الدليل الفقهي / حُكْمُ أخْذِ شيءٍ من اللحية
| د. عبدالرؤوف الكمالي |
1 يناير 1970
11:50 ص
زاوية يكتبها الدكتور/ عبدالرؤوف بن محمد بن أحمد الكمالي
الأستاذ المشارك بكلية التربية الأساسية - قسم الدراسات الإسلامية، يقدم من خلالها الأحكام الفقهية لبعض المسائل التي تهم المسلمين.
السؤال:
بعد أن عرفنا في سؤالٍ سابقٍ أنّ جمهور العلماء يرى حرمة حلق اللحية، وهو أخذها بالكلية، فالسؤال الآن: هل يجوز أخذُ شيءٍ من اللحية ؟
الجواب:
ذهب كثيرٌ من العلماء – ومنهم الحنفية والحنابلة - إلى جواز الأخذ من اللحية إذا زاد طولها عن القبضة، وذهب بعضهم إلى تقييد الجواز بما إذا تشوّهت بإفراط طولها أو عرضها، وهذا منقولٌ عن الحسن البصري وعطاء من التابعين، وبه أخذ القاضي عِياضٌ والحافظُ ابنُ حَجَرٍ العسقلاني رحمه الله.
وقد نَصَّ الإمام أحمد رحمه الله على جواز أخذ ما زاد عن القبضة، ونقل عنه الحنابلة أنه أخذ من عارضيه،والعارض: هو صفحة الخد. وقد ثبت في صحيح البخاري: «وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته،فما فضَل أخذه». وقد اختلف العلماء في تأويل فعل ابن عمر رضي الله عنهما هذا، وقال الحافظ ابن حجر: «الذي يظهر: أن ابن عمر كان لا يخص هذا بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه»اهـ. وقد ثبت عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يأخذون ما زاد على القبضة.
وقد أخرج ابن جرير في «تفسيره» بإسنادٍ حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر قوله تعالى: في آية الحج: ( ثم ليقضوا تفثهم ) بأنْ ذكر منه الأخذ من العارضين، وكأنه رضي الله عنه تعمَّد أن يَنُصَّ على ذلك ليبين للناس جواز الأخذ منهما.
وهذا كله لا يعارض الأحاديث التي فيها الأمر بالإعفاء، وإنما هو يوضحه ويبينه؛ فإن الإعفاء معناه في اللغة الإكثار، كما قال تعالى: (حتى عَفَوْا وقالوا قد مس آباؤنا الضراء والسراء) أي: كثروا، والأمر بمطلق الإعفاء والإرخاء – الذي هو الإطالة – يصدق على أي فرد – معنًى – يتحقق به؛ كما لو قلت مثلاً لرجل: أكثِرْ من الصدقة، فبأي إكثار تمت به الصدقة يكون قد امتثل الأمر وحقق المقصود، ولا يُشترط أن يخرج ماله كله حتى يكون مكثرًا من الصدقة، وهكذا ما نحن فيه، فإذا ما تم الإكثار من شعر اللحية، تحقق المقصود والمطلوب، والله تعالى أعلم.