وسط مؤشّرات لمراجعة جدية في العلاقة بين الحريري وجعجع بغية ترميمها
الرئاسة اللبنانية في «الثلّاجة» والبطريرك أصابه... اليأس
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
02:03 م
تُساوِر أوساط سياسية مسيحية بارزة في لبنان مخاوفَ واسعة مما تصفه بالتهميش الخطير الذي أصاب أزمة الفراغ الرئاسي في الشهريْن الأخيريْن والذي ينذر بمزيدٍ من تطبيع الرأي العام الداخلي والخارجي مع بلدٍ بلا رئيسٍ للجمهورية يمضي قدماً نحو التكيّف مع أسوأ أزمة سياسية ودستورية عرفها لبنان بعد اتفاق الطائف قبل أكثر من ربع قرن.
وتستند هذه الأوساط في مخاوفها الى جملةِ معطياتٍ تَعاقبتْ وبدت بمثابة وضع الملف الرئاسي في ثلّاجة التجميد في انتظار «أعجوبةٍ» ما، او انتظار أفضال القوى الاقليمية النافذة للالتفات نحو لبنان، الأمر الذي لا يضمن أحد حصوله في المدى المنظور.
ولم تُخْفِ هذه الأوساط عبر «الراي» استغرابها الواسع لعدم ملاحظة ايّ فريق داخلي معنى الانكفاء القسري الذي التزمه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي منذ فترة حيال هذه الأزمة، بما يعكس «حالة اليأس» غير المعلَنة من جدوى استمراره في قرْع جرس المطالبة والإلحاح لانتخاب رئيسٍ للجمهورية من دون جدوى.
وقالت الأوساط نفسها انه «رغم ان البطريرك الراعي لا يزال يتوِّج كل عظة او كلمة يلقيها في ايّ مكان ومناسبة بحضّ السياسيين على تَحمُّل مسؤولياتهم التاريخية في إنهاء أزمة الفراغ، فإن ذلك لا يحجب انكفاءه بشكلٍ واضح كما تقليله من استقبال السياسيين في بكركي منذ مدة، عاكساً على ما يبدو قراراً ضمنياً بذلك».
ولفتت الأوساط عيْنها الى ان «ما أعقب الانتخابات البلدية التي جرت الشهر الماضي أحدث مزيداً من الابتعاد عن أفق إنهاء الفراغ الرئاسي، نظراً الى إصاباتٍ موجعة نالت من قوى أساسية وجعلتْها تبدأ بمراجعة حساباتها حيال الملف الرئاسي في ظل المعطيات الجديدة التي أفرزتْها الانتخابات البلدية».
وفي مقدّم هذه القوى يأتي «تيار المستقبل» الذي شكّل دائماً رافعةً كبيرة للضغط السياسي والإعلامي من اجل انتخاب رئيسٍ للجمهورية، لكن ينبغي الاعتراف له بأنه لم ينل من ذلك إلا الضربات والخيبات، الأمر الذي بدأت تتضح معه اخيراً معالم فتورٍ واسع لدى زعيم التيار الرئيس سعد الحريري حيال الملف الرئاسي كلاً، تَرجَمَه باستمرار دعمه للنائب سليمان فرنجية ولكن مع اعترافه علناً للمرة الأولى الأسبوع الماضي بأن هذا الترشيح لم يؤد الى اي نتيجة بعد.
ولا تستبعد الأوساط ان يبقى ترشيح فرنجية على الطاولة، ولكن الحريري لم يَعُدْ يبدو على الحيوية نفسها التي طبعت المراحل السابقة. كما ان الأوساط تمضي في تعداد ظواهر التراجعات حيال الملف الرئاسي، فتشير الى تجدُّد التواصل بين الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من خلال إيفاد الأخير قبل أيام أحد القريبين منه ملحم رياشي الى «بيت الوسط»، وهو ما أَدرجتْه معلومات بعض المطلعين في اطار إعادة ترميم جدية للعلاقة بين الحريري وجعجع الذي يبدو راغباً في ذلك بقوة، ما يتعيّن معه التساؤل عما اذا كانت تجربة «تفاهم معراب» بين جعجع والعماد ميشال عون استنفدت «مرحلة شهر العسل» لتبدأ الآن حساباتٌ باردة مختلفة قد لا تُخفي في بعض طياتها مراجعاتٍ ضمنية حيال التحالف «العوني - القواتي». وهذا عاملٌ يزيد من عوامل استبعاد إحياء الملف الرئاسي قريباً، نظراً الى عجز القوى المسيحية عن مغادرة مواقع وضعتْ نفسها فيها ولم تعد تستطيع فكّ أسرها منها مثل ترشيح جعجع لعون في مقابل ترشيح الحريري لفرنجية.
اما العوامل الأخرى المؤثّرة في جمود الملف الرئاسي، فباتت تتأتى من تَراكُم استحقاقاتٍ تتخذ طابع الأولوية في الأزمات الساخنة اللبنانية، ومن أبرزها أخيراً كان ملف الأزمة بين القطاع المصرفي اللبناني و«حزب الله» الذي تذهب الأوساط الى حدّ القول انه مرشّح لأن يصبح بنداً ضمنياً في أيّ تسويةٍ محتملة للأزمة الرئاسية، فضلاً عن انه ترك تداعيات سلبية مباشرة على أحد أبرز المرشحين التوافقيين او المستقلين وهو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي نشأتْ حربٌ باردة بينه وبين «حزب الله». واذا كان الواقع الحكومي السائد لا يقدّم ولا يؤخّر في تحريك الملف الرئاسي، فإن الأوساط لا تخفي استياءها البالغ من سلوكيات بعض المسؤولين الذين يتصرّفون على قاعدة التكيّف مع الفراغ الرئاسي المديد ولا يبذلون اي جهد لتحريكٍ ضاغطٍ لهذه الأزمة التي باتت بابَ توظيفٍ واستثمارٍ سياسي وسواه لغالبية السياسيين في اي موقع كانوا.
وفي هذا السياق، جاء انعقاد مجلس الوزراء اللبناني، امس، مثقلاً باستقالة وزيرَيْ حزب «الكتائب» سجعان قزي وآلان حكيم من الحكومة، وهي الخطوة التي عكست ان مجمل الواقع الحكومي بات يعيش حال اهتراء بحيث بات التبرؤ منه، ولو شكلياً، «بابَ كسْب» شعبياً.
وبدا واضحاً ان حال «القرف» التي عبّر عنها رئيس الحكومة تمام سلام بعد استقالة وزيريْ «الكتائب»، التي ستبقى مقتصرة على مقاطعة الجلسات في موازاة استمرار مداومة قزي وحكيم في وزارتيْهما لتصريف الأعمال، صارت «حالة عامة» لدى غالبية الوزراء الذين بالكاد حضر العدد الكافي منهم امس، لتوفير نصاب الجلسة (الثلثان اي 16 من أصل 24)، علماً ان انسحاب الوزيريْن «الكتائبييْن» يضاف الى استقالة وزير العدل اللواء اشرف ريفي قبل نحو شهرين (الاستقالات الثلاثة لم تَصدُر مراسيم قبولها لانها تحتاج الى وجود رئيس الجمهورية)، لتصبح الحكومة مؤلفة عملياً من 21 وزيراً.