الحريري... و«الحالة الحريرية»
| حسين إبراهيم |
1 يناير 1970
06:57 ص
رغم وقع المفاجأة الذي أحدثه في لبنان فوز لائحة مدعومة من وزير العدل المستقيل أشرف ريفي في انتخابات بلدية مدينة طرابلس، على أخرى موالية لرئيس الوزراء السابق سعد الحريري وكبار زعامات الطائفة السنية في المدينة والبلاد عموما، فإن النتيجة هذه لها سياقها الواضح. المفاجأة كانت أكثر في أن تجرؤ طرابلس على فعل ما لم تفعله مدن وبلدات أخرى، في كل أنحاء البلاد التي ازداد استياء أهلها من قواها السياسية بشكل كبير، من دون قدرة على التغيير بسبب التوازن الطائفي والمذهبي الذي يحكم السلطة في لبنان.
وريفي الذي اصبح الآن شريكا مضاربا للحريري على مستوى القرار الطرابلسي والشمالي على الأقل، وبات يملك مشروعية شعبية يجب أخذها في الاعتبار، هو في الأساس حالة اعتراض داخل تيار الحريري، أي المستقبل، قد تكون في طريقها إلى التبلور على شكل انشقاق كامل عن التيار، ولكنها لم تصل إلى حد تشكيل مشروع زعامة سنية بديلة، لا سيما وأن ريفي نفسه لم يتنطح لمثل هذه المهمة، إذ سبق أن وصف نفسه بـ «الحالة الحريرية»، حتى بعد الخلاف مع زعيم المستقبل، كما أنه لم يعلن تأييده لا تصريحا ولا تلميحا لمرشحين على لوائح معارضة للحريري في أماكن أخرى مثل صيدا وبيروت، حيث فازت اللوائح التي يؤيدها المستقبل، ولو مع تسجيل أصوات اعتراض أعلى، وتحديدا في بيروت.
عوامل عديدة ساهمت في بروز «الحالة الريفية» ضمن «الحالة الحريرية»، من بينها غياب الحريري الطويل عن الأرض اللبنانية عموما والطرابلسية خصوصا، في وقت كانت المدينة تعيش أوضاعا صعبة جدا، إبان المعارك مع جبل محسن العلوي التي واكبت بدايات الأزمة السورية، وما انتهت إليه من حسم للأمور باتجاه التخلص من الوضع المسلح على الضفتين في المدينة، ضمن ترتيب إقليمي ودولي للوضع في لبنان، وهو ما اعتبره كثيرون من سكان المدينة غير عادل، ولا سيما بعد الاعتقالات التي شملت ما سمي قادة المحاور، الذين يُنسب إلى ريفي دعمهم.
لم يخسر الحريري وحده في طرابلس، بل لم يكن أكبر الخاسرين، ذلك أن اللائحة التي دعمها كان يتصدرها أنصار رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي، كما أيدها الوزير محمد الصفدي، وكذلك وريث الزعامة الكرامية فيصل كرامي والجماعة الإسلامية وجماعة الأحباش، بحيث يمكن أن تنسب خسارة هؤلاء إلى نقمة الطرابلسيين على كل السياسيين المسيطرين على قرار المدينة بمن فيهم الحريري، لا سيما وأن البلدية السابقة المحسوبة على البعض منهم فشلت في تحقيق اي إنجازات تنموية في المدينة بسبب الخلافات السياسية التي عصفت بها.
لماذا ريفي؟
أولاً لأنه يقف على يمين الزعامات التقليدية التي يرى كثيرون أنها لا تعكس المزاج السني في ظل الاستقطاب المذهبي الحاد الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، ولكنه لا يصل إلى حد التطرف الذي لا يستطيع حاليا أن يشكل بديلا للزعامات السنية في لبنان، وربما أيضا لأنه يبقى «حالة حريرية» أو خارجة من بطن الحريرية السياسية، أي لا يمثل التصويت للائحة يدعمها عملية قطع تامة مع تيار المستقبل الذي ما زال هو التيار الرئيسي للسنة في لبنان، رغم التراجع في نسبة التأييد له. والدليل أن حالة مماثلة لحالة ريفي وإنما اكثر ميلا نحو التطرّف، يمثلها النائب خالد الضاهر الذي خرج أو أخرج من عباءة المستقبل، حصدت مكاسب في بلدات بمنطقة عكار التي كانت تعتبر ايضا خزاناً شعبياً لتيار الحريري.
وثانيا لأن حرية حركته أكبر حين يتعلق الأمر بالعلاقة مع «حزب الله»، إذ في الوقت الذي وُضع فيه الحزب على لوائح الإرهاب الخليجية والعربية، كان وزير العدل المستقيل أكثر انسجاما مع هذا الموقف من الحريري المقيد باعتبارات لا تسمح له بالذهاب بعيدا، نظرا لاختلاط مؤيدي المستقبل و«حزب الله» في مناطق لبنانية كثيرة، بحيث يمكن للذهاب بعيدا في الموقف عند أي من الطرفين أن يؤدي إلى تعميق الصراع وربما خروجه عن السيطرة، ولهذا فإن الحريري كان مجبرا على الاستمرار في حوار مع الحزب لإبقاء الأوضاع مضبوطة.
مع ذلك استوعب الحريري سريعا الخسارة، وهنأ الفائزين، وهذا قد يصب في مصلحته، لأن الانتخابات الطبيعية ليست فوزا مستمرا، ولبنان في هذا المجال شواذ وليس قاعدة، حيث تطمح الزعامات التقليدية أو الجماعات السياسية للبقاء مدى الحياة ولا تقبل هذا النوع من التعددية في بيئتها.
ما زال الحريري ويبدو أنه سيبقى إلى حين، الزعيم الأول للسنة في لبنان، وعلى الأرجح ستساهم إقامته في البلاد في ذلك.