حوار / يرى أن واقع الأغنية العراقية ليس بخير... ومُعجب بشذى حسون

إلهام المدفعي لـ «الراي»: «عيب»... أن يمنح الفنان لقباً لنفسه!

1 يناير 1970 04:51 م
مشتاقٌ لجمهوري في الكويت... وأشعر بتجانس مع شعبها وترابها

أتمنى أن أشارك الكويتيين أفراحهم في حفل غنائي قريباً

الراحل عوض دوخي ظاهرة خالدة... نقل صورةً من تاريخ الكويت إلى العرب

الجمهور العربي أعطاني أكثر مما كنتُ أتوقع منه

أقدِّم فني لجمهوري من دون نقصان بالأداء والأحاسيس والمشاعر نفسها!
«من العيب فعلاً أن يمنح الفنان لقباً لنفسه، ثم يفرضه رسمياً على جمهوره»!

هكذا صرح الفنان العراقي الكبير إلهام المدفعي باستغرابه هذه الظاهرة الشائعة، مستنكراً أن يطلق فنان على نفسه «ملك الأغنية العربية»، بينما يصف آخر نفسه بـ «أمير الأغنية الفلانية»، ورافضاً في الوقت ذاته أن يخلع على شخصيته أي لقب، بالرغم من مسيرته الفنية الطويلة!

«الراي» حاورت المدفعي أثناء زيارته للكويت أخيراً، فأشاد بالجمهور الكويتي، متمنياً أن يشاركه أفراحه بالغناء له في أي مناسبة قريبة، معتبراً أنه غاب عشرة أعوام، رغم إرادته، عن الكويت التي يعشق ترابها وشعبها، وأعرب عن سعادته بالتطور الكبير الذي تحققه مع مضي الوقت.

المدفعي عاشق الفولكلور العراقي، الذي يرى أن الغناء في بلاده «ليس بخير»، استعاد ذكرياته من حقبة الستينات، محتفياً بعلاقته مع الفنان الراحل عوض دوخي واصفاً إياه بـ «الظاهرة الخالدة التي لم تأخذ نصيبها في الوصول للعالمية»، فيما عرّج على الفرقة الموسيقية التي أسسها في تلك الفترة وأطلقها من الكويت، كما تطرّق إلى محاربة نظام صدام لفنه ومنع نشر أغانيه.

المدفعي تحدث عن المطربين الشباب في العراق هذه الأيام، مبدياً إعجابه بشذى حسون، كما أثنى على الموسيقي اللبناني ميشال فاضل، كاشفاً عما بينهما من تشابه فني كبير وتعاون قريب... وتوقف بحديثه في محطات عدة... أما التفاصيل فمكانُها هذه السطور:

• في الآونة الأخيرة انتشرت بكثرة مسألة الألقاب الفنية حتى أضحت محلّ خلافات، وأحياناً تندر أيضاً... هل تؤيد هذه الظاهرة؟

- أنا شخصياً ضد هذا الأمر، ولا أحبذ منحي أي لقب فني، وأستطيع القول - مع الأسف - إن هناك فنانين يطلقون الألقاب على أنفسهم، فمنهم من يصف نفسه بـ «ملك الأغنية العربية»، وآخر يسمي نفسه «أمير الأغنية الفلانية»، وهذه الظاهرة في تقديري «عيب فعلاً»، لأن الملك هو من يتحدر من سلالة متمرسة في الحكم مئات السنين، ولكنك تفاجَأ بشخص ينصّب نفسه ملكاً على الجمهور! وللتوضيح، فإن الألقاب الفنية هي ظاهرة مصرية مئة في المئة، بدأها الإعلام المصري ووجّه إليها العالم العربي بعد ذلك.

• بعيداً عن الألقاب... ما سبب وجودك اليوم في الكويت بعد غياب عشر سنوات؟

- أنا في الكويت لزيارة عدد من أصدقائي القدامى، بعد غياب طويل عنهم وعن هذا البلد الجميل الذي تغيّرت ملامحه كثيراً بالنسبة إليّ لناحية المعمار والتطوّر.

• لكنك في الستينات كانت تربطك علاقة صداقة مع الفنان الراحل عوض دوخي؟

- أعتبر الفنان الراحل عوض دوخي ظاهرة فنية خالدة، لأنه أعطى صورة من تاريخ الكويت إلى السامع والمثقف العربي، ومن وجهة نظري أرى أنه لم يأخذ نصيبه من الوصول إلى العالمية، لأنه في وقته كل شيء كان محدوداً ويعتبر محلياً كثيراً.

• ما نعرفه أنك في تلك الفترة أسّست فرقة موسيقية انبثقت من الكويت؟

- هذا صحيح، ففي منتصف الستينات كوّنتُ فرقة موسيقية انطلقت من الكويت، وأطلقت عليها «تويسترز»، وجميع أعضائها كانوا عراقيين، لكن بسبب طموحي في إكمال دراستي سافرت إلى لندن، وبقيت هناك سنتين فقط، لأعود بعدها مجدداً إلى الكويت، حيث بدأت دورة أخرى في الحياة من خلال دخولي مجال التجارة بعيداً عن الفن، وفي الوقت نفسه استطعت تأسيس فرقة موسيقية أخرى حملت عنوان «13.5» وكانت تتبع أيضاً نهجي الموسيقي.

• هل كانت هاتان الفرقتان تعملان بشكل احترافي؟

- كان تأسيسهما منبثقاً من مبدأ حبنا للموسيقى والفن، وليس بقصد الاحتراف، لكن مع مرور الأيام بدأنا في تكوين الأغنية العراقية والأغنية الحديثة استنباطاً من التراث العراقي، إذ في ذلك الوقت لم أكن أفكر في تلحين او كتابة الأغاني.

• هل حُوربت في الماضي من النظام الصدَّامي، إلى درجة منع أغانيك من الانتشار في العراق؟

- نعم هذا صحيح، لقد حوربت من النظام العراقي في عهد صدام، ومُنع نشر أغانيّ بالفعل، بالرغم من أن الأغنية التراثية الفولكلورية التي أقدمها هي ملك لي كمواطن عراقي، كما هي ملك لأي فرد من أفراد الشعب العراقي.

• من الماضي إلى الحاضر... كيف ترى حال الأغنية العراقية؟

- لا أنكر أن هناك أصواتاً ووجوهاً جديدة عراقية، وتبذل جهوداً في مجال الغناء، لكنني بالرغم من هذا كله لا أعتقد أن الأغنية العراقية بخير، والسبب وجود استعجال من الكثيرين لتقديم كميّة كبيرة من الأعمال، من دون مبالاةٍ بالنوعية.

• لمن من الفنانين الشباب العراقيين تستمع اليوم؟

- بصراحة لا أحد، لأنه وبشكل عام يهمّني التكلم عن فنان يهتم بالأغنية العراقية ذاتها، وليس عن «تاجر جنطة» يذهب إلى القاهرة وبيروت وغيرهما من العواصم العربية، ليبيع ما يقدمه، لكن بالرغم من ذلك كله يبقى كل واحد منهم لديه أسلوبه وجمهوره وشهرته.

• البعض من الفنانين العرب صرّحوا بأنهم قد وصلوا إلى العالمية لمجرد أنهم غنّوا في الدول الأوروبية، وبالمقابل أنتَ تمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة في تلك الدول، ولم تصرّح بما قالوه، فكيف ترى الأمر؟

- سأجيبك بمفهومي الخاص وبشكل مفصّل، إذ أنصح كل شخص بالدخول إلى محرك البحث العالمي «Google» وقراءة السيرة الذاتية لأي فنان والدرجة الموسيقية التي وصل إليها، ومن خلالها سيتمكن وحده من معرفة من يستحق لقب العالمية، وإن أردتَ الوضوح أكثر فيمكن القول إنني فعلاً وصلت إلى العالمية لناحية تفسيري للأغنية التراثية العراقية التي فيها قصّة ومعنى، وأيضاً من خلال تقديمي أغنية حقيقية معتمداً على آلات موسيقية حقيقية وليس إلكترونية، وبالتالي وجدتُ العالم بأجمعه مهتماً بما أقدمه لهم من فن، لأنه متعلق بالتراث القديم.

• المعروف أنك من الصعب أن تقتنع بصوت أحد ما، لكنك سبق أن غنّيت مع الفنانة شذى حسّون «دويتو»... ما الذي وجدته في صوتها؟

- شذى حسون هي فنانة من أبٍ عراقي وأم مغربية، كما أنها تغنّي باللغات الإسبانية والإنكليزية والفرنسية إلى جانب العربية، وتمتلك ثقافة كبيرة، وهذا كله ما شدّني إلى الموافقة على مشاركتها، وقد اجتمعت بها من خلال إحدى الشركات الكويتية التي دعمت أغنية «عليك اسأل» حتى ظهرت إلى النور.

• هل تشعر بالحنين إلى الغناء على المسارح العربية؟

- من دون شك أشعر بالحنين، وأتمنى العودة في أقرب وقت ممكن إلى الغناء في كل الدول العربية من دون استثناء، حيث إنني لم ولن أنسى أجمل ذكرياتي في كل البلدان التي سبق أن غنيتُ فوق خشبات مسارحها.

• يقال إن الفن «ولد في اليمن وبكى في العراق ورقص في مصر»... هل تؤيد ذلك القول؟

- أوافق على هذه المقولة، فهي حقيقية إلى حد كبير، ومسألة أن الفن قد بكى في العراق هي حالة ليس من السهولة وصفها، لأننا نحن متأثرون جداً بالأغنية العراقية والبغدادية بالأخص، بمعنى أن مقام البياتي يكتب ويعزف متشابهاً في كل أنحاء الدول العربية، لكنه في العراق تحديداً يُعزف بصورة مختلفة تميّزه عن غيره، والسبب أن ترجمة الإحساس فيها من فرط «الحنّية» توهم المستمع بالحزن، كذلك لا تنسَ وجود تلك الآلات الموسيقية التي تسهم في إيصال هذه الصورة مثل آلتي الجوزة والناي.

• بعد هذا العطاء الفني الذي يمتد على مدى سنوات طويلة... هل تعتقد أنك أخذت حقك كاملاً؟

- من وجهة نظري، أرى أن الجمهور العربي أعطاني الكثير... أكثر مما كنتُ أتوقع منه، فمن أكبر المسارح العالمية إلى أصغرها لم أجد منهم تقصيراً قطّ، ومن ناحيتي بصرف النظر عن عدد الحضور إن كان شخصين فقط أو مئتين أو ألفين، فإنني أقدم فني كما هو من دون نقصان بالأداء والأحاسيس والمشاعر نفسها.

• توقّفتَ عن الغناء لمدّة خمس سنوات... ما السبب؟

- توقفي هذه السنوات الخمس هي أمر لم يكن بالقليل أو الهيّن بالنسبة إلى أي فنان، وأسبابها كانت إدارية، مع شركات إنتاج عالمية، بالإضافة إلى حقيقة وجود التحميل المباشر للأغاني من الإنترنت، وبسبب ذلك أفلست شركات ضخمة عديدة، ما جعلها لا ترغب في صرف مبالغ باهظة على الأغاني، كما كان يحصل معي في السابق.

• حدثنا عن تعاونك مع الموزع الموسيقي اللبناني ميشال فاضل في جديدك المقبل؟

- الحقيقة أن ميشال يتميز بذوق موسيقي من درجة خاصة، وقد شعرتُ بأن بيننا تشابهاً كبيراً في الإحساس، وعندما التقيته في برنامج «ستار أكاديمي» حصل بيننا تعارف، وقررنا حينها إنتاج أغانينا الخاصة من جيبي الخاص من دون وجود شركة إنتاج تتبنى ذلك الأمر، ومن حينها بدأنا العمل بجهد كبير، وفي الفترة القريبة المقبلة سأنتهي من إعداد أربع أغنيات، وسأضمها إلى الألبوم الذي أنخرط في التجهيز له، وسيتضمن أربع عشرة أغنية تتضمن أغاني عراقية تراثية.

• هل ترى أننا نفتقر في زمننا الحالي إلى شعراء يكتبون بشكل مبدع وكلمات راقية وجميلة وعميقة تعيش إلى أجيال؟

- هناك كلمة جميلة وشعراء رائعون كثيراً، ولدينا من الشعر العربي ما يغطي سنين طويلة، لكن العيب الأساسي في ما نسمع يكمن في الفنان نفسه أو إدارة أعماله التي لا تنتقي الكلمة الجميلة الجيدة.

• هل أثرتَ في ابنك محمد - الذي يدير أعمالك - في دخوله إلى عالم الإعلام؟

- يمكن القول: «نعم»، لقد أثرت فيه بالتأكيد مئة في المئة، لكن ميوله تبدو بعيدة عن الغناء كثيراً، فهو يمتلك شخصية متميزة جعلت منه واحداً من الإعلاميين المعروفين في الأردن، وفي كل عام يقدم عدداً من البرامج التلفزيونية الناجحة.

• ماذا تقول لجمهورك الكويتي؟

- مشتاق لكم كثيراً، وأتمنى أن أشارككم الأفراح في حفل غنائي بالقريب العاجل، فأنا أعتبر الكويت وطناً وبلداً لي، وأشعر بتجانس مع هذا الشعب والتراب الذي يعيش عليه، (ممازحاً): «ما يصير كل عشر سنوات أزوركم مرّة».