عندما يدق «الحب» .... قلوب الكبار!
علي شفيق ومها صبري... غرام الجنرال / 20
1 يناير 1970
02:15 م
| القاهرة- من محمود متولي |
الحب فوق القمة... مثل الحب تحت السفح... لا يتغير... ولا يتبدل ولا يتلون... هو لمسة من السحر تمس القلوب فتطهرها... وومضة من الأمل تضيئها... وتغفل بها عن خطايا وذنوب الدنيا فلا يرى العشاق سواء كانوا فوق القمة أو أسفل السطح... سوى الحب والحبيب.
لكن يبقى غرام المشاهير، ونزواتهم أيضا كأنه سر من أسرار الدولة العليا... يغلفه المشاهير بالكتمان... سواء كانوا نجوم سياسة أو مال أو رياضة أو أدب أو فن... وأحياناً ينفضونه كأنه رجس من أعمال الشيطان، لا يهمهم غير أن تظل الستائر الكثيفة تخفيه وتخبئه عن عيون الفضوليين، لكن بعضهم يخرج أحيانا عن صمته... ويستدعي المأذون... ويسمح للصحف بنشر الخبر وللصور.
وأعظم ما في غرام المشاهير أن تخرج لتلامس شغف عيون الناس... أنه يسترد لهم إنسانيتهم... وضعفهم... ويجعل من الملوك رعايا، ومن الرعايا ملوكا!، وأحيانا لا يهدد العرش والصولجان... غير دقة قلب ينبض بها قلب «الرجل الأول» في الدولة... أو المملكة.
«الراي»... سبحت في دهاليز وكواليس غراميات ونزوات المشاهير، ورصدت آهات وعذابات وآلام ودقات قلوب كبار نجوم القمة والمشاهير... سواء كانوا من الرؤساء أو الملوك أو الشعراء أو الفنانين أو المفكرين... لكشف أدق أسرار الحياة الخاصة بهم من خلال هذه الحلقات... في السطور التالية.
ذات يوم كانت المطربة الصاعدة مها صبري... على موعد مع القدر في بورسعيد «200 كيلو متر شمال شرق العاصمة المصرية»... سافرت لإحياء حفلة عيد النصر مع كوكبة من فناني مصر، وكان كبار رجال الدولة يجلسون في المقاعد الأمامية ... وكان بينهم مدير مكتب وزير الحربية اللواء علي شفيق... أشاروا إليها نحوه بعد إنهاء وصلتها الغنائية ... نزلت إليه صافحته ... وكانت البداية.
بينما كان وزير الحربية المشير عامر يستعد للزواج من نجمة السينما برلنتي عبد الحميد ... كانت قصة حب أخرى تنسج خيوطها ببراعة ... أحد طرفيها اللواء علي شفيق مدير مكتب المشير، بينما كان الطرف الآخر المطربة المعروفة مها صبري.
وقائع القصة مثيرة ... وبدايتها أكثر إثارة ... عندما كانت النجمة الكبيرة مجرد امرأة مغمورة في باب الشعرية «بالقرب من وسط القاهرة» ... شهرتها لا تتجاوز الحيّ الشعبي البسيط ... فهي أجمل نسائه على الإطلاق ... وخروجها إلى الشارع يعني أن القمر يسير وسط الناس ... دون أن يهتم بواحد منهم ... الرجال يتابعونها بإعجاب مثير ... والنساء يحسدنها ... والمراهقات يقلدنها ! ... تزوجت من رجل غاية في البساطة ... وعاشت معه في حجرة متواضعة حتى أنجبت طفلتيها ! ... وبدأت المفاجآت تعرف طريقها إلى حياتها.
زكية... في المحل
ذات يوم رآها أحد منتجي السينما في أحد المحال التجارية ... لفتت انتباهه ... رفض أن يدع الفرص تفلت من يده ... عرض على صديقه صاحب المحل التجاري أن يحدثها في توقيع عقد سينمائي في الحال ... لم تصدق «زكية» نفسها ... عرض للعمل في السينما وبهذه البساطة.
أحست أن الرجل جاد معها ... وأن بمقدورها أن تلحق بالمشاهد الأخيرة من فيلم اقترب تصويره من نهايته ... طارت من الفرحة وعدته بأن ترد عليه في اليوم التالي.
عادت «زكية» إلى زوجها مرفوعة الرأس، ورفض عرض زوجته ... أقسم أن يطلقها لو مال برأسها حديث الرجال في الطرقات... توسلت إليه ... أغرته بالمكاسب الهائلة التي ستنقذها من هذا الفقر المدقع ... لكن الزوج أصر على عناده ... وهددها بالحرمان من ابنتيها لو اتجهت إلى هذا «الكار».
لم تنم «زكية» ليلتها ... درست الفرصة من كل الوجوه ... وفي الصباح كانت قد قررت أن تضحي بكل شيء ... الزوج والبيت والبنات من أجل الشهرة والمال والأضواء.
كانت واثقة من أن أحدا لن يسلبها شيئا رغما عنها، وأن المرأة الحرة هي التي تحمي نفسها ... والمرأة اللعوب هي التي تهوى ولو كانت في حراستها جيوش مؤلفة.
ذهبت إلى المنتج ... وأخبرته أنها قد حسمت الأمر، اختارت أن تخلع «الملاءة اللف» لترتدي أغلى الفساتين ... اختارت أن تودع الفقر إلى الثراء والغنى ... تتخير عطرها ... وتتزين بالألماظ وتركب المرسيدس ... وتحمل في حقيبتها دفتر الشيكات ... أحلام كثيرة كانت لا تعيشها إلا في المنام ... وها هي الآن أمام فرصة العمر وجها لوجه.
أول يوم تصوير لحست عقول الرجال، اشتعلت نار الغيرة في قلب المنتج إذا حدثها المخرج على انفراد ... وشاط المخرج غضبا إذا تودد إليها المنتج ورفع من أجرها ... كبار الممثلين تسابقوا للحديث مع النجمة الواعدة... كبار المخرجين تركوا الاستوديوهات وذهبوا إلى الأستديو الذي تصور فيه أول أفلامها ... انهالت عليها العروض ... أحدهم أخبرها أنه سوف ينتج فيلما خصيصا لها تكون هي بطلته المطلقة!
الوجه الجديد
لم تصدق أنها تعيش في الواقع ... انطلقت تغني في سعادة كوبليه لأم كلثوم... وآخر لعبد الحليم ... وثالث لنازك ... كان بين الموجودين لتهنئة المنتج بنجاح الوجه الجديد الذي اكتشفه أحد الملحنين المعروف.
قال الملحن للوجه الجديد: صوتك يجنن ... أنت معجزة.
والتفت الملحن إلى صديقه المنتج ينصحه بأن تغني «زكية» في الفيلم ... صوتها سوف يقلب الموازين في عالم الغناء المصري، وافق المنتج والمخرج ... اختارت لها اسما فنيا « مها صبري» ... وبالفعل لحن لها الموسيقى المعروف أغنية « قد إيه بحبك إنت»، وعندما ظهر الفيلم حققت الأغنية شهرة لم يتوقعها أعظم المتفائلين ...
أصبح اسم مها صبري على كل لسان ... وملأت صورها الجرائد والمجلات ... وباتت أغنيتها أشهر الأغنيات التي يطلبها المستمعون في برامج الإذاعة والتليفزيون ... وتكرر النجاح بين الثنائي «المطربة والملحن» ... كبر اسماهما ... لكن اسم مها صبري كبر أكثر ... وكانت النهاية الطبيعية الزواج الذي لم يعش طويلا.
دب الخلاف وفرض الطلاق نفسه للمرة الثانية في حياة النجمة التي نالت شهرة لم تحلم بها ... لم يضايقها الطلاق ... فهي تعيش أجمل سنوات عمرها ... الفيلا والسيارة الفارهة والحشم والخدم والمال والأضواء المبهرة.
نسيت أخبار باب الشعرية، ولم تعد تتذكرها إلا في أخبار الحوادث داخل الجرائد اليومية، ولم تكن قلقة ... نجمها يتألق يوما بعد يوم ...نجوم يتسابقون لنيل رضاها أو الفوز بابتسامتها أو نيل الشرف العظيم بالزواج منها.
ليلة بورسعيدية
ذات ليلة كانت على موعد مع القدر ببور سعيد... حيث سافرت لإحياء حفلة عيد النصر مع كوكبة من فناني مصر ... كان كبار رجال الدولة يتقدمهم المشير عامر يجلسون بالصفوف الأولى من مقاعد الحفل ... وكانت العادة أن ينزل كل مطرب بعد نهاية وصلته لمصافحة كبار المسؤولين.
بعد وصلة مها صبري الغنائية صافحت الكبار واحدا تلو الآخر ... حتى وجدت نفسها أمام مدير مكتب وزير الحربية اللواء علي شفيق، ولم تكن قد رأته من قبل ... لكنهم أشاروا لها نحوه من خلف الكواليس ... كانت مشغولة بأحد أقربائها الذي كلفها بأن تبحث له عن « واسطة» تريحه من عناء التجنيد ... وقفت مها صبري أمام اللواء علي شفيق تستجمع تركيزها ... حكت له عن مشكلة قريبها في التجنيد ... منحها رقم تلفونه وطلب منها أن تتصل به فور عودتها إلى القاهرة.
اتصلت مها صبري باللواء علي شفيق... دون أن تتوقع أنها البداية نحو الحب الكبير ... لم تكن قد خططت لهذا الرجل ... لم يشطح بها الخيال إلى الإيقاع بصاحب المنصب الكبير في بحر هواها.
تكرر الاتصال كالعادة، وتكررت اللقاءات، ولم يلتقيا منفردين مرة واحدة ... كانت تتعمد أن تقابله وسط زحام من أصدقائها وصديقاتها ... وكلما حاول مغازلتها ابتعدت عنه هامسة ... «بالحلال يا سي السيد».
حاول أن ينفرد بها فتجاهلته ... حاول أن يدعوها إلى زيارته فأصرت على أن تستضيفه دائما ! ... أدرك اللواء في النهاية أنه وقع أسيرا في هواها ... خضع لكل مطالبها ... رفضت الزواج العرفي فوافق على الزواج الرسمي ... اشترطت أن يطلق زوجته فلم يتردد.
أما هي فقد وافقت على كل شروطه ... اعتزال السينما والغناء والظهور في الأماكن العامة ... أن تحمي منصبه الكبير من القيل والقال وتحترم سمعة زملائه ومشاعرهم، وتم الزواج.
صخرة الزمن
لكن الأيام الحلوة سرعان ما تنهزم أمام صخرة الزمن ... لم تكن مها صبري أسعد حظا من برلنتي عبد الحميد ... وقعت النكسة وانتحر المشير «أو قتلوه»... وتم تحديد إقامة اللواء علي شفيق ... صرخت المطربة فزعا ورعبا ... ضاع الزوج وضاعت السينما وفقدت عرش الغناء الخفيف ... نجمها بدأ يخبو للأبد ... اسمها كاد الناس أن ينسوه ... ماذا تفعل.
ذهبت إلى أم كلثوم تبكي، وتشكو إليها سوء الحال الذي وصلت إليه ... وتوسطت أم كلثوم لدى كبار رجال الدولة.
وجاء الرد سريعا ... تعود للغناء لكن في غير الحفلات العامة، ودون نشر إعلانات عنها أو صور لها في الجرائد أو فوق أفيشات الدعاية في الشوارع.