تحقيق / اندماج «الملاحة العربية» و«هاباك لويد» بين المكاسب والمخاطر
هل تبيع دول الخليج «درع الجزيرة»... اللوجستي؟
| كتب علي إبراهيم |
1 يناير 1970
01:50 ص
«الملاحة العربية» تأسست بمبادرة كويتية وتحولت إلى عملاق خليجي وحيد
اتفاق لدمج «الملاحة» مع «هاباك لويد» الألمانية لإنشاء خامس أكبر شركة شحن بحري في العالم
الشركة أمنت الإمدادات اللوجستية في الخليج العربي حين ارتفعت مخاطر التأمين خلال الحروب
الخالدي: التخلي عن الشركة يتعارض مع «السعودية 2030» واستراتيجية الكويت للتحول إلى مركز تجاري
قبل 48 عاماً، أسّست الكويت أول خطّ ملاحي في الخليج تحت اسم شركة وكالات الملاحة الكويتية. ولاحقاً تحوّلت الشركة المحليّة إلى عملاق إقليمي تتقاسم ملكيته ست دول، باسم «الملاحة العربيّة المتحدة». لكن الاسم العربي الوحيد بين عمالقة نقل الحاويات الدوليين ربما يختفي قريباً، إذا ما تمت صفقة الاندماج مع العملاق الألماني «هاباك لويد». فلماذا تتخلّى دول الخليج عما يجوز وصفه- ربما- بـ«درع الجزيرة» اللوجستي؟
يحكي نايف الخالدي قصته مع شركة الملاحة العربية (UASC) بشيءٍ من الغصّة. كانت البداية حين ترك العمل الحكومي قبل نحو ثلاثين عاماً ليلتحق بالشركة الصاعدة. كان مقرّ الشركة حينها في الكويت، درّة تاج الخليج في ذلك الزمان، وظلّ كذلك إلى أن اضطرت الشركة لنقل مكاتبها إلى دبي في العام 2005، لتكون بالقرب من مركز حركة التجارة الإقليمية.
تدرّج الخالدي في مناصب عديدة، إلى أن تولى في العام 2008 منصب نائب الرئيس للمشتريات والعقود الحكوميّة، وظل فيه إلى أن تقاعد في العام 2013. خلال سنوات عمله، عاصر «أبو محمد» أياماً صعبة. «خلال حرب الخليج الأولى (الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988)، توقفت شركات التأمين العالمية عن تغطية حركة السفن التجارية في الخليج، فظلت شركة الملاحة العربية وحدها توفر الإمدادات الغذائية والاستهلاكية وغيرها لدول المنطقة، ودفعت ثمناً لذلك بتعرض إحدى سفنها للاستهداف من إيران».
وفي حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي) تكرّر الأمر، وشكلت «الملاحة العربيّة» مرة أخرى «درع الجزيرة اللوجستي».
وتعد «الملاحة العربية» التي تأسست عام 1976، شركة شحن عالمية اليوم، تغطي خدماتها أكثر من 240 ميناء في العالم، كما تمتلك أكثر من 185 مكتباً حول العالم، وفق البيانات المذكورة على موقعها الإلكتروني.
وعقدت الشركة أخيراً واحدة من أكبر صفقات الشحت البحري في العالم، حيث وقعت عقداً بأكثر من ملياري دولار لتوسيع أسطولها وبناء 17 سفينة جديدة من أكبر سفن نقل الحاويات في العالم، منها ست سفن شحن بتكنولوجيا متقدمة بسعة 18.800 حاوية نمطية و11 سفينة شحن بسعة 15.000 حاوية نمطية. وستكون تلك السفن الأولى في العالم التي يمكنها استخدام الغاز الطبيعي المسال وقوداً مما يسهم في تقليل الأثر البيئي وتكاليف استهلاك الوقود.
إلا أن هذه الضخامة في الأعمال والحضور العالمي لا تنعكس على الأرباح. فقد واجهت الشركة خسائر متراكمة، تمت معالجتها بأكثر من عمليّة رسملة، ما أدى إلى تغيير جذري في هيكل ملكيتها.
ففي حين كانت حصص الكويت والسعودية والعراق والإمارات وقطر متساوية عند 19.5 في المئة، وحصة البحرين 2.5 في المئة، ارتفعت حصة قطر إلى 51 في المئة، وحصة السعودية إلى 36 في المئة، في حين تراجعت حصة الكويت إلى 5 في المئة بسبب تمنعها عن المساهمة في آخر زيادة لرأس المال. وتراجعت حصص الإمارات والعراق والبحرين إلى نشب لا تكاد تذكر بسبب تمنعها عن الاكتتاب في أكثر من زيادة لرأس المال.
ولم تكن مصاعب «الملاحة المتحدة» إلا جزءاً من المصاعب التي تواجه صناعة النقل البحري بشكل عام، في ظل فائض السعات وانخفاض الأسعار، ولو أن انخفاض أسعارالوقود حسّن الأحوال أخيراً ووفّر مجالاً لتحقيق بعد الأرباح.
أما هذا الوضع، تم الكشف أخيراً عن مفاوضات للاندماج بين شركة الملاحة العربية المشتركة وشركة «هاباك لويد» الألمانية، التي تعد سادس أكبر شركة شحن بحري في العالم. ومن المتوقع أن يؤدي الاندماج إلى ولادة خامس أكبر شركة في القطاع عالمياً. ويقضي الاتفاق المبدئي بأن يحصل مساهمو «الملاحة على 28 في المئة من أسهم الكيان الجديد، مقابل 72 في المئة لمساهمي«هاباك لويد».
مصادر قريبة من«الملاحة العربية»أوضحت لـ«الراي»أن قرار الاندماج خيار استراتيجي اتخذه الملّاك الرئيسيّون، في ضوء معطيات السوق والبدائل المتوافرة أمامهم. وأشارت إلى أن هذا الخيار ربما يكون أقصر الطرق ليكبر حجم الشركة وتتوسع شبكتها العالمية من دون ضخ رأسمال إضافي.
وأشارت المصادر إلى أن الاندماج يؤمن مصالح متبادلة للشركاء في«الملاحة» و«هاباك لويد». فمن جهة، يجد مساهمو«الملاحة»مصلحة في الاندماج مع شركة عالميّة مدرجة في بورصة فرانكفورت، والاستفادة من شبكتها وخبرتها وحجم أعمالها. وفي المقابل، تجد«هاباك لوديز»في الاندماج مع«الملاحة»فرصة ممتازة للتوسع، بالنظر إلى وجود أسطول سفن كبير وحديث لدى«الملاحة»يمكن الاستفادة منه على نطاق عالمي، ولكون«الملاحة»تغطي بشكل قوي سوق الشحن البحري في الشرق الأوسط.
لكن هذا الرأي ليس محل إجماع دائماً. فبعض الذين عملوا في الشركة لسنوات طويلة يتأسفون لانتقال السيطرة على إدارة الشركة إلى ألمانيا.
يقول نايف الخالدي إن«شركة الملاحة العربية المتحدة ناقل وطني له دوره الفعال في دعم المنطقة خلال الأزمات التي مرت بها خلال العقود السابقة، والاستغناء عنها يجعل الدرع اللوجيستي الخليجي في خطر».
ويشير الخالدي إلى أن«الشركة تحاكي في أهميتها (درع الجزيرة)، خصوصا وأنها في حرب الخليج الأولى، وبعد رفض جميع الخطوط الملاحية دخول الخليج نظراً لارتفاع مخاطر التأمين، أمنت الشركة احتياجات المنطقة، وضُربت إحدى سفنها، إضافة إلى مساهمتها في حرب تحريرالكويت، ونقلها المعدات من دبي إلى الكويت بعد التحرير».
وأكد الخالدي أن دمج الشركة يتعارض مع التوجهات الاستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي خصوصا السعودية والكويت، إذ يتنافى مع استراتيجية السعودية 2030، وخطة تحول الكويت إلى مركز مالي وتجاري، خصوصا وأن الشركة كانت منافسا قويا لـ«هاباك لويد» الألمانية و«ميرسك» في المنطقة من حيث الأسعار، والحمولات، ما يجعل الخيار الأمثل للملاحة هو التحالفات وليس تسليم القيادة لأجانب ووضع أمن الخليج اللوجيستي بيدهم.
وأشار الخالدي إلى انه في عام 2009 كانت هناك رغبة إماراتية في شراء الشركة بالكامل، فدبي ليس لديها خط ملاحي ولكن لديها نشاط قوي في إدارة موانئ.
وأعرب الخالدي عن استغرابه من عدم محاسبة المساهمين لمجلس إدارة الشركة، خلال الجمعيات العمومية للسنوات السابقة، وكذلك عدم تغيير الرئيس التنفيذي رغم الخسائر السنوية المحققة
وفي شأن التغييرات الهيكلية خلال الفترة الماضية وأثرها على الشركة وادئها قال الخالدي، في 2013 أزاحوا الخليجيين، وأتوا بالأجانب ولم يتغير الأمر بل تحول إلى الأسوأ، فمنذ أزاحة الخليجيين والشركة تنهار.
ونوه إلى أنه في 2009 أتت إدارة الشركة، بشركة استشارية ألمانية لإعادة الهيكلة، تتقاضى ملايين الدولارات وفقا للعقد الذي انتهى ولم يفدهم في شيء، كما أتوا في 2005 بشركة استشارية حين انتقلت من الكويت إلى دبي لعمل هيكلة إدارية وسلم رواتب، إلا ان هناك من تم تعيينهم من مستشاري الشركة الاستشارية في الملاحة، دون مراعاة التخصصات والخبرات.
كذلك تشمل عملية التعيينات بعض المفارقات التي لا تراعي اصحاب الخبرة الطويلة والعلاقات القوية وتتعمد التخلص منهم، حيث تم تعيين أحد الأفراد في غير تخصصه ليقود عملا لا يملك فيه أي خبرة، كذلك الاستغناء عن احدى الخبرات الخليجية ذات الباع والثقل بالسوق في مجالها واستبدالها بشاب خليجي اخر حديث العهد بالعمل، ناهيك عن اقصاء العديد من أصحاب الجنسيات العربية في مناصب بالشركة ويمتلكون خبرات كبيرة وعينوا مكانهم أجانب مطرودين من شركات أخرى.
وأشار الخالدي إلى انه في عام 2009 كانت هناك رغبة إماراتة في شراء الشركة بالكامل، فدبي ليس لديها خط ملاحي ولكن لديها نشاط قوي في إدارة موانئ.
وأوضح الخالدي أن السفن الجديدة التي تسلمتها الشركة ذات حمولة الـ 18 الف حاوية، تعد ميزة تجعل الشركة هدفا لكثير من الشركات الراغبة في الاستحواذ.