هولاند استقبل الحريري بعد أسبوع على لقائه البطريرك الراعي

فرنسا ترمي بثقلها من أجل إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان... فهل تنجح؟

1 يناير 1970 12:27 م
اتجهت الأنظار إلى باريس أمس، التي بدت منخرطة في تحرك جديد مثير للاهتمام في شأن الواقع اللبناني، في وقت يغرق اللبنانيون «حتى آذانهم» في معارك الانتخابات البلدية والاختيارية، جولة إثر جولة، مع ما تثيره نتائج كل مرحلة من تقويمات وتداعيات وتقديرات، يَغلب عليها تضخيم الطابع السياسي لهذا الاستحقاق ويُبعده عن طبيعته المحلية الإنمائية الصرفة.

وجاء التحرك الفرنسي مفاجئاً لكثيرين، من خلال تطوريْن متلازميْن، تمثّل الأول في دعوة باريس زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري إلى لقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند امس، في قصر الاليزيه، بعد أسبوع واحد من استقبال هولاند للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وتَباحُثهما في ملف أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان. أما التطور الثاني فتمثّل في بدء السفير الفرنسي في بيروت إيمانويل بون جولة زيارات على المسؤولين اللبنانيين، تمهيداً لزيارة سيقوم بها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت الى بيروت في 27 الجاري، والتي ساد لغط حولها، بعدما أعلن السفير الفرنسي انها تهدف إلى التحضير لمؤتمر دولي لمساعدة لبنان على تجاوز أزمته السياسية والدستورية، قبل ان يوضح بون ان «لا مؤتمر تعدّ له فرنسا بشأن لبنان»، لافتاً الى ان «سوء فهم حصل بشأن هذا الموضوع»، ومؤكداً أنه سيصحح ذلك، كما أشار الى ان «كل طموح فرنسا هو عقد اجتماع لمجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان، وهي التي تعمل للأمن والاستقرار والحلول السياسية في لبنان».

وفي أيّ حال، اكتسب التحرك الفرنسي دلالات بارزة، لا تزال الأوساط اللبنانية تسعى الى معرفة أبعادها وآفاقها، خصوصاً أنها تتزامن مع مرور سنتين على أزمة الفراغ الرئاسي في 25 مايو الجاري، من دون ان تتبيّن ايّ ملامح ايجابية لإمكانات وضع حد لها، لا على المستوى الداخلي ولا على المستوى الإقليمي والخارجي.

ولا تخفي أوساط لبنانية واسعة الاطلاع ومعنيّة بمتابعة التحرك الفرنسي عبر «الراي» حذرها الشديد حيال ايّ تفاؤل مسبق في غير مكانه إزاء هذا التحرك قبل اتضاح خطواته العملية، لا سيما في ما يتصل بقدرة فرنسا على كسْر معادلة اقليمية، تحكّمت منذ الأساس، ولا تزال، بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، ولم تتمكن باريس رغم محاولاتها الدؤوبة من تبديلها.

ولكن هذه الأوساط تلفت الى تطور لا يمكن تجاهله، وهو ان التحرك الفرنسي يأتي على وقع نجاح استحقاق الانتخابات البلدية في لبنان، وهو - وإن لم يكن العامل المرجّح لمعاودة باريس تحريك مبادرتها اللبنانية - فإنه لعب دوراً مؤثّراً في إعادة الاعتبار والروح الى قدرة لبنان على إحياء نظامه والإيفاء باستحقاقاته الديموقراطية.

وتقول الاوساط نفسها لـ «الراي» ان «السفير الفرنسي في بيروت يعدّ برنامجاً حافلاً لمواعيد لقاءات وزير الخارجية الفرنسي مع كل القوى والأحزاب اللبنانية لدى زيارته لبيروت بما فيها (حزب الله)»، وان «هذه الزيارة تهدف الى استمزاج القوى اللبنانية في المخارج الممكنة للفراغ الرئاسي، بما يطرح احتمال ان تكون فرنسا تجري مشاورات رديفة مع الدول المعنية بلبنان وأزمته، بدءاً بالسعودية وإيران تحديداً، اللتين قامت الديبلوماسية الفرنسية منذ نشوء أزمة الرئاسة بمحاولات مكوكية عدة معهما للتوصل الى حلّ ولم تُوفق في ضوء التطاحن بينهما في أكثر من ساحة ملتهبة».

وتضيف الأوساط ان «استئناف التحرك الفرنسي أثار جملة تساؤلات وتكهنات، لا أجوبة واضحةً عليها بعد، وربما يحمل اللقاء الذي عُقد بين الرئيس الفرنسي والرئيس الحريري بعضاً منها، وفي مقدّمها ما يتصل بطرْح، سبق ان أثار جدلاً، ونُسب الى البطريرك الراعي، الذي نفاه، ويتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية لمدة سنتين فقط، مع ايحاءات بأن هذا الطرح وُضع لانتخاب العماد ميشال عون تحديداً».

وفيما توقّفت دوائر مراقبة عند ما نقلته إحدى صحف «8 آذار» في معرض قراءتها كلام الرئيس نبيه بري عن إجراء انتخابات نيابية مبكّرة، مع ضمانة بأن يلتزم الجميع تأمين النصاب لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية فور إنجاز الاستحقاق النيابي وتفسيره على انه «يعني في مكان ما أن بري صار متيقناً من صعوبة تمرير صفقة انتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً»، تحفّظت الاوساط اللبنانية الواسعة الاطلاع بنسبة عالية على الاعتقاد بأن طرح الرئيس الانتقالي جدّي، ملاحِظة انه يجري توظيفه اعلامياً وسياسياً من جانب بعض الجهات اللبنانية لأهداف معروفة، من أبرزها قفل الباب على فرنجية.

وتذكر الأوساط عيْنها ان «تحركاً فرنسياً على مستوى دولي لا يمكن ان ينطلق من اقتراح محدود ومحفوف بالمحاذير، بل يتعدى ذلك الى ما بدأ يتحدث عنه الرئيس بري، الذي بدا كأنه التقط الرسالة الفرنسية وراح يركّز على ما يسميه (دوحة لبنانية)، نسبةً الى لقاء الاطراف اللبنانيين في قطر بعد أحداث 7 مايو 2008 العسكرية في بيروت، وهو المؤتمر الذي جرى برعاية قطرية واقليمية ودولية آنذاك وأدى الى توافق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، ضمن رزمة حلّ واسعة، شملت قانون الانتخاب وتشكيل الحكومة. ولعلّ الفرنسيين سيحاولون النفاذ من موضوع السلة الشاملة لإحياء تحرّكهم والدفع نحو تحرك دولي أوسع، ولو تفيأ إطار مجموعة الدعم الدولية للبنان، بما يمثّل عاملاً ضاغطاً على ايران والسعودية، لتحييد لبنان عن صراعاتهما في المنطقة. علماً انه سبق للفرنسيين ان ردّدوا طرْحهم لجعل لبنان مساحة توافقية او لفك الاشتباك بين السعودية وإيران من خلال حل أزمة الفراغ الرئاسي».