الراي اليوم / عام مضى يا وجه الكويت

1 يناير 1970 07:13 م
عام مضى... طيف ذكراك كما طيف حضورك، رؤية وحلم ومحبة وابتسام وهدوء واحترام وبساطة.

عام مضى... وكأن الرمل المنسل من ساعة الذاكرة شريط صور وصوت ومواقف، لا يتوقف ولايريد الكويتيون له أن يتوقف.

وكيف ننساك يا أبا عبد المحسن وأنت احد الاسوار المعنوية والاخلاقية الكبرى التي حمت ما بقي من أصول في لغة التخاطب ومن مبادئ في لغة الاختلاف.

قامة تعبت وهي تصد التطرف في كل شيء... من الدين إلى المذهب الى الرأي الى الاسلوب. كيف ننساك والهواء الذي نتنفسه اليوم هواء متطرف، والسياسة التي نشهدها اليوم سياسة متطرفة، والآراء التي نسمعها كل يوم آراء متطرفة، والاسلوب الذي نراه كل يوم اسلوب متطرف.

رحمة الله عليك يا مَنْ كانت الوطنية مذهبك والوسطية دينك والاعتدال رأيك... والمحبة أسلوبك. تحمّلت كتفاك ما لم يتحمله أحد من افتراءات وطعن وتشويه واتهامات، وكنت تضاعف غيظنا عندما نلتف حولك غاضبين فلا نسمع منك سوى الدعاء لهم بالهداية والدعاء للبلد بالصلاح والإصلاح.

ما اتَهموك ولا خوّنوك ولا طعنوك ولكن شبّه لهم، فمَنْ احبك ازداد حباً وتعاطفاً معك ومَنْ بقي على الحياد رفع العقال احتراماً على رقيك وتحضرك، ومَنْ بقي مخالفا إياك الرأي خجل من جنوحه إلى مواقف متطرفة ولغة هابطة... ومَنْ منعته «تركيبته» النفسية والاخلاقية من الخجل، خجل المحيطون به لاحقاً من ترداد مواقفه.

أما أنت أيها الراحل الكبير، فكنت تزداد شموخاً في عيون أهلك وانصارك ومحبيك مردداً:«الحمد لله على كل شيء، كنت أخشى يوما يمدحني فيه هؤلاء فأصغر بعين نفسي وأشك أن خطأ ما يتسلل إلى مبادئي وسلوكياتي».

لم يحن الوقت بعد لكشف الدفاتر القديمة، وان كنت أنت اكثر الرافضين لفتحها. لم يكن في قاموسك أي خروج على أمانات المجالس حتى وإن كان ظلم مَنْ فتحت له قلبك اكثر مضاضة من وقع الحسام. واضح، صادق، مباشر تكيل بمكيال واحد حرصا على مَنْ توجه له النصيحة وخوفاً على البلد الذي حلمت بغلبة العقلاء فيه على الجهلاء. ولانك كذلك، لم يجدوا غير الافتراء... ولأنهم كذلك لم يجدوا غير الأساليب القذرة التي صارت مرآة تعكس وجوههم وأخلاقهم وتربيتهم. أما ردك الدائم فكان من آيات الذكر الحكيم:«أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ».

تفتقدك الكويت وستظل تفتقدك، يا مَنْ كنت محارباً لا يكلّ ولا يتعب دفاعاً عن الشرعية والدستور والمؤسسات والوحدة الوطنية وآمال الشباب بمستقبل واعد. ويا مَنْ كنت مقاتلاً لا يهادن ضد الطائفية والعنصرية والتطرف وسياسات الانحياز الأعمى المتقلبة والمغامرات غير محسوبة النتائج.

وقبل هذا وبعده، نشتاق إليك. إلى ابتسامتك وبساطتك ومجلسك وأخلاقك. إلى قلبك الكبير الأبيض الذي نبض بحب الكويت ولم تستطع كل الحملات أن تزرع فيه نقطة سوداء واحدة، لأنك مؤمن بتعاليم العلي القدير وبأن سلطانه فوق كل سلطان.

عام مضى يا جاسم الخرافي، يا رئيس، يا حبيب، يا قريب، يا شقيق. طيف ذكراك كما طيف حضورك. تذرف الكويت دمعة على الذكرى وينقبض القلب خوفاً على الصيغة والتجربة والوحدة والتماسك... نعود إلى ابتسامتك وتفاؤلك وإيمانك وثقتك ليعود الأمل إلى طرق الخير.

رحمة الله عليك

جاسم مرزوق بودي