عندما يدق «الحب» .... قلوب الكبار!

عبد الحكيم عامر وبرلنتي... غرام الجنرال والجميلة / 21

1 يناير 1970 10:08 م
| القاهرة- من محمود متولي |
الحب فوق القمة... مثل الحب تحت السفح... لا يتغير... ولا يتبدل ولا يتلون... هو لمسة من السحر تمس القلوب فتطهرها... وومضة من الأمل تضيئها... وتغفل بها عن خطايا وذنوب الدنيا فلا يرى العشاق سواء كانوا فوق القمة أو أسفل السطح... سوى الحب والحبيب.
لكن يبقى غرام المشاهير، ونزواتهم أيضا كأنه سر من أسرار الدولة العليا... يغلفه المشاهير بالكتمان... سواء كانوا نجوم سياسة أو مال أو رياضة أو أدب أو فن... وأحياناً ينفضونه كأنه رجس من أعمال الشيطان، لا يهمهم غير أن تظل الستائر الكثيفة تخفيه وتخبئه عن عيون الفضوليين، لكن بعضهم يخرج أحيانا عن صمته... ويستدعي المأذون... ويسمح للصحف بنشر الخبر وللصور.
وأعظم ما في غرام المشاهير أن تخرج لتلامس شغف عيون الناس... أنه يسترد لهم إنسانيتهم... وضعفهم... ويجعل من الملوك رعايا، ومن الرعايا ملوكا!، وأحيانا لا يهدد العرش والصولجان... غير دقة قلب ينبض بها قلب «الرجل الأول» في الدولة... أو المملكة.
«الراي»... سبحت في دهاليز وكواليس غراميات ونزوات المشاهير، ورصدت آهات وعذابات وآلام ودقات قلوب كبار نجوم القمة والمشاهير... سواء كانوا من الرؤساء أو الملوك أو الشعراء أو الفنانين أو المفكرين... لكشف أدق أسرار الحياة الخاصة بهم من خلال هذه الحلقات... في السطور التالية.

انتصف ليل القاهرة... وهدأت شوارعها...
في الواحدة صباحا تحركت سيارة المشير في مهمة غير رسمية ... لكنها كانت أحب مهمة إلى قلب القائد الكبير.
تحركت في اللحظة نفسها... سيارة النجمة السينمائية الكبيرة ... لم تكن في طريقها إلى الاستديو ... ولم تكن لديها أوراق سيناريو وحوار تحفظهما ... فالمهمة التي تتجه إليها لا علاقة لها بالتمثيل من قريب أو بعيد ... المشاهد حقيقية ... لا تصورها كاميرا ولا يقودها مخرج ... لكنها قصة حب اعتبرها كبار المسؤولين في الدولة أخطر قصة حب تهدد الأمن القومي للبلاد.
أمام أحد الشاليهات بالهرم توقفت السيارتان.
غادر عبد الحكيم سيارته بسرعة ... وغادرت برلنتي عبد الحميد سيارتها في لهفة ... تبادلا نظرة طويلة ... سار القائد والنجمة على قدميهما يتبادلان همسا تعجز أجهزة التنصت عن التقاطه، وفجأة أطلقا ضحكة مدوية كادت تقلق نوم الفراعنة ... بعدها دخلا معا من باب الشاليه ليختفيا معا عن جميع الأنظار التي يمكن أن تكون مشغولة بمراقبتهما.
الموقف خطير
قرر مدير المخابرات المصرية أنذاك صلاح نصر... أن يعيش ملف الحب الكبير كاملا ...
لم يعتمد... على التقارير التي تصله، ولم يكتف بالتحريات ... ولم تشف غليله التسجيلات ... تحول إلى مخبر خاص بنفسه ... كان ينتقل بسيارته ... يستغني عن حراسته ... يتحرك وحيدا ... لم يذهله سوى أن المشير عامر صديقه الحميم أخفى عنه الخبر ... وتكتمه ... ولم يبح به حتى لأقرب الناس إليه وجها لوجه أمام الحقيقة المذهلة ... قصة غرام ملتهب تنسج فصولها بين القائد والنجمة بعيدا عن عيونه ... دون أن يخبره بها صديق العمر... أدرك صلاح نصر أن تطورات القصة تقفز بأسرع مما يتصور ... منذ اللقاء الأول بين عامر وبرلنتي.
لم يكن اللقاء مؤتمرا سياسيا أو شعبيا بالمعنى المفهوم ... لكن الأجهزة الحكومية... كانت تختار عينات وشرائح تمثل الرأي العام ... يكتفي بها قادة الدولة في لقاء خاص يتعرفون من خلاله على نبض الشارع المصري... ورأي المجتمع في النظام والحكم والسياسة العامة ... وعندما تحدث الرجال أشادوا بالحكم وتغزلوا في النظام... تغنوا بسياسة الدولة ... أقاموا حفلات تكريم للقادة والثوار في كلماتهم ... وكاد اللقاء أن يتحول إلى مظاهرة تأييد ونفاق... لولا أن جاء الدور على برلنتي عبد الحميد نجمة السينما لتتكلم.
كانت تجلس في الصف الأخير ... لم يصل صوتها إلى أذن المشير الجالس فوق المنصة ... أو لعله أراد أن يستمتع بالصوت أكثر ... دعاها للتقدم إلى الأمام ... تحركت من مكانها في ثقة ... سارت في كبرياء ... لم يرهبها الموقف ... لم تفقدها الحراسة المشددة تركيزها ... وقفت أمام المنصة وكأنها تقف في قلب دارها.
وما كادت تنطق حتى تكهرب الجو ... اندفعت أيادي تغمز النجمة من الخلف ... وصيحات من القاعة تستنكر الحديث لكن المشير أشار إلى نجمة السينما بمواصلة الحديث.
هاجمت برلنتي بعض السلبيات ... انتقدت بعض أوجه القصور ... طالبت بالتحقيق في بعض الوقائع ... ضربت مثالا عن صديقة لها تم اعتقال والدها دون سبب أو مبرر أو سند من قانون أو واقع ... وكيف طال غياب الأب عن أسرته ... وفاضت دموع أبنائه وبناته.
نظر المشير إلى مساعديه فوعدوه بالتحقيق فورا!
نجمة السينما
انتهى اللقاء ... وانصرف الموجودون ... لكن المشير حرص على أن يصافح نجمة السينما الشجاعة قبل مغادرته للمكان... وعندما أوشك اللقاء على نهايته منحته برلنتي رقم تلفونها.
اتصل بها المشير ... أخبرها بالإفراج عن والد صديقتها البريء، تكرر الاتصال ... وتكررت اللقاءات.
لم يخطر ببال النجمة الكبيرة أن القائد الكبير سوف يحاورها في الأدب الغربي والأدب العربي ... يعقد المقارنات بين تولستوي وديكنز... وبين العقاد وطه حسين ... جلسات طويلة من المناقشات الفكرية والثقافية بعيدا عن السياسة ... ولعنة السياسة.
ولم يخطر ببال القائد أن النجمة على هذا القدر من الذكاء الحاد ... والثقافة الواسعة ... والجمال المثير ... نادرا ما كان المشير عامر يهتم بالنساء ... أو يستمع إليهن ... أو يقتنع بكفاءتهن ... لكنه أمام هذه المرأة شعر أنه مشدود رغم إرادته، ولم تخش برلنتي من اللقاءات المتكررة ... فالرجل لم يكن مراهقا أو ذئبا جائعاً.
تأجج الحب بين المشير والنجمة ... لكن شيئا ما كان يدور في الخفاء، ولكن عواطف الكبار ترصدها أجهزة الأمن باستمرار.
لم تكن برلنتي عبد الحميد تدري سر صفقات المال التي تسيل اللعاب وتلقي بها تحت قدميها ... لم تدرك سر عروض الزواج المثيرة التي انهالت عليها فجأة ... لم تنتبه إلى عروض التمثيل وأدوار البطولات التي يجرى تصويرها في استديوهات أوروبا.
لم تخبر برلنتي المشير بكل هذه العروض والصفقات التي تضعف أمامها النساء ... وتخطف أبصارهن .... وتسحر عقولهن ... خشيت أن تصارحه فيظنها تدفعه دفعا إلى الزواج منها ! ...
امتحانات صعبة
لم تعرف برلنتي... أنها تمر بامتحانات صعبة ... لو مر بها أقوى الرجال لرسب رسوبا هائلا ... اختبارات خطيرة كانت أجهزة الأمن رفيعة المستوى تجريها بمهارة فائقة للمرأة التي يمكن أن تحكم مصر ذات يوم لو كتب النجاح لهذا الغرام العنيف.
نجحت نجمة السينما دون أن تعرف أنها خاضت امتحانا عسيرا، وهكذا كانت صورة برلنتي عبد الحميد في ملفات الأمن رفيعة المستوى.
لكن الحذر كان مطلوبا ... والشكوك قائمة ... والمخاوف على أشدها بين كبار رجال الدولة ... فقد تكون الممثلة الحسناء «مدسوسة» من أعداء الثورة ... أو «جاسوسة» دفع بها أعداء الدولة ... من يضمن أنها لن تحاول أن تمتلك زمام الأمور كلما أحست باندفاع زوجها نحوها ؟ ... ولهفته عليها ورغبته فيها؟.
ألا يمكن أن تصبح المرأة التي تسير الأمور في مصر خلف كواليس الحكم إذا ما تولى المشير رئاسة مصر تحت أي ظرف من الظروف؟! ... ألا يمكن عندما تتمكن من احتلال عاصمة زوجها أن تمارس دلالها عليه وتشارك في تعيين وإقالة كبار الرجال في الدولة؟!... ألا يمكن أن تصبح أسرار الدولة مشاعا في بيوت الفنانين وبلاتوهات السينما؟! ... من يضمن أن تتحول برلنتي النجمة الساطعة إلى ست بيت تمثل «بخاطرها» ... لا تسمع . لا ترى، لا تتكلم ؟!
وتراجع صلاح نصر ... وقدم تقريرا بكل القصة وأدق التفصيلات إلى الرئيس جمال عبد الناصر.
وانتهى التقرير بمعلومة خطفت عيني الرئيس وأثارت الرعب في قلبه ... قالت المعلومات إن المشير قرر الزواج من نجمة السينما ... وأنه لم يحاول مصادقتها لأنه لا يعترف بعلاقات الظلام ... ونهش الأعراض ... والبصم على الأجساد كما يعشق آخرون.
قالت المعلومة أيضا إن المشير قد صارح الممثلة برغبته في الزواج منها . لكنها طلبت منه أن يفكر جيدا ... وأن يؤجل قراره حتى تستقر عواطفه ويتمكن من ترويضها.
لكنه عاد وأكد لها أنه لن يستطيع أن يمسها بيد إلا إذا أصبحت «حلاله» وزوجته على سنة الله ورسوله، وقالت المعلومة إنه لو أراد المشير مصادقتها دون زواج فلن يجد منها ترحيبا بعد أن استعصت على كل الرجال الذين عجزوا عن اقتحام عرينها ... سواء من صادقتهم برلنتي قبل معرفتها بالمشير ... أو الذين دفعت بهم الأجهزة الأمنية لاختبار أخلاق نجمة السينما.
داخل شاليه الهرم كانت النجمة اللامعة تبكي بعنف، لقد صارحها المشير بأنها نجحت في الاختبارات الصعبة ... وتأكدت أجهزة الأمن رفيعة المستوى من أنها امرأة فوق مستوى الشبهات ... واطمأنت على أخلاقها ... وطمأنته.
قال لها المشير إنه لم يشك فيها لحظة... وأخبرها بأن تستعد للزواج بعد سبعة أيام، وصباح اليوم التالي استدعى الرئيس عبد الناصر ... نائبه عبد الحكيم عامر، وأكد المشير للرئيس أن زواجه من برلنتي عبد الحميد لا رجعة فيه، وقال له الرئيس : مبروك يا عبد الحكيم.
الزواج... سرا
وارتسمت السعادة فوق وجه المشير ... لكن الرئيس عاجله بسؤال سريع :
هل سيعرف الناس بأمر هذا الزواج ؟!
أنا أفضل أن يظل سرا ... وبرلنتي ليس لديها مانع في ذلك ... وسوف تعتزل الفن وسوف تختفي أخبارها وصورها من كل أجهزة الإعلام والجرائد والمجلات .
اطمأن الرئيس وصافح نائبه بحرارة.
لكن عبد الناصر لم يحضر حفل الزفاف الذي أقيم في شاليه الهرم... دون أن يدعى إليه غير أم العروس، وكان عقد القران قد تم في شقة النجمة بالعجوزة بالمهندسين ... وشهد عليه شقيقاه المهندس حسن وأخوه مصطفى ... لكنه كان حفلا أسطوريا رغم كونه زواجا عرفيا، مرت ليلة العمر كأنها لحظة خاطفة.
كان يداعبها أحيانا فيناديها باسمها الحقيقي «نفيسة بنت الحاج عبده»... فإذا بكلماته في أذنيها أنشودة تتمنى أن تسمعها العمر كله.
وأحيانا أخرى يداعبها باسم المولود الذي تحمله في أحشائها منذ لحظة علمه بحملها ... كان يتمنى أن يطلق على مولوده الأول من النجمة اللامعة اسم عمر ... لكن جمال عبد الناصر اقترح أن يسميه «عمرو» وفور ولادة «عمرو» كشرت الدنيا عن أنيابها.
نكسة يونيو
وقعت هزيمة يونيو النكراء ... واهتزت شعبية عبد الناصر الذي بدأ البساط ينسحب من تحت قدميه ... أصابت الهزيمة كبرياءه في مقتل، وكان لابد من التضحية بكبش فداء لإنقاذ ماء الوجه ... وستر الفضيحة العالمية التي تناقلتها وكالات الأنباء.
عامل المشير مع الموقف برومانسية، واتفق مع عبد الناصر على أن يستقيلا معا ... ويتركا الحكم لزكريا محيي الدين... الرجل الذي يطمئن إليه الأميركان في الشرق الأوسط.
لكن عبد الناصر تعامل مع الموقف بشكل آخر متبعا سياسة أنا ومن بعدي الطوفان ... أعلن عن تنحيه وحده... فخرجت الجماهير عن بكرة أبيها تطالبه بالبقاء ... وألقى المتظاهرون بالطوب على بيت زكريا محيي الدين، وهتفوا ضد عبد الحكيم عامر ... وظهر عبد الناصر أمام المجتمع كله بأنه عائد على طلب الجماهير ... أما المشير فلم يطلبه أحد !
بيان الحقائق
فهم المشير اللعبة... فقرر إذاعة بيان بالحقائق كاملة ... لكنه وجد نفسه ممنوعا من دخول الإذاعة وإلقاء البيانات.
بعدها تتابعت الأحداث بشكل مثير ... أحال عبد الناصر رجال المشير وضباط الجيش المقربين منه إلى الاستيداع، ثم أعلنت أجهزة الإعلام عن تعيين الفريق أول محمد فوزي وزيرا للحربية... وقائدا عاما للقوات المسلحة.
اهتم المشير ببيته، ثم سافر إلى قريته «أسطال» بالمنيا «شمال صعيد مصر» ... وهرول إليه كبار قادة الجيش يطالبونه بالعودة مهما كان الثمن.
وتكهرب الجو السياسي في مصر ... وانطلقت الإشاعات لتقضي على سيرة المشير وسمعته بين الناس ... فهم المشير أن النية تتجه إلى تصفيته سياسيا ... واستثمار حرب الإشاعات ضده.
ملأت مصر الإشاعات تؤكد أن قادة الجيش سهروا حتى الصباح ليلة الحرب في أحضان النساء وأن المشير باع الحرب بسبائك الذهب اليهودية.
كان المقصود هو امتصاص غضبة الجماهير على طريقة إقالة مدرب الفريق الخاسر، وكأن مصر خسرت مباراة في الكرة وليست حربا كان العام كله يرقبها ويرصدها.
فهم المشير أن النية قد اتجهت إلى تصوير الهزيمة بأنها خسارة عسكرية لجيش ضعيف ... وليست هزيمة سياسية لنظام يرفض الموت والاعتراف بفشله الذريع.
وسطاء الرئيس
أوفد عبد الناصر الوسطاء إلى المشير ... عرض عليه أن يعود نائبا للرئيس . لكن بلا سلطات ... ونائبا للقائد الأعلى ... لكن بلا نفوذ ... ورد المشير على الرسل... بأنه لا يقبل دور «الطرطور».
ليتكهرب الجو بشكل مثير، ويتحول منزل المشير إلى ثكنة عسكرية بعد أن امتلأ بقادة الجيش من مؤيدي المشير ... وتصل المفاوضات مع المشير إلى نقطة التقاء جديدة.
عرض المشير أن يرحل من مصر إلى إيطاليا، وأصر عبد الناصر على أن يكون رحيله إلى يوغسلافيا.
أصر كل منهما على موقفه، ووسط هذه الأحداث الغريبة لم ينس المشير زوجته التي أصبحت أما منذ شهور.
اتصل ببرلنتي عبد الحميد ... في شاليه الهرم ... كانت تجلس كالمذعورة وهي تتابع الأخبار ومانشتات الصحف و إشاعات الشارع المصري ... تحجرت الدموع في عينيها ... كانت تحمل ( عمرو) فوق يديها وصورة المشير لا تفارق عينيها ... كلماته تعانق مسامعها ... ذكرياته في كل شبر... يتحرك فوق داخل الشاليه ... منذ فترة طويلة وصوت المشير لا تحمله إليها سماعة التلفون.
هبت من مكانها في لهفة ... بكت بشدة عندما سمعت المشير يحدثها بلغة تلغرافية موجزة ... لقد بدأ حديثه معها يناديها باسم الدلع الذي اختاره لها منذ زواجهما «بيلا» ... إزيك «لم تتمالك أعصابها ... انهمرت دموعها وهي تصرخ فيه ... «إنت فين يا حكيم ؟!».
لم يمهلها ... كان متسرعا ... صوته يكاد يختنق ... لم تدر النجمة أنها المكالمة الأخيرة ... مكالمة الوداع.
قال لها في اقتضاب: «أنا كويس ... بس حاسس بغدر ... المهم خلي بالك من نفسك... ومن عمرو ... وطول ما معاك عمرو يعني أنا معاك».
انقبض قلبها ... لكنها قبل أن ترد عليه أغلق الخط.
بعد لحظات داهم منزلها ضباط ... فتشوا المنزل ... بحثوا عن أوراق وملفات، واقتادوها إلى التحقيق... نكلوا بها ... عذبوها لتشهد ضد المشير استكمالا لمسلسل التشهير بالقائد السابق وتلويث سمعته وإفقاده شعبيته ... لكنها أبت أن تنطق بكلمة واحدة تسيء إلى حبيب العمر الذي أضاعه الزمن من يدها.
ذات يوم وهي داخل المعتقل وضعوا أمامها جريدتين صباحيتين ... الأهرام والأخبار ... المانشيت واحد في الصحيفتين ... «انتحار المشير» ... أطلقت برلنتي صرخة كادت أن تحطم الجدران ... «مستحيل» ... وقعت على الأرض... راحت في غيبوبة ... الحلم الجميل لا يمكن أن تحوله الأيام إلى كابوس مخيف.
شهر ونصف الشهر قضتهما في المعتقل... حتى أفرجوا عنها، عادت إلى منزلها... تحجرت قدماها... لفت انتباهها أن الضباط انتزعوا كل صور المشير من منزل الزوجية ... لكن صوته كان صاخبا في أذنيها وهي تتذكر آخر كلماته لها وعمرو فوق يديها : «وطول ما معاك عمرو يبقى أنا معاك!».
بكت وهي تلعن السياسة والأضواء ... لكنها حمدت الله أن المشير ترك لها شاهدا على غرامها الأسطوري ... طفلها عمرو.