أطفال حكموا العالم

الملك فيصل الثاني... آخر ملوك دولة الرافدين / 17

1 يناير 1970 12:58 ص
| القاهرة - من نعمات مجدي |
«هل حكم أطفال أو صغار؟» وهل تقلدوا زمام الأمور ومقاليد الحكم في بلدانهم؟
سؤال قد تكون الاجابة عليه لـ «الوهلة الأولى» لا، أو لا نعرف أو قد لكن من ومتى وأين؟
ونحن نقلب في أوراق قديمة جدا أو قديمة فقط، أو حتى حديثة، كانت المفاجآت تتوالى تباعا حيث اتضح أن الكثير من هؤلاء بالفعل حكموا وصالوا وجالوا وأيضا أخطأوا وارتكبوا مخالفات أثرت على شعوبهم.
ونحن نقلب في أوراق مختلفة أتضح أن كثيرا من المجتمعات «شمالية وجنوبية شرقية وغربية» حكمت من خلال أطفال وفتيان وشبان صغار.
وجدنا هذا في الممالك القديمة «مصر والعراق» ووجدناه في العصر الإسلامي ووجدناه في أوروبا وآسيا وغيرهما.
عثرنا على ما يؤكد أن طفلا في السابعة «حكم» وأن أكبر منه بسنوات قليلة قاد بلده وأن من هم في العشرين «كثر» تقلدوا زمام الأمور.
الأمر مع غرابته لا يخلو حتما من الطرائف والعجائب والمواقف الساخنة والمعارك المشتعلة حتى إن هذه الأمور حفرت في ذاكرة الشعوب أو في مجلدات تراثية.
«الراي» قلبت كثيرا في أوراق تراثية وقديمة ومتوسطة وحديثة واقتربت من حكايات غريبة وعجيبة مع أطفال وصغار وشبان حكموا وفي السطور التالية تفاصيل كثيرة.

وتمضي بنا المسيرة مع «أطفال حكموا العالم»... أو صغار تولوا مقاليد الحكم في بلادهم... وعربيا... من هؤلاء الملك فيصل الثاني هو آخر ملوك الأسرة الهاشمية التي حكمت العراق في الفترة من «1921 - 1958»، وهو يعتبر الملك الثالث لهذه الأسرة... حيث حكم جده، والذي يعتبر الملك الأول الذي حكم العراق من هذه الأسرة الهاشمية، وهو الملك فيصل الأول في الفترة من «1921 - 1933» حيث توفي في 8 سبتمبر 1933 وتولى من بعده الملك غازي الابن الأكبر للملك فيصل الأول الذي حكم العراق في الفترة من «1933 - 1939»... حيث توفي في حادث سيارة غامض في الرابع من أبريل «1939» ثم تولى بعده الملك فيصل الثاني حكم العراق في الفترة من العام «1939 - 1958».
وقبل أن نروي قصة تقلد الملك فيصل الثاني الحكم... علينا إلقاء الضوء على عائلته فجده الملك فيصل الأول هو أول أفراد الأسرة الهاشمية التي حكمت العراق بعد الشريف حسين بن الشريف علي الهاشمي ولد في 20 مايو 1883 بمدينة الطائف التابعة لإمارة مكة إحدى إمارات ولاية الحجاز التي كانت تابعة للدولة العثمانية آنذاك.
وهو الابن الثالث لشريف مكة الشريف حسين بن الشريف علي بن الشريف محمد بن عبد المعين بن عون الهاشمي، ونسب فيصل هو الحسن المثنى بن الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وقد تم اختياره ممثلا عن جده في البرلمان العثماني العام 1913، وكان ملكا على سورية لفترة قصيرة العام 1920 وتولى حكم العراق في الفترة من «1921 - 1933»، وقد تزوج مرتين وله ابنان «غازي ومحمد» وثلاث بنات «رافعة وعزة وراجحة».
من النهاية
توفي الملك فيصل في الثامن من شهر سبتمبر 1933... بعد إصابته بأزمة قلبية حادة أثناء وجوده في بيرن بسويسرا وإن دارت الشكوك حول ظروف وفاته حتى قيل إن ممرضته التي كانت تشرف على علاجه قد دست السم في حقنة أعطتها له ما أدى إلى وفاته.
أما والده الملك غازي الأول... ثاني ملوك الأسرة الهاشمية التي حكمت العراق بعد وفاة والده الملك فيصل الأول، ولد في مكة ضمن ولاية الحجاز إحدى ولايات الدولة العثمانية في العام 1912 وله ولد وثلاث أخوات، وقد توفي العام 1939 في حادث تصادم سيارته التي كان يقودها بنفسه بأحد أعمدة الإنارة.
وكما أثيرت الشكوك حول وفاة والده الملك فيصل الأول إلا أنه يقال إن حادث اصطدامه كان مدبرا للخلاص منه من قبل الإنكليز أصحاب النفوذ الكبير بالعراق آنذاك، وذلك بسبب تقربه من الألمان وتحديدا مع حكومة هتلر ضد الإنكليز.
وهذا يتضح من خلال التناقض بين تصريحات الأطباء الذين عاينوا الجثة وبين تقرير اللجنة الطبية الخاصة بالوفاة برئاسة الطبيب البريطاني سندرسن باشا... ومنها أيضا أحد الأقاويل التي تحدد سبب الوفاة بسبب إصابته مباشرة خلف الرأس... بآلة حادة وهو يقود سيارته بالرغم من الإعلان الرسمي للوفاة الذي يؤكد أنها بسبب اصطدام سيارة الملك بأحد الأعمدة الكهربائية.
ومن هذا تشير الوثائق البريطانية المعلنة حديثا... إلى وجود مراسلات عدة خاصة بين السفير البريطاني في بغداد يومئذ السيربترسون والحكومة البريطانية في هذه الفترة... حول ضرورة التخلص من الملك غازي الذي يقف ضد السياسة البريطانية في هذه الفترة التي كانت تواجه فيها الديكتاتوريات النازية والفاشية وقد تزوج من الأميرة «عالية»، وربطت بينهما قصة حب طويلة انتهت بإنجابهما ابنهم الوحيد «فيصل».
نشأته... وبدايته
ولد فيصل الثاني في بغداد العام 1935 وتوفي والده الملك غازي الأول بعد ولادته بـ «4» أعوام فقط وأصبح ملكا للعراق تحت وصاية الأمير عبد الإله ابن عم والده، وذلك بعد أن أتت بشهادة والدته الملكة عالية أخت الأمير عبد الإله.
حيث أدلت بشهادتها أمام مجلس الأعيان والوزراء بأن زوجها والد الملك فيصل... غازي الأول قد أوصى بأن يتولى الوصاية على ابنه عند وفاته الأمير عبد الإله ابن عمه.
وبذلك أصبح الوصي على عرش الملك فيصل الثاني لحين بلوغه... حيث تولى الوصاية على ولاية العرش العام 1941 وتنازل عن وصاية العرش في العام 1953 عندما بلغ فيصل الثاني الـ «18» عاما من عمره حيث حكم الملك فيصل فعليا بلا وصي من العام «1939 - 1958» عندما قتل بقصر الزهور في بغداد مع خاله الأمير عبد الإله برصاص انقلاب الجيش بقيادة «عبد الكريم قاسم» في 14 يوليو 1958.
وقد درس المرحلة الابتدائية في مدرسة المأمونية التي كانت تقع بمنطقة الميدان عند باب المعظم ودرس العلوم على يد أساتذة خصوصيين أشرف عليهم العلامة مصطفى جواد.
وفي العام 1947 سافر إلى إنكلترا للدراسة... حيث التحق بمدرسة ساندوليس، ثم التحق بكلية هارو في مايو 1949 وعند تخرجه منها العام 1952 قضى بضعة اشهر متجولا في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها ثم عاد بعدها لتولي سلطاته الدستورية كملك للعراق في مايو 1953 وبقي ملكا... حتى قتل وقامت الجمهورية العراقية في 14 يوليو 1958 حين أصبح آخر الملوك الذين حكموا العراق وآخر ملوك الأسرة الهاشمية حيث قام بخطوبة الأميرة الفاضلة في 13 سبتمبر 1957 بعد أن تقدم الملك رسميا للزواج ولكنه قتل قبل زواجه منها.
الملكة عالية
لم تحصل امرأة على لقب «ملكة» في تاريخ العراق المعاصر... سوى الملكة عالية أم الملك فيصل الثاني... فقد حصلت على هذا اللقب بعد زواجها من ابن عمها الملك غازي الأول... والد الملك فيصل الثاني في الـ «25» من يناير 1933 وتعتبر الملكة عالية ليست زوجة ملك فحسب، وإنما هي من عائلة ملكية، فوالدها الملك علي بن الحسين وعمها الملك عبد الله... والملك فيصل الأول... وجدها الشريف حسين... أما أخوها الأمير عبد الإله الأمير عبد الإله فهو الوصي على عهد العراق ما بين العام 1939 والعام 1953.
وولدت الملكة عالية في القرن الـ «19» من يناير العام 1911 في حارة الغشاشية بمكة المكرمة وتم زفافها إلى ابن عمها الملك غازي الأول والد الملك فيصل الثاني يوم الخميس 25 يناير العام 1934 وانتقلت إلى مقرها الجديد بقصر الزهور... حيث أخذت تتلقى دروسا في العلوم والآداب.
وأنجبت الملك فيصل الثاني يوم الخميس الثاني... من مايو 1935، وقد كانت نحيفة القوام ووجهها بيضاويا، هادئة الطبع مرحة وقد أمضت الملكة عالية معظم العامين 1949 و1950 في إنكلترا على مقربة من ابنها الملك فيصل الثاني الذي كان يدرس آنذاك في كلية هارو، وقد أجرت في ذلك العام عمليتين جراحيتين ولكن للأسف الشديد اكتشف الأطباء مرضها بالسرطان اللعين التي عانت منه كثيرا، والذي توفيت بسببه في يوم الجمعة 22 ديسمبر العام 1950 ودفنت في المقبرة الملكية بالأعظمية.
حراسة مكثفة
ويذكر أن الملكة عالية... كانت تتمتع بالحكمة ورباطة الجأش... فعندما علمت بوفاة زوجها في حادث سيارة بعد اصطدامه - وهو يقود سيارته - بعمود كهربائي قامت بوضع حراسة مكثفة على أبواب القصر، وقامت بعد «20» دقيقة من وفاته بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد... وأدلت بشهادتها بوصية الملك غازي الأول... أن يكون أخوها الأمير عبد الإله وصيا على العرش لحين بلوغ ابنه الملك فيصل الثاني، وبالفعل كان لشهادتها أثر كبير في استقرار الأوضاع وتولى أخوها الأمير عبد الإله الوصاية على العرش الذي ولد في الطائف بالحجاز العام 1913 وتلقى تعليمه في كلية فيكتوريا بالإسكندرية ثم عاد بعدها إلى بغداد ملحقا بالبلاط الملكي ووزارة الخارجية.
ولقد اختير وصيا على عرش العراق العام 1939 بعد مقتل الملك غازي الأول بعد شهادة أخته الأميرة عالية زوجة الملك غازي الأول ووالدة الملك فيصل الثاني... حيث أفادت بأن الملك أوصى بأن يكون الأمير عبد الإله وصيا على العرش في حالة وفاته، وعدم بلوغ ابنه سن الرشد، وقد كان يميل للغرب، وخاصة إنكلترا... ما أثار الكراهية في قلوب الشعب العراقي وأحرج الملك فيصل الثاني بعد تنازله عن الوصاية على العرش، وقد قتل وتم التمثيل بجثته في شوارع بغداد بعد ثورة الجيش بقيادة عبد الكريم قاسم في 14 يوليو 1958.
قصة خطوبته
تعرف الملك فيصل الثاني على الأميرة فاضلة... في حفل أقيم في بغداد أثناء زيارة عائلة الأميرة فاضلة لبغداد في يونيو 1954 وقد أعجب بها نظرا لجمالها الفتان والتقى بها مرة أخرى في فرنسا بعد عام من اللقاء الأول... فوقع في غرامها منذ اللحظات الأولى، وظل يتذكر اللحظات التي لن ينساها في حياته.
حيث زار إسطنبول العام 1957 والتقى مع فاضلة في جولة بحرية على متن يخت الأميرة خانزادة والدتها... ثم تكررت اللقاءات وتوطدت العلاقات العاطفية بينهما حتى تم إعلان الخطوبة رسميا في يوليو 1957 .
تعتبر الأميرة فاضلة هي سليلة السلاطين العثمانيين ولدت في باريس العام 1940 وتنتمي إلى عائلة عريقة من جهة أمها الأميرة زهرة «خانزادة» كريمة عمر فاروق نجل السلطان العثماني عبد المجيد الثاني... وابنة الأميرة صبيحة كريمة آخر السلاطين العثمانيين تزوجت والدتها من الأمير محمد علي إبراهيم العام 1940 وتوفيت في باريس 1977.
وبذلك فإن الأميرة فاضلة خطيبة الملك فيصل الثاني تعتبر تركية من جهة والدتها الأميرة خانزادة... ومصرية من جهة والدها الأمير محمد علي المصري.
وقد اضطرت الأميرة فاضلة لمغادرة تركيا مع عائلتها وهي ابنة الأربعة أشهر بسبب نفي كل من ينتمي بصلة قرابة إلى السلطان العثماني... حيث عاشت متنقلة مع عائلتها في مدن عديدة في فرنسا ومصر بالقاهرة والإسكندرية قبل أن تعود مرة أخرى مع عائلتها إلى تركيا العام 1954 ... حيث التقت والملك فيصل الثاني .
وقد كانت العلاقات في هذه الفترة حميمة... بين تركيا والعراق، وفي صبيحة يوم الـ «14» من يوليو 1958 عندما كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق لاستقبال الملك فيصل الثاني باسطنبول... لإعلان زواجه رسميا من الأميرة فاضلة، فوجئ رئيس وفد الاستقبال رئيس وزراء تركيا شخصيا «عدنان مندريس» بخبر الانقلاب في العراق وإلغاء الاستقبال، ولم تعرف عائلة الأميرة فاضلة خطيبة الملك فيصل الثاني... عن تفاصيل الأحداث المروعة للانقلاب... إلا بعد أيام عدة حيث علموا بمصير الأمير عبد الإله ورئيس الوزراء العراقي نوري السعيد... وخبر مقتل الملك فيصل الثاني داخل قصر الزهور في بغداد... عندما اقتحمه رجال الجيش بقيادة عبد الكريم قاسم.
وقد تزوجت الأميرة فاضلة - بعد اغتيال خطيبها الملك فيصل الثاني بعدة سنوات - من الدكتور خيري أوركوبول، وقد أنجبت منه ولدين «محمد وسليم» وتم طلاقها في ديسمبر 1965 حيث بدأت في العمل في هيئة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة.
فترة حكم
تولى الملك فيصل الثاني مقاليد الحكم في مارس 1953- بعد انتهاء مدة وصاية الأمير عبد الإله حسب القانون - وذلك بعد بلوغه الـ «18» عاما وورث تركة ثقيلة بسبب كراهية الشعب العراقي لتصرفات الأمير عبد الإله... الوصي على العرش لتقربه الشديد من الغرب وثقافته المحدودة وانغماسه في اللهو والانصراف عن مصالح الشعب وحاول جاهدا أن يمحو الصورة السيئة التي تركها خاله الأمير عبد الإله... وذلك لما يتمتع به من ثقافة واسعة تعلمها من دراسته وإقامته في إنكلترا.
وشهد عصره مزيدا من الحريات الدستورية وكان يتمتع بذاكرة قوية حتى إنه صحح معلومة تاريخية لرئيس الوزراء آنذاك نوري السعيد... ويقال إنه لم يشرب الخمر قط كما أنه كان لا يدخن وكان يهتم بدراسة التاريخ الإنساني خاصة التاريخ العربي الإسلامي.
وعند إعلان الوحدة بين مصر وسورية العام 1958 تحت مسمى الجمهورية العربية المتحدة، قام بتشكيل اتحاد بين العراق والأردن خاصة بما كانت تتمتع به الدولتان بدفء العلاقة لما كان يربط بين الملك فيصل الثاني والملك حسين بن طلال ملك الأردن... لما لهما من صلات قرابة وزمالة بالدراسة بانكلترا فقام بتشكيل اتحاد يؤدي إلى توازن بعد اتحاد مصر وسورية.
وقد كان يتمتع بدماثة الخلق إلى أن قتل في انقلاب الجيش وبالرغم من التمثيل الوحشي بجثتي الأمير عبد الإله ونوري السعيد... إلا أن الشعب العراقي كان يكن له الاحترام.