الأيام الأخيرة في حياتهم
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (3 من 5)
| سيد عبدالله الرفاعي |
1 يناير 1970
05:03 م
تحت هذا العنوان نعرض لحلقات يومية متتابعة على مدار أيام الشهر الفضيل، نقدم من خلالها وصفاً للأيام الاخيرة في حياة بعض الشخصيات التي كان لها اثر واضح في تاريخ الأمة الاسلامية، لنتخذ منها العبرة والعظة... والله أسأل التوفيق والسداد.
دخل أبولؤلؤة المجوسي ومعه خنجره المسموم، وكبر عمر تكبيرة الإحرام، وكبر خلفه المصلون ودخلوا في الصلاة، وقبل أن يبدأ في قراءة الفاتحة، خرج له أبو لؤلؤة المجوسي من وسط الصفوف وطعنه بخنجره المسموم ثلاث طعنات عميقة،واحدة في كتفه واثنتان في خاصرته وبطنه و كانت الطعنة في بطنه نافذة. فقال عمر: قتلني الكلب، أو أكلني الكلب، فسقط عمر على الأرض من قوة الطعنات ودمه يتدفق بغزارة وهو يقرأ قول الله عز وجل. (وكان أمر الله قدراً مقدوراً) (الأحزاب: 38).
وبعد ما طعن أبو لؤلؤة عمر بخنجره صار يطعن المصلين الواقفين في الصف الداخلين في الصلاة يطعن من يلقاه منهم يميناً وشمالاً فطعن ثلاثة عشر رجلاً، استشهد منهم سبعة، ولما رأى عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه المشهد المفجع أخذ بُرنساً وطرحه على أبي لؤلؤة ليلقي القبض عليه، فلما رأى أبو لؤلؤة نفسه داخل البرنس ولن يتمكن من الفرار قام بقتل نفسه بخنجره، فمات منتحراً، ثم تقدم عبدالرحمن بن عوف فصلى بالمصلين صلاة خفيفة قرأ فيها باقصر سورتين في القرآن، صلى ابن عوف والمسلمون، وعمر صريعاً أمامهم في المحراب، ولكنهم قدموا صلاة الفجر على إسعاف أمير المؤمنين، وذلك لأهمية الصلاة وخاصة صلاة الفجر، قال الله عزّ وجلّ: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً) (الإسراء:78)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: بقي عمر مغشياً عليه حتى أسفر النهار، وأوشك طلوع الشمس وهو لم يصل الفجر فقيل: إنكم لن توقظوه بشيء، مثل تذكيره بالصلاة فسيستيقظ إن كانت به حياة، فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين، الصلاة. فانتبه عمر من غشيته وقال: نعم الصلاة والله، ولا حق ولاحظ لمن تركها، ونظر في وجوهنا وقال: أصلى الناس؟ قال ابن عباس: نعم يا أمير المؤمنين. قال عمر: لا إسلام لمن ترك الصلاة، ثم قدموا له ماء وهو في المحراب، ثم توضأ، وصلى الفجر قبل شروق الشمس وإن جرحه ليتدفق دماً، وبعدما صلى عمر الفجر قال لابن عباس: اخرج فانظر من هو الذي قتلني؟ فسألت المجتمعين: من الذي طعن أمير المؤمنين؟ قالوا طعنه عدو الله أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة وطعن معه رهطا من المسلمين، ثم قتل نفسه. ثم رجع ابن عباس إلى عمر فقال له: هو غلام المغيرة بن شعبة. قال: الصانغ، قلت: نعم.
قال عمر: قاتله الله لقد أمرت به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام، والحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة واحدة سجدها لله. ثم حُمل عمر من المحراب إلى بيته وجراحه تنزف دماً ودعوا له طبيباً ينظر في جرحه، ولما جاء الطبيب سقاه نبيذ التمر - وهو حبات تمر نُقعت في الماء وتركت فيه ليحلو طعمه وليس هو النبيذ المعروف المسكر المحرم شرعاً - فخرج نبيذ التمر من جوفه صافياً، ثم سقاه لبنا فخرج اللبن من جوفه خالصاً.
فعلم الطبيب أن الضربة نافذة وأن الاصابة خطرة فقال لعمر: يا أمير المؤمنين اعهد بما شئت فإنك ميت.
ولما سمع القوم ذلك بكوا، فنهاهم عمر عن ذلك، وقال: لا تبكوا علينا ومن كان باكياً فليخرج.
وصار المسلمون يدخلون على عمر يزورونه ويواسونه ويودعونه ويثنون عليه بما فعل من خير، وجاءه شاب من المسلمين، فقال له: أبشر يا أمير المؤمنين بُشرى الله لك، فأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك قدم في الإسلام وهي ما قد علمت، ولقد وليت فعدلت، والآن ها هي شهادة لك في سبيل الله، فرد عليه عمر قائلاً: وددت لو كان ذلك كفافاً لا علي ولا لي، ولما قام الشاب وخرج من مجلسه نظر عمر إليه فإذا ثوبه طويل يجر على الأرض، فناداه عمر وقال له: يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأرضى لربك.
(يتبع غداً إن شاء الله)