رئيس مجلس النواب بالوكالة أكد أن «لا جذور لداعش» في البلاد

عدنان الجنابي لـ «الراي»: العراق اليوم في حالة انتفاضة على الأحزاب الدينية والمحاصصة الطائفية

1 يناير 1970 02:02 م
صحوة في البرلمان العراقي والمزاج الشعبي يتغيّر... فهل يُغيّر؟

ميسون الدملوجي: التيار الصدري جزء من المحاصصة والتغيير لا يحصل بوزراء بل بعملية سياسية متكاملة
في صورة التطورات العراقية، يبدو للناظر ان هناك تغيّرات في المزاج الشعبي العراقي تجلّت في تحرك المجتمع المدني في تظاهرات خطفت الأضواء و«صحوة سياسية» في البرلمان تَسبّب بها انكشاف الفساد.

وتشي الأحداث الأخيرة بأن العراقيين تلمّسوا فشل الإدارة السياسية لـ «بلاد ما بين النهرين» وعبثية الطرح التقسيمي لإعادة رسم خريطة العراق وضرورة بناء العملية السياسية عبر خطة تضمن الديموقراطية وتحافظ على التعددية وتمنع مخطط التقسيم الطائفي وترفض نظام الفرز والمحاصصة المذهبية وتشجع على قيام كتل سياسية عابرة للطوائف، وهذا ما بدا واضحاً في خطة رسمها نواب إصلاحيون داخل البرلمان، حيث ادى تحركهم وفضحهم للفساد الى عزل رئيس مجلس النواب سليم الجبوري بالتصويت الديموقراطي وتعيين عدنان عبدالمنعم الجنابي، الاقتصادي والسياسي العراقي رئيساً موقتاً بتاريخ 14 ابريل الماضي.

في المؤتمر الذي نظمه في لبنان «بيت المستقبل» تحت عنوان «مئة عام على اتفاقية سايكس بيكو: نظام جديد للشرق الاوسط» التقت «الراي» الجنابي، كما تحدثت الى النائبة في البرلمان العراقي ميسون الدملوجي، وهي رئيسة لجنة الثقافة والاعلام والمتحدثة الرسمية باسم ائتلاف الوطنية الذي يترأسه رئيس الوزراء السابق اياد العلاوي، وكان حوار حول واقع ومستقبل العراق اليوم.

الجنابي، تطرّق الى وضع الدولة العراقية في ظل تنامي حركة المعارضة في الشارع فقال: «من الصعب اليوم الحديث عن دولة وعن معارضة في العراق. هناك حكومة والحكومة منتقَصَة الإرادة بسبب عدم احتكارها للسلاح ووجود أسلحة خارج الدولة بيد ميليشيات شيعية بدرجة رئيسية وايضاً نتيجة ولادة ميليشيات سنية تريد محاربة داعش، ثم هناك البشمركة وهم من المقاتلين الأكراد، وهم بالتقييم القتالي آنفا أقوى من الجيش العراقي، ولذلك من الصعب القول الآن ان هناك دولة في العراق، كما لا توجد معارضة لأن هناك اعتراضاً على هذه الدولة من جهات مختلفة ومتعددة لدرجة ان من الصعب جمع اي ائتلاف بمعارضة»، مضيفاً: «العراق اليوم في حالة انتفاضة على الأحزاب الدينية والمحاصصة الطائفية. وعلى اي حال فان داعش لا جذور له في العراق ولن تكون الدولة التي يدعو اليها قائمة، مع ان مكافحة الارهاب ستطول لان الميليشيات المسلحة لديها اسلحة متطورة تكنولوجياً».

وعما اذا كان حلّ التقسيم قائماً، رد: «لا أعرف كيف ينظر أحدهم الى الجسم الذي اسمه العراق، فالقضية الكردية لها خصوصية يعترف بها جميع الأطراف في العراق، والأمور تحتاج الى معالجة تختلف عن تلك الواردة في الدستور العراقي. الخطورة في واقع الجسم العراقي تكمن في مشروع إلغاء الدولة من الاحتلال الاميركي. وبإلغاء الدولة نصيب العمود الفقري للعراق ولا تعود هناك امكانية لضبط الأمن والسلاح خارج الدولة. وما زاد الطين بلّة بروز ظاهرة جديدة هي درجة الفساد والتبذير التي بلغت حداً كبيراً يهدد كيانية الدولة».

وعن تفسيره لحركة المجتمع المدني الحالي واحتجاجه في تظاهرات بشعارات واضحة، يوضح الجنابي: «في العراق كان دائماً هناك مجتمع مدني، الا ان التدخل الأميركي والايراني وبروز قوى طائفية سنية وشيعية وقوى قومية كردية أدخل الخلافات بين العراقيين الذين أبقوا اتفاقهم على خصوصية العراق. الا ان قوى متسلطة طائفية شيعية -وهذه القوى لا تمثل الشعب العراقي حقيقةً - جاءت بعد ذلك لتضرب المجتمع المدني والتعددية المجتمعية ولتغلب فئة على اخرى، وهذه الانتفاضة الشعبية هي ضد الشيعية السياسية والطائفية السياسية، وهذا المجتمع المدني جزء من المجتمع العراقي، ومثقّفو العراق يريدون دولة مدنية متعددة فيها حريات وهذا ما عبّروا عنه».

وعما اذا كان بالإمكان ان تؤدي هذه الحركة المدنية الى تغييرات، شدد الجنابي على انه «ما لم يتم الحد من التدخل الايراني - الاميركي وأحياناً التركي في العراق لا يمكن ذلك، وهناك مَن يعتقد ان السعودية تتدخل لكن التدخل السعودي قليل جداً، وهي تهتمّ باليمن أكثر من اهتمامها بالعراق، وهناك ايضاً موجة في البرلمان العراقي تُحرِّك الوضع. ولكن التدخل الاميركي - الايراني الفاضح يحدّ من التغيير نحو الوجهة المدنية بسرعة، وفي ظل هذا التدخل الخارجي لا بد ان يستمر الحراك تجاه تشكيل دولة مدنية جديدة».

أما ميسون الدملوجي، فتشير الى ان من «الواضح ان هناك معركة أساسية في العراق هي المعركة ضد الارهاب والتطرف وتحرير محافظات العراق القريبة من الفكر الداعشي وليس فقط من التنظيم، ونجد صراعات اخرى انطلقت بعد دخول داعش»، مضيفة: «نحن مقبلون على صراع شيعي - شيعي بسبب تعدد الأطراف التي تحمل السلاح وانخفاض أسعار النفط وانعدام مصادر الثروة، وهناك ايضاً صراع سني - سني سيكون بعد انسحاب داعش، وأمر مؤسف ان العشائر السنية انقسمت في الوسط، بعضها كان حافظاً لداعش وبعضها تعرّض لتهجير من قبله، ويوجد صراع كردي - كردي داخل اقليم السلمانية وكركوك واربيل وأعتقد ان الصراع ليس سياسياً وحسب وانما له ايضاً جذور ثقافية. ناهيك عن عمليات التهجير التي تحصل للسنّة وعدم السماح لهم بالعودة الى المناطق التي تحرّرت ولا سيما حزام بغداد وديالا وصلاح الدين وهذا ينذر بصراع سني - شيعي».

وتتابع: «في رأيي اننا في المرحلة المقبلة سنشهد صراعات داخلية في العراق ولكن في الوقت نفسه هناك دينامية وتيار ينشأ ومصدره المحافظات الجنوبية، اي محافظات شيعية حقيقية تسعى لتجاوز الخلافات وبناء هوية وطنية عراقية عابرة للطوائف. اي اننا مقبلون على أكثر من احتمال في المستقبل، ليس على المستوى العراقي فقط، بل هناك تطورات اقليمية تلعب دوراً في رسم هذا المستقبل نتيجة الصراعات داخل القوى والمحاور الاقليمية وفي ما بينها بما ينعكس على العراق».

وعن تفسيرها لـ «هبّة» المجتمع المدني في العراق تقول: «يوم 30 يوليو من العام الذي فات كانت التظاهرات كبيرة، وقد دعا لها الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وانطلقت هذه التظاهرات في كل محافظات بغداد ورُفع فيها علم العراق وكانت المطالب عراقيّة والشعارات محاربة الفساد ووضع حد للمحاصصة من الأحزاب الدينية ولا سيما بعدما ظهرت طبقة اجتماعية رثة أفادت من هذا الفساد. والأنكى ان الأموال التي هُدرت ذهبت الى جيوب أشخاص قليلين ولم يتم استثمارها في العراق وانما خارجه. ومع انخفاض اسعار النفط وتصدير الثروة، كانت هذه البداية. ولكن أعتقد ان دخول التيار الصدري بطريقة منظّمة الى المعارضة وانضمام التيارات الأخرى تحت يافطة التيار الصدري كان له اشكالياته، لان التيار الصدري ايضاً تيار سياسي مشارِك في العملية السياسية وهو ايضاً لعب دوراً في المحاصصة. والمشكلة الأكبر انه اختزل المطالب بتغيير وزراء وليس بحصول تغيير واصلاح حقيقي للعملية السياسية. وهنا نختلف عن التيار الصدري. فنحن كتلة نيابية إصلاحية تَشكلت يوم 14 ابريل الفائت وقوامها 103 نواب حتى الآن على اساس رفض المحاصصة وخوض الصراع ضد هؤلاء الفاسدين وتغيير الحكم عبر عملية سياسية وطنية».

وماذا عن تأثير الوضع الاقليمي على التطورات العراقية؟ توضح الدملوجي: «هناك تدخلات كبرى، والتدخل الأكبر هو من ايران بما حوّل العراق ساحة صراع ايرانية - تركية، ايرانية - عربية، ايرانية - روسية. وبسبب وجود داعش، عادت القوات الأجنبية المسلحة وبقوة الى العراق لمحاربة هذا التنظيم. وهذه التدخلات الخارجية الواضحة تبقي نظام المحاصصة على ما هو، في حين انه عندما انتفض النواب وانتفضت الجماهير كان الموقف العراقي واضحاً على اختلاف الاتجاهات بأن المحاصصة تصبّ في خدمة الخارج. والتدخل الخارجي كبير ومؤسف ويعوق تطوير العملية السياسية في العراق».

وعن الخطة التي يمكن اعتمادها لإعادة العراق الى سكة الاستقرار وإنقاذ الدولة؟ تجيب: «نحن في الائتلاف الوطني وضعنا برنامجا واضحاً يبدأ بعملية محاسبة الفاسدين من خلال تحقيق جنائي محاسبي حول كل الأموال التي دخلت الى العراق وتَقصي الى اين دخل كل دينار. وهذا الأمر مدخل أساسي لإعادة ثقة الناس بالعملية السياسية، كما ان هناك منظومة تشريعات يجب ان تُفعّل او ربما تُعدّل او تلغى، وهناك قانون النفط والغاز وتوزيع الموارد الانمائية وقوانين اخرى وقانون مكافحة الارهاب ومحاربة البعث الذي كان له تأثير سلبي كبير على الوحدة العراقية. ثمة قضايا مختلفة ومنها مفوضية الانتخابات التي خضعت للمحاصصة وقانون المحكمة الاتحادية، وهناك قوانين كثيرة يجب ان تُعدل الى ان يتم بلوغ تشريعات جديدة في ما يتعلّق بها. وحتى قانون الأحزاب وقانون الخدمة المدنية يجب إدخال تعديلات عليهما، وهذا كفيل بتهدئة الشارع ووضع العملية السياسية على الطريق الصحيح».