في علم النفس الاجتماعي، تعرّف الهوية على أنها مجمل السمات التي تميز شخصاً عن غيره أو مجموعة عن غيرها، مثل الثقافة والسلوك والموقف من الذات الفردية أو الجمعية، والهوية هي شيء متحرك وديناميكي، ليس فقط عبر المكان بل عبر الزمان أيضاً.
والهوية الشخصية قد تشكل عاملاً للتقدم أو عاملاً للعرقلة والتخلف، تبعاً لنظرتها لذاتها، نظراً إلى أن الإنسان كائن اجتماعي، أي لا يستطيع العيش دون وجود وتعاون الآخرين، إلا من يرى في ذاته التفرد، أو يشعر بتضخم ذاته، التي تجعله لا يعترف ولا يعبأ بالآخرين.
فمنذ بداية التاريخ تميز الإنسان بالعمل الجماعي كي يستمر في البقاء، سواء من خلال الصيد أو الزراعة أو إنتاج الأدوات والبضاعة، وهو ما يشكل قوى الإنتاج، فلا يستطيع شخص مهما بلغت قدراته أن يعيش وينتج بمفرده، وحتى تميزه يتطلب وجود آخرين، وإلا كيف يقيس تفرده وتميزه، بل ويستخدم الآخرين لخدمة ذاته بكل الطرق، حتى وإن اقتضى الأمر التخلي عن قيمه الإنسانية، أو مخالفته للقوانين التي تحكم المجموعة.
ولم تظهر النزعة الذاتية إلا بعد ظهور الملكية الخاصة، ولذا تستولي على ذي الهوية الذاتية المتضخمة شهوة الاستحواذ، ولا يستطيع تذويب ذاته في ذات الجماعة، ولأنه يرى أنه يملك الحقيقة والإمكانيات الشخصية، فهو لا يثق بالآخرين قدر ثقته بذاته، وهو يتمنى إلغاء وسحق هويات الآخرين ليبقى من دون منافسة على الملكية.
وتضخم الذات هي مركب نفسي منذ الطفولة، درسه علم الاجتماع النفسي، الذي يهتم بسلوك الجماعة، ولاحظ أن مثل هؤلاء الأشخاص لا يتصرفون عشوائياً، ولكنهم يحلمون ويخططون مسبقاً وربما لفترة طويلة، ويرسمون سيناريوات ذهنية لحصد نتائج تحقق ذواتهم الخاصة.
وهؤلاء يشكلون مشكلة في المجتمعات والمجموعات، لأنهم لا يستمعون لرأي الآخرين ولا يقتنعون به حتى وإن كان جماعياً وصائباً، ومع ذلك يرون أن كل الجماعة مخطئة ورأيهم هو الصحيح، ولذا يصبحون معضلة حقيقية عندما يرأسون أو يحكمون.
وحتى يقللوا من شأن الآخرين، فهم يسفهون آراءهم ومواقفهم، ويصفونهم بأبشع الأوصاف حتى يحيدوا الآخرين عنهم، ولذا اخترع الإنسان قيما تضمن العمل الجماعي التعاوني، مثل الديموقراطية وأصوات الأغلبية، لتنعم المجموعة بحياة صحية مستقرة.
وموضوع الهوية طويل ومتشعب، ويحتاج إلى بحث ودراسة طويلين، لما له من تأثير على المجتمعات وتحضر وتطور الإنسان.
[email protected]