ «حزب الله» في البقاع سبق ان شهدتْ تفجيراتٍ بسيارات مفخّخة او بانتحاريين، بين عاميْ 2013 و 2014 على خلفية انخراطه العسكري في الحرب السورية، وهي العمليات التي لم توفّر السفارة الايرانية في منطقة بئر حسن (نوفمبر 2013) ولا المستشارية الثقافية الايرانية، قبل ان يعمد «حزب الله» الى اتخاذ اجراءات أمنية استثنائية جعلت اي تفجير انتحاري بسيارة مفخخة غير ممكن الى حد بعيد، لتعود التفجيرات في نوفمبر 2015 بدراجة مفخخة وانتحارييْن.
وما جعل التفجيرات الانتحارية المتلاحقة في بلدة القاع تكتسب دلالات خاصة، انها المرة الاولى يتم في عملية واحدة «استهلاك» 4 انتحاريين، كما انه لم يسبق ان وقع اي استهداف إرهابي ذي صلة بتداعيات الحرب السورية في مناطق مسيحية، من دون إغفال ان هذا الحدَث الدموي جاء وسط تقارير متلاحقة أخيراً حذّرت من عمليات إرهابية في أكثر من منطقة في بيروت وخارجها، وبعد ايام من إطلالة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله متحدثاً عن الأهمية «الاستراتيجية» لمعركة حلب وخوضها حتى النهاية، هو الذي تحدث قبل اسابيع عن «صيف ساخن» في المنطقة.
وكان لافتاً من سياق الانفجارات الأربعة كما من رواية مصادر أمنية لملابسات ما حصل، استبعاد ان تكون القاع في ذاتها هي المستهدَفة، بل ان انكشاف احد الانتحاريين هو الذي فتح الباب امام «الضغط على زناد» الأحزمة الناسفة الواحد تلو الآخر، من دون ان يتّضح الهدف الرئيسي الذي كان الارهابيون يريدون الوصول اليه.
وفي هذا الإطار، أبلغت مصادر أمنية رفيعة الى «الراي» ان الانتحاريين الذين تسلّلوا الى القاع سيراً على الاقدام، كانوا يعتزمون إما الانتقال الى أمكنة أخرى في لبنان ربما لاستهداف إفطارات حاشدة او مصلين في ليالي القدر، او كانوا خططوا لاستهداف باصات للجيش اللبناني تنطلق من المنطقة قرابة السادسة والنصف صباحاً.
وتقاطعت المعلومات حول كيف استفاقت القاع، التي كانت تستعدّ لإحياء الذكرى 38 للمجزرة التي ارتكبتها فيها الوحدات الخاصة السورية ليل 27 - 28 يونيو 1978، على المسلسل الانتحاري، اذا أشارت الى ان شخصاً من عائلة طلال مقلّد سمع عند الرابعة الا عشر دقائق فجراً اصواتاً خارج منزله القريب من كنيسة البلدة، وشاهد من خلال النافذة شخصين يتنقلان بشكل مريب داخل حديقة البيت. وبخروج ابن طلال لسؤالهما عن أسباب وجودهما وعن هويتهما، ردّ أحدهما بأنه من مخابرات الجيش. وبعدما ارتاب مقلّد من لهجة الشخص ولاحظ وجود شخصيْن آخريْن برفقتهما في الجهة المقابلة، استلّ سلاحاً يملكه واقترب مسافة امتار من الانتحاري وأطلق النار في الهواء عندها اقدم الانتحاري على تفجير نفسه في وقت ابتعد مَن كان برفقته عن المكان. وفور وقوع الانفجار الأول، وصلت سيارة تابعة لمخابرات الجيش اللبناني الى المكان فهرع انتحاري ثانٍ اليها وفجّر نفسه بها بعدما كان اختبأ قرب موقع الانفجارالأول، وبوصول سيارة الإسعاف التابعة للكنيسة سارع الانتحاري الثالث في اتجاهها وفجّر نفسه، ليتبعه الانتحاري الرابع بعد تجمّع مزيد من الاهالي الذين كانوا يطلقون النار في الهواء.
وفيما أشارت تقارير بعدها الى وجود انتحاري خامس جرى توقيفه في مشاريع القاع، نفت مصادر أمنية هذا الأمر مرجّحة ان يكون الانتحاريون الاربعة (تم حسم ان ثلاثة منهم سوريون) دخلوا البلدة اساساً عبر «المشاريع» التابعة للقاع والتي تشكل امتداداً لكل من رأس بعلبك وعرسال والتي تحتضن عدداً كبيراً من النازحين السوريين.
وصدر عن الجيش اللبناني بيان جاء فيه: «عند الساعة 4.20 من فجر اليوم، أقدم أحد الإرهابيين داخل بلدة القاع على تفجير نفسه بحزام ناسف أمام منزل أحد المواطنين، تلاه إقدام ثلاثة إرهابيين آخرين على تفجير أنفسهم بأحزمة ناسفة في أوقات متتالية وفي الطريق المحاذي للمنزل المذكور، ما أدّى إلى استشهاد عددٍ من المواطنين، وجرح عدد آخر بينهم أربعة عسكريين، كانوا في عداد إحدى دوريات الجيش التي توجّهت إلى موقع الانفجار الأوّل. وقد فرضت قوى الجيش طوقاً أمنياً حول المحلة المستهدفة وباشرت عملية تفتيش واسعة في البلدة ومحيطها بحثاً عن مشبوهين، كما حضر عدد من الخبراء العسكريين للكشف على مواقع الانفجارات، وتولّت الشرطة العسكرية التحقيق في الحادث».
وبحسب البيان، فإن زنة كل حزام ناسف من الاحزمة الاربعة التي استخدمها الارهابيون بلغت 2 كلغ من المواد المتفجرة والكرات الحديدية.
وفور وقوع التفجيرات، ووسط تنديد سياسي شامل تقدّمه رئيس الحكومة تمام سلام والرئيس سعد الحريري، سادت القاع حال من التشنج، وسط تقارير أشارت الى ان عدداً من شبان البلدة عمدوا الى حمل السلاح واتخاذ اجراءات خاصة بعد الرعب الذي عاشوه. علماً ان راعي أبرشية بعلبك للروم الملكيين الكاثوليك المطران الياس رحال قال لموقع «النشرة» الالكتروني: «نريد أن نفجّر الأرض بالإرهابيين فأرضنا لن نتركها ولن نتخلى عنها وتراث أجدادنا سنحافظ عليه بأرواحنا وبدمائنا حتى».