اجتهادات

بونزي... والنصب

1 يناير 1970 01:48 ص
يعود ما يعرف باسم سلسلة أو هرم بونزي إلى شخص إيطالي ولد أواخر القرن التاسع عشر في مدينة لوغو ويدعى شارلز بونزي. هاجر في عام 1903 إلى بوسطن الأميركية ولم يكن معه في ذلك الوقت أكثر من ثلاثة دولارات. عمل في مجالات عدة، حيث بدأ كنادل في أحد المطاعم ومن ثم مساعد صراف في أحد البنوك الكندية، ومهربا للمهاجرين الإيطاليين غير الشرعيين، وبعدها في مجال البريد حتى تمكن من السيطرة على أحد البنوك الأميركية وأنشأ شركته الخاصة وأصبح من أكبر أثرياء الولايات المتحدة، إلا أن قصته لم تكلل بالنجاح، فقد انتهى به المطاف بالسجن وتوفي في مستشفى خيري في البرازيل، وكان حينها لا يملك حتى قوت يومه!

لا يهمني في هذا المقال قصة بونزي بالتحديد، ولكن العبرة المهمة فيها أن نعرف ما هي سلسلة أو هرم بونزي؟ أولا، لا بد أن نشير إلا أنه ورغم أن قصة بونزي تعتبر الأكثر رواجا لشرح هذه السلسلة، إلا أن قصص التاريخ في ما سبق بونزي كثيرة ومتشابهة، إلا أن طريقة التنفيذ ودقة التفاصيل التي صاحبت قصة حياة بونزي، ساهمة في إطلاق اسمه على هذه السلسلة أو الهرم.

تبدأ السلسلة من خلال شخص يقوم بالتسويق لفرص استثمارية ضخمة العوائد وسريعة الأرباح، ويجب أن يمتلك هذا الشخص قدرة هائلة على الإقناع والترويج لمشروعه الاستثماري الناجح! كل ذلك من أجل السعي إلى تحصيل مبلغ من المال من قبل عدد من الأشخاص لبدء المشروع، وليمكنه كذلك من الاقتراض لتغطية تكاليف المشروع الأولية. يستخدم هذا الشخص «المحتال» القاعدة الأولى من عملائه ليشكلوا رأس الهرم والأساس لتسويق مشروعه الإجرامي معتمدا على الغريزة الإنسانية في حب المال وتعظيمه في فترة زمنية بسيطة.

بعدها، يبدأ المحتال بتوزيع الأموال على المستثمرين وفقا للعوائد التي وعدوا بها من خلال ما دفعوه من أموال أو من خلال الأموال المقترضة. كل ذلك بهدف تعزيز الثقة بالمشروع ولاستخدامهم كأداة تسويقية لجذب مستثمرين (مساكين) جدد من خلال قيام المستثمرين الحاليين بإخبار أصدقائهم ومن حولهم بما يتلقونه من ربح سريع وهذا بالطبع يشكل العامل الأهم في جذب المستثمرين الجدد.

يقوم بعدها المحتال في هذه العملية باستغلال أموال المستثمرين الجدد في سداد أرباح المستثمرين القدامى، وفي بعض الأحيان تخييرهم بين الاستمرار في هذا الاستثمار الناجح وتحقيق عوائد أكثر وأعظم وبين الحصول على العوائد المزعومة. ولأن النفس الإنسانية بطبيعتها تميل إلى الطمع، فإن الغالبية العظمى من المستثمرين تفضل الاستمرار في هذا الاستثمار الفاشل أو حتى أنهم يقومون في بعض الأحيان بزيادة مساهمتهم في المشروع، غير عالمين بما قد سيلحق بهم من جراء ذلك!

تستمر هذه العملية لجذب مستثمرين آخرين وهكذا حتى تنتهي حين يختفي صاحب المشروع لأنه بكل بساطة استطاع أن يجمع أكبر قدر ممكن من الأموال من المستثمرين المغلوب على أمرهم والمضحوك عليهم، أو أن يكون عاجزا عن جذب مستثمرين جدد ليتمكن من خلالها من استغلال أموالهم في سداد أرباح المستثمرين القدامى، أو أنه قد يصل لمرحلة قد لا يستطيع معها سداد الأرباح المروج لها، لينكشف أمره في الحالات السابقة وتضيع معه أموال من استثمروا معه!

الحوادث كثيرة في هذا الشأن، ولعل أضخمها قصة بنك مصري، استطاع جذب ملايين الجنيهات من المواطنين البسطاء من خلال وعودهم بتحقيق أرباح خيالية لدرجة انخفضت معها قيمة السيولة لدى البنوك الأخرى، حتى انكشف أمره وضاعت معه أموال الناس! كما أننا شاهدنا كيف استطاع المصرفي المعروف برنارد مادوف، جذب استثمارات من جهات ومؤسسات وشركات لتنكشف خدعته ابان الأزمة المالية العالمية الأخيرة ! وفي الكويت تحديدا، نسمع بين الحين والآخر قصصاً مختلفة لأساليب النصب والاحتيال «البونزية»، وكأن العبرة منها لم تعظنا من تجنبها، فهل من معتبر؟

Email: [email protected]