«حماوة المعارك» والأمن الممسوك رفعا نسبة الاقتراع
التطاحُن في جونية طغى على «بلدية» جبل لبنان
|?بيروت - «الراي»?|
1 يناير 1970
12:27 م
تحالُف «عوني - قواتي» ضدّ دوري شمعون في دير القمر
وجوه نسَوية واجهت «حزب الله» في برج البراجنة
وسط موجة حرّ شديدة ومبكّرة يشهدها لبنان منذ يومين، اختبر اللبنانيون امس، ديموقراطيتهم في الفصل الثاني من الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت في محافظة جبل لبنان بعد الجولة الاولى التي سبقتها في بيروت والبقاع قبل أسبوع.
واكتسبت هذه الجولة، التي دعي فيها 834768 ناخباً لاختيار 325 مجلساً بلدياً، مزيداً من الأهمية والانشداد بفعل عوامل كثيرة من أبرزها طغيان طابع المنافسات الحادة على البلدات ذات الغالبية المسيحية في مناطق توصف بانها قلب الجبل المسيحي عموماً مثل مدينة جونية، كما في مناطق مختلطة من المسيحيين والدروز والشيعة مثل أقضية الشوف وعاليه والمتن الجنوبي.
لكن، وعلى غرار ما شكّلته المعركة في مدينة زحلة في الجولة الانتخابية الأولى من محورٍ للاهتمام والرصد وسط تغطية إعلامية واسعة، فان معركة جونية شكّلت في الجولة الثانية امس نقطة الاستقطاب الكبرى في ظلّ احتدامٍ وتنافسٍ حادّيْن للغاية ارتفعت معهما نسبة الإقبال على الاقتراع الى حدود عالية كان يُتوقّع ان تفوق الـ 55 في المئة قبيل اقفال صناديق الاقتراع مساءً.
ومع ان معارك عدة اجتاحت أقضية أخرى وكانت مثار متابعات قوية للقوى السياسية، فإن جونية شهدت عرضاً مثيراً للتشويق في ظلّ زجّ مجموعة عوامل في معركتها التي قيل إن أموالاً طائلة أُنفقت فيها فاقت عشرين مليون دولار، الأمر الذي في حال صحّته يفسّر التضخم السياسي الذي اكتسبته المعركة التي دارت بين لائحتين تَداخَل في كل منهما العامل السياسي والعائلي للقوى المحلية وايضاً للأحزاب المسيحية في انقسامٍ متوازنٍ جعل للمعركة بعداً تجاوز الإطار البلدي والاختياري الى حدود الاستفتاء على الزعامة المسيحية وصلتها بالانتخابات الرئاسية.
وتَبارزت في «عاصمة المسيحيين» جونية لائحة مدعومة من «التيار الوطني الحر» وحزب الكتائب وقوى عائلية برئاسة جوان حبيش مع لائحة أخرى مدعومة من نائبيْن سابقيْن نافذيْن هما منصور غانم البون وفريد الخازن كما من رئيس مؤسسة الانتشار الماروني نعمة افرام النافذ جداً في جونية ومدعومة ايضاً من «القوات اللبنانية».
ووسط هذا الخليط المتنافس رفع زعيم «التيار الحر» العماد ميشال عون المعركة عشية الانتخابات الى ذروتها من خلال زيارة قام بها لمقر عمليات لائحة حبيش في جونية موجها اتهامات الى اللائحة الثانية باستعمال المال من خلال رجل اعمال ثري جاء بأمواله من افريقياً، وكان يقصد رجل الاعمال جيلبير الشاغوري الذي يُعدّ الاكثر قرباً من منافس عون على رئاسة الجمهورية النائب سليمان فرنجية.
وبذلك تعمّد عون الذي تُعتبر جونية وكسروان قاعدته الانتخابية الاولى لكونه مع اربعة اخرين من نوابه يمثلون القضاء في البرلمان ان يفجّر المعركة على خلفية رئاسية وسياسية تتجاوز البُعد البلدي سعياً الى استنفار الناخبين وضمان فوز اللائحة التي يدعمها.
وفي انتظار ما ستحمله النتائج الاولية للانتخابات في ساعات الفجر والصباح الاولى اليوم، فإن معاينة المشهد الانتخابي عموماً أَبرزَ ظاهرةً ايجابية للغاية تمثّلت في نسب إقبال مرتفعة في غالبية أقضية جبل لبنان الستة وسط وضع أمني ممسوك وطبيعي باستثناء بعض الإشكالات العابرة كما حصل في بلدة أفقا (جبيل) بين مناصري لائحة مدعومة من «حزب الله» وأخرى من حركة «أمل».
أما الطابع السياسي للمعارك فاتخذ بُعداً مهماً ايضاً في بعض البلدات الكبيرة مثل دير القمر التاريخية، وهي مسقط عائلة شمعون العريقة حيث خاض رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون معركة حادة مع ائتلاف «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، وكانت المواجهة مفاجئةً للكثيرين لا سيما بين شمعون و«القوات اللبنانية» نظراً الى تحالفهما السياسي القوي المعروف، علماً ان الأول اعتبر المعركة ضدّه «إلغائية» وبدا كمَن يتصدى لها لإبقاء البيت الشمعوني العريق مفتوحاً في إطار حسابات متصلة بالانتخابات النيابية المقبلة.
واذا كانت دير القمر اختصرت المنازلات في قضاء الشوف، فإن منطقة اقليم الخروب ذات الغالبية السنية شهدت عدداً من المعارك نتيجة فشل «تيار المستقبل» والنائب وليد جنبلاط في رعاية توافقات في بعض البلدات ما جعلهما يتركان معاً الحرية للناخبين او ينكفئ أحدهما، كما حصل في شحيم حيث وقف «الاشتراكي» على الحياد فيما سحبت «الجماعة الاسلامية» مرشحيها لتنحصر المنافسة بين لائحة يدعمها «المستقبل» وشخصيات وبين لائحة من العائلات والمجتمع المدني. اما في برجا (معقل «الجماعة الاسلامية») فترك «المستقبل» و«التقدمي» الحرية للناخبين لتدور المعركة بين لائحة مدعومة من «الجماعة» وأخرى من الحزب «الشيوعي» وثالثة من العائلات.
وفيما برزت معركة في الدامور بين لائحة أيّدتها «القوات اللبنانية» والنائب جنبلاط وأخرى مدعومة من «التيار الحر»، لم تكن هناك في المقلب الدرزي مواجهات كبيرة الا في بلدة الشويفات حيث تواجهت لائحة مدعومة من النائب طلال ارسلان مع اخرى يدعمها جنبلاط، فيما فازت لوائح كثيرة بالتزكية.
وفي قضاء المتن الذي يشكّل «ساحة ثقل» اساسية لنفوذ النائب ميشال المر، و«قلعة» لحزب الكتائب تاريخياً ومركز استقطاب اساسياً لـ «التيار الحر» ونقطة تمدُّد لـ «القوات»، اختصرت معركة سن الفيل المواجهات اذ دارت بين لائحة مدعومة من «الكتائب» والمرّ من جهة وبين أخرى أيّدها ائتلاف «التيار الحر» و«القوات اللبنانية» الذي اختبر مجدداً تحالفه السياسي «الناشئ» بفعل دعم الأخيرة للعماد للرئاسة من خلال بعض المواجهات الانتخابية وكان أبرزها على الإطلاق في محلة الحدَث.
وفي الضاحية الجنوبية، بدا الأمر مبتوتاً لمصلحة اللوائح المشتركة بين «حزب الله»وحركة امل و«التيار الوطني الحر»، علماً ان الأنظار شخصت على النسب التي ستحققها اللوائح المنافِسة للحزب في«عقر داره»وتحديداً في الغبيري (مسقط مصطفى بدر الدين) وبرج البراجنة (تم تشكيل لائحة من العائلات تضم 5 نساء) وحارة حريك (وإن كانت هذه اللوائح في غالبيّتها غير مكتملة)، باعتبار ان هذه النتائج سيتمّ التعاطي معها كمؤشر للمزاج الشعبي الشيعي وستضاف الى ما انتهت اليه صناديق الاقتراع الاحد الماضي في بعلبك (البقاع) التي تُعتبر«جمهورية حزب الله» حيث نالت اللائحة المواجِهة نحو 40 في المئة من الأصوات.