اللائحتان المتنافستان تَقاسمتا «الانتصار» واحدة بالربح والثانية بالحضور

تداعيات «الفوز المأزوم» بانتخابات بلدية بيروت تلفح علاقة الحريري بحلفائه المسيحيين وجنبلاط

1 يناير 1970 12:27 م
لا تزال الساحة اللبنانية الاعلامية والسياسية تضجّ بالقراءات المختلفة لنتائج الجولة الاولى من الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت الأحد الماضي في بيروت والبقاع، فيما بدأ الإعداد لمواكبة الجولة الثانية منها التي ستجري الأحد المقبل في محافظة جبل لبنان.

وأثار تأخير نشر النتائج الرسمية لانتخابات بيروت والبقاع أصداء سلبية حول إحدى الجوانب الإدارية الأكثر أهمية في العمليات الانتخابية، اذ تأخّرت لجان القيد العاملة منذ اقفال صناديق الاقتراع مساء الاحد في إنجاز عمليات الفرز وإعلان النتائج حتى ساعات متقدمة من امس نظراً الى اعتماد الفرز اليدوي لعشرات آلاف الصناديق.

وفي أي حال، فإن هذه المسألة بدت هامشية امام التداعيات السياسية التي بدأت بعض ملابسات الانتخابات ووقائعها ونتائجها بإثارتها بقوّة حتى بين حلفاء سياسيين. وأكثر ما أثار الاهتمام اندفاع ملامح خلافات مبطّنة ظهرت الى العلن بين زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري وبعض القوى المسيحية التي انخرطت معه في دعم لائحة «البيارتة» البلدية التي فازت في بيروت بكامل مرشحيها الـ24 مع حصول اول الفائزين فيها (يسرى صيداني) على نحو 47 ألف صوت مقابل نيل اول الفائزين على لائحة «بيروت مدينتي» (تضمّ نخباً من المجتمع المدني ثقافية وعلمية وفنية وذوي خبرات) نحو 32 الف صوت (نحو 40 في المئة من عدد المقترعين). ولكن برز مع فوز لائحة الأحزاب عدم التزام في التصويت للائحة الائتلاف في مناطق نفوذ الأحزاب المسيحية («القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» و«الكتائب») حيث نالت «بيروت مدينتي» النسبة الأكبر من أصوات الشارع المسيحي بنسبة نحو 70 في المئة، رغم تدني إجمال نسبة اقتراعهم (مثلاً حصلت «بيروت مدينتي» في الدائرة الاولى على نحو 9 آلاف صوت مقابل نحو 6 آلاف للائحة «البيارتة»).

وتَسبّب هذا التطوّر بنشوء واقعٍ متوتر للغاية بين الحريري وحلفائه، وخصوصاً بعدما وجّه زعيم «المستقبل» انتقادات علنية صارمة لبعض هؤلاء في الكلمة التي وجهها مساء الاثنين الى أهالي بيروت مهنئاً بفوز «لائحة البيارتة»، ومتوجّهاً بتحية لافتة الى الذين صوتوا للائحة «بيروت مدينتي» الذين خاطبهم قائلاً: «في الحقيقة انكم تشبهوننا ولا تشبهون أبداً الذين حاولوا ان يزايدوا علينا بأصواتكم لهدف واحد هو كسر المناصفة»، قبل ان يضيف: «هناك حلفاء التزموا معنا بالكامل و حلفاء آخرون فتحوا خطوطاً لحساب مرشحين من خارج اللائحة بشكل كان يمكن ان يهدّد المناصفة وهذا أمر لا يشرّف العمل السياسي ولا العمل الانتخابي». علماً ان صحيفة «السفير» نقلت ان زعيم «المستقبل» كان أبلغ الى بعض معاونيه انه إذا سقطت «لائحة البيارتة» أو اختُرقت، فسأعتزل العمل السياسي نهائياً، وهو كلام بلغ مسامع قيادات سياسية أخرى أبرزها الرئيس نبيه بري.

وفيما كان«التيار الحرّ»(يقوده العماد ميشال عون) الذي التحق بلائحة«البيارتة»رغم الخصومة السياسية مع الحريري وذلك عبر«الجسر»الذي وفّرته له«القوات اللبنانية»يعزو عدم التزام مناصريه بخيار«البيارتة»الى ما يشبه«التمرّد»الحزبي الذي قاده (في دائرة بيروت الأولى) القيادي العوني زياد عبس بوجه اللائحة الائتلافية وسط توقعات بفصل عبس من التيار، فان اوساطاً قريبة من«القوات»ردّت ما جرى الى عامل«الأرض العاتبة»ومزاج الناس الذي كان معبأ ضد أداء البلدية السابقة من أزمة النفايات وغيرها، ما جعل ماكينة«القوات»الانتخابية رغم الجهود الكبيرة التي بذلتْها غير قادرة على إقناع الناخبين بخيار لائحة«البيارتة»ولا إجبارهم على التصويت بغير قناعاتهم في الاستحقاق البلدي الذي تختلف اعتباراته كثيراً عن الانتخابات النيابية مثلاً.

وقالت اوساط معنية بالعلاقات بين«تيار المستقبل»والقوى المسيحية ولا سيما منها«القوات اللبنانية»ان اتصالات بدأت منذ البارحة بين هذه القوى من اجل شرح مجريات الانتخابات والتأكيد ان ما حصل في مناطق محسوبة على القوى المسيحية كان خارجاً عن ارادة القيادات الحزبية التي التزمت بالكامل الائتلاف الانتخابي، ولا وجود تالياً لأي خلفيات سياسية وراء حصول لائحة منافِسة على رقم مهمّ من الاصوات وخصوصاً ان الرقم الآخر للذين التزموا مع لائحة البيارتة يظهر ان التفلّت لم يكن خطيراً الى حدود تهدد فعلاً لائحة الائتلاف.

كما ان غيوم التوتر امتدّت الى العلاقة بين الحريري والزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط الذي دأب منذ أسابيع على انتقاد لائحة«البيارتة»مع انه ممثل فيها، وبدا امس ان جنبلاط فهم مغزى الانتقاد الذي وجّهه الحريري الى بعض حلفائه وهو منهم، فسارع الى كتابة تعليق على صفحته على موقع«تويتر»محاولاً تخفيف التوتر وداعياً الى ان«نقبل جميعا النقد الذاتي». أما الأهمّ في موقف جنبلاط انه نأى بحزبه عن معركة انتخابية بارزة في بلدة برجا في اقليم الخروب ذات الغالبية السنية وكأنه أدرك سلفاً انه ربما يجري إسقاط مرشحيه هناك بعد خلافه مع الحريري.