حوار / «المبادرة الفرنسية تعيد طرْح قضيتنا على الأجندة الدولية»
نبيل عمرو لـ «الراي»: أصابع إيران ضعيفة في فلسطين وعليها الاقتناع بعدم وجود إمكانية لتغيير الخرائط
| بيروت - من فاطمة حوحو |
1 يناير 1970
02:03 م
الكثافة السكانية الفلسطينية سترغم إسرائيل على تقديم حلّ أو الموافقة على حلّ
أشار وزير الإعلام الفلسطيني السابق نبيل عمرو وسفير فلسطين السابق في القاهرة، إلى «تراجع مسار حل القضية الفلسطينية كثيراً بعد تنامي الإرهاب والعنف وأحداث سورية واليمن»، معتبراً أن «الفلسطينيين اليوم يحاولون قدر الإمكان تكريس الشخصية الوطنية من خلال السلطة الفلسطينية ومؤسساتها».
وشدد عمرو على «عدم التنازل عن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني ولا سيما تقرير المصير وإقامة الدولة والقدس إذا استؤنفت المفاوضات الدولية للتوصل إلى حلول للقضية الفلسطينية»، موضحاً أن «المبادرة الفرنسية بعقد مؤتمر دولي سيعيد القضية الفلسطينية إلى الأجندات الدولية، يضاف إلى ذلك المبادرة التي طرحها الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) والتي رحبت بها إسرائيل وهو ما يمكن أن يفتح المسار التفاوضي لكن ليس من الضرورة أن يؤدي إلى حل».
«الراي» التقت عمرو على هامش مشاركته في مؤتمر «مئة عام على اتفاقية سايكس - بيكو: نظام جديد للشرق الأوسط» الذي نظّمه «بيت المستقبل» في لبنان و«مؤسسة كونراد أديناور»، وكان معه الحوار الآتي:
• بعدما كانت القضية الفلسطينية تحتلّ الأولوية في العالم العربي، أصبحت اليوم شبه منسية مع تقدم قضايا أخرى في اهتمامات الداخل والخارج، من سورية إلى العراق واليمن وغيرها، فماذا يفعل الفلسطينيون لإعادة إحياء القضية الرمز في المنطقة؟
- لا شك في أن القضية الفلسطينية تأثرت سلباً وبصورة ملحوظة من خلال بروز القضايا المنافِسة والأكثر سخونة والأكثر إلحاحاً بحكم البُعد الإنساني وليس السياسي فقط لها. ولدينا مثلاً الحرب في سورية التي أفرزت للعالم قضية اللاجئين إلى جانب تنامي الإرهاب والعنف، ولدينا القضية اليمنية التي تترك تأثيراتها على منطقة الخليج، وهناك الوضع العراقي.
القضية الفلسطينية تبقى من القضايا الأساسية للعالم، إلا أن هناك ملفات استجدت، فتراجع مسار حل قضية فلسطين كثيراً. لكن في المقابل، الفلسطيني مصمم على أن يستمر في اعتناقه المبادئ الوطنية، وهو يدرك أن الوضع يزداد تعقيداً ولكنه يعمل على الحفاظ على الأسس التي تحمي قضيته وهو صامد في أرضه ويقوم بعملية بناء واسعة النطاق رغم ما يتعرّض له من اضطهاد وما يواجهه في ظل غياب الأفق السياسي، ويحاول قدر ما يستطيع أن يكرّس شخصيته الوطنية من خلال السلطة ومؤسساتها رغم صعوبات ذلك. فإسرائيل تحاول أن تستولي على مستقبل الفلسطينيين من خلال الادّعاء بأنها تملك حلاً أحادياً وهذا لا وجود له. إذن في السياسة عنوان المرحلة هو حلّ الدولتين، وهذا الحل أصبح صعباً إن لم يكن مستحيلاً، ولذلك قدَر الفلسطيني أن يواصل صموده على الأرض وهذا هو الآن مطلبه الأساسي، ولم نعد نطلب الآن أكثر من أن لا نرفع الراية البيضاء، وهذا ما يصر عليه الفلسطينيون، وأن لا نتنازل عن حقوقنا الأساسية وأهمّها حق تقرير المصير وإقامة الدولة بالإضافة إلى الحقوق الأخرى مثل حق العودة للاجئين وقضية القدس، وهذه قضايا لم ينسها الفلسطينيون وهي مطروحة على الأجندة إذا استؤنفت المفاوضات الدولية للتوصل إلى حلول.
• هل هناك أفق لمثل هذه المفاوضات الدولية اليوم وهل عقد مؤتمر دولي كما طرحه الفرنسيون جدي؟
- الآن برز تطور على الأرض من خلال المبادرة الفرنسية وطرح فكرة المؤتمر الدولي. وهذه مبادرة وإن كانت تقابلها معارضة قوية من إسرائيل وبرودة في الاستجابة من الجانب الأميركي، إلا أنها أعادت طرح القضية الفلسطينية على الأجندة الدولية. هناك مؤتمر سيُعقد في باريس وأُجّل لبعض الوقت، وهو سينبه إلى أن القضية الفلسطينية التي غابت عن التداول خلال الأعوام الماضية ستعود إلى أجندة الاهتمام الدولي، بصورة أقلّ قوة ربما، ولكن من حيث المبدأ ستعود. يضاف إلى ذلك أيضاً مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهي مبادرة أعتقد أنه رُحّب بها من إسرائيل ومن الفلسطينيين أكيد والعالم أيضاً، وكأنه كان ينتظر المبادرة المصرية التي يمكنها - إضافة إلى الجهد الدولي الذي بدأ يبلور ويراكم اهتماماً جديداً بالقضية الفلسطينية - أن تفتح المسار التفاوضي ولكن ليس من الضرورة أن يؤدي ذلك إلى حل. وبالتالي نحن في مرحلة إعادة تحريك القضية الفلسطينية وليس إيجاد حلول عاجلة لها.
• الصورة في الداخل الفلسطيني قاتمة نتيجة الصراع الفلسطيني - الفلسطيني ووضْع الحكومة ومصير الانتخابات الرئاسية، وفشل محاولات إصلاح ذات البين بين «فتح» و«حماس» و«الجهاد الإسلامي». والواضح أن هناك قوى إقليمية ما تزال قادرة على اللعب في الساحة الفلسطينية، فما ردّكم؟
- الخلل الداخلي جذوره فلسطينية، ولا أحبّ أن أخدع نفسي وأقول إن هناك مؤامرة خارجية فُرضت على الفلسطينيين. الفلسطينيون هم الذين صنعوا الانقسام وهم الذين يستطيعون إعادة الوحدة ولا يمكن لأي قوة أن تفرض انقساماً مناطقياً وسياسياً ومجتمعياً إذا لم تكن هناك استجابة من الداخل الفلسطيني. وبالتالي أنا أحمّل الفلسطينيين أولاً وأخيراً مسؤولية الانقسام ومسؤولية إنهائه. ويجب أن تكون الأمور واضحة ولا أحب الاختباء وراء الإصبع والقول إن هناك مؤامرة خارجية وان إسرائيل تحوكها. إسرائيل تستفيد من ذلك بالتأكيد، ولكن إذا كان هناك وعي فلسطيني وموقف فلسطيني راسخ لا تستطيع أن تفرض انقساماً على الفلسطينيين، بالعكس يجب أن يؤدي موقفها إلى رفد فعل وحدوي وليس انقسامي.
الجهود التي تُبذل لمعالجة الانقسام جهود ساذجة من جانب الطرفيْن وهي أشبه بمقاولة أشخاص يتحدّثون في العواصم: لقاء بين أبو مرزوق وعزام الأحمد وكأن القضية الكبرى يمكن أن تُحل بهذه الطريقة. ومع احترامي لجهود الأخوة الذين يعملون في هذا المجال إلا أن الأمور ليست هكذا، بدليل أن تسعة أعوام مضت ونحن ندور في حلقة مفرغة. الحلّ يكون إما بعقد المجلس الوطني الفلسطيني ليبلور حلاً وهو ما زال يتمتع بشرعية حتى الآن أو الذهاب مباشرة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية ليتسنى للشعب الفلسطيني ان يتحمّل مسؤولية إغلاق الأبواب المفتوحة على الانقسام وغيره. وبالتالي الحل ليس فردياً ولا هو مجرد حوار بين مندوب عن «فتح» وآخر عن «حماس». هذه قضية شاملة وبالتالي لا تُحل إلا من منطلق وطني شامل، مجلس وطني أو انتخابات رئاسية طبيعية. ومَن يتخذ قراراً بفرض الوحدة هو المؤسسة وليس فصيل أو شخص. المؤسسة الفلسطينية إما أن تتجدّد عبر الانتخابات أو يُستخدم فيها المجلس الوطني الشرعي.
• أليس لإيران أصابع في الانقسام الفلسطيني مثلاً؟
- إيران أصابعها ضعيفة، يعني لا تؤثر، فهي تعتمد على فصائل معيّنة لكنها ليست فصائل بالحجم الذي يخيفنا كفلسطينيين. نحن نعرف أن الأجندة الإيرانية مرتبطة بأجندة طائفية في نهاية الأمر، ونحن ليس لدينا هذا البُعد. إضافة إلى أن إيران خفّفت دعمها لحركة «حماس» وربما أيضاً لـ «حركة الجهاد الإسلامي» وهي الأكثر التزاماً بها. نحن كفلسطينيين نشاهد البُعد الإيراني على أنه غير مجدٍ في حصيلته وأنه يتبع أجندة مستحيلة. فليس هذا هو زمن الفرز الطائفي على العالم العربي، وحتى لبنان الذي توجد فيه امتدادات من هذا النوع، إلى أين ستصل الأمور فيه؟ لا أعتقد أن هناك إمكانية لتغيير الخرائط من خلال الدور الإيراني، كما أن هذا الدور يضعف من داخل إيران بالأساس وليس فقط من الامتدادات الخارجية، وبالتالي شخصياً لا أخاف على الفلسطينيين أيضاً من طريقة التدخل الإيراني. لكنني أنبّه إلى أن إيران صارت بحاجة إلى تعديل اللغة والسياسات والتوجهات التي تعتمد على أجندة مستحيلة، هي أجندة السيطرة، لأن وجودها غير مطروح إلا في الأماكن التي يوجد فيها شيعة، وتالياً هذا لا يشكل نفوذاً إقليمياً بل يؤدي إلى تراجعات في القضايا الداخلية للبلدان. وأنصح الإيرانيين، الذين في نهاية المطاف يوجد ما يجمعنا بهم كما يوجد ما يفرّقنا، أن يعدلوا خطابهم وطريقة تدخلهم وأن يهدؤوا مخاوف الغالبية العظمى من العرب.
• هل حل الدولتين يمكن أن يتحقق اليوم في رأيكم وما خيارات الفلسطينيين إن فشل؟
- أنا موضوعيّ. حلّ الدولتين كعنوان موجود وسيبقى لأنه مريح للكل أن يطالبوا به، لكن المشكلة انه عندما يوضع هذا الحل في مجال التطبيق سنواجه تناقضات هائلة في فهم كل دولة له. فإسرائيل تفهم الدولة الفلسطينية على انها شكلية ومسيطَر عليها أمنياً واقتصادياً، والفلسطينيون يفهمون الدولة الفلسطينية أنها دولة حقيقية مترابطة جغرافياً ولها كل خصائص الدولة وتمثل للشعب الفلسطيني بشكل جدي ثم تتفاوض على قضايا الوضع الدائم كاللاجئين والقدس والحدود وما إلى ذلك. اي ان الفهم الإسرائيلي والفهم الفلسطيني متناقضان وبالتالي هنا تكمن صعوبة تحقيق هذا الحل الذي ما زال «سلوغن» دولياً لم يتغيّر. ثم إن الكثافة السكانية الفلسطينية المتنامية، سواء داخل إسرائيل أم داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، لا يمكن لإسرائيل أن تسيطر عليها أو تحتويها، وهي سترغمها في نهاية المطاف على تقديم حلّ والموافقة على حلّ.